مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 09/04/1999

مؤسسات العالم الإسلامي تغط في رقاد سمج ثقيل

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ...

يزدان العالم الإسلامي اليوم بمؤسسات إسلامية كثيرة وكبيرة، لم يكن يحظى بها العالم الإسلامي من قبل. ولو عددنا هذه المؤسسات لطال بنا الحديث؛ وكلها أسماء ضخمة ومؤسساتٌ تبعث على الأمل المزدهر الكبير.

هنالك منظمة المؤتمر الإسلامي وما يتفرع عنها من فروع ومجامع.

وهنالك المؤسسات الثقافية الإسلامية المنتشرة في أرجاء العالم العربي والإسلامي.

وهنالك المؤتمرات الإسلامية المنبثقة عن هذه المنظمات والمؤسسات.

وهنالك الجامعات الإسلامية التي تتكاثر ولا تنقص بحمد الله.

وهنالك الاحتفالات الضخمة التي تُقام بالمناسبات الإسلامية الكثيرة التي تمر خلال كل عام.

وهنالك الكلمات الرنانة التي تتجاوب زوايا العالم الإسلامي بأصدائها. كل هذا موجودٌ بحمد الله عز وجل في عالمنا الإسلامي اليوم.

ولكننا ننظر ونبحث عن الثمرات التي تقدمها هذه المنظمات فلا نجد شيئاً، نبحث عن الأعمال التي تنهض بها هذه المؤسسات في سبيل الإسلام ولإرضاء الله عز وجل فلا نعثر على شيء. بل إننا لننظر فنجد أن همجية القرن العشرين تجتث حقوق الإنسان أجمع بما فيها الإنسان المسلم وغير المسلم. وتقتلع دعائم العدالة من كل صقع من أصقاع هذا العالم العربي والإسلامي.

وننظر وإذا بأيد أولئك الذين قد آلوا على أنفسهم أن يجتثوا شأفة الإسلام من كل صقع من أصقاع العالم سواء العالم الإسلامي أو غير العالم الإسلامي، ننظر فنجد أن هؤلاء الناس يفعلون فعلهم ويدأبون على تنفيذ خططهم وليس ثمة من ينكر، وليس ثمة من يقف في وجه هؤلاء الناس إطلاقاً. وكل عاقل من المسلمين يقف أمام هذه الظاهرة محتاراً ...

أين هي أصوات منظمة المؤتمر الإسلامي؟ أين هي أصوات ما تفرع عنها من مؤسسات ومجامع؟ أين هي أصوات الجامعات الإسلامية المتنوعة؟ أين هي أصوات قادة الإسلام والمسلمين في بلادهم؟ أين هي ثمرات هذه المؤسسات الضخمة؟ أين هي أصوات الذين يجلجلون خلال العام بكلماتهم الطنانة في احتفالاتهم الضخمة بالمناسبات الإسلامية المختلفة؟ مالهذه الأصوات قد خفتت الآن؟ ومالمنظمة المؤتمر الإسلامي قد اختبأت في الظلام؟ ومالها لا تنبس ببنت شفة؟ ومال هذه المؤسسات والقائمين عليها لا يقولون كلمة ولا يرفعون صوتهم بأي استنكار؟

بل أقول: مالنا ننظر فنجد أن الغرب الذي يفعل ما يفعل بهمجيته التي لا مثيل لها في تاريخ العالم كله نجد فننظر هو الذي في الوقت ذاته يتظاهر بالرحمة التي يرسلها لهؤلاء الذين يهجرون من بلادهم وديارهم وأوطانهم؟ هؤلاء الذين يرتكبون جرائمهم المنكرة بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، هم أنفسهم الذين يقومون قياماً مزيفاً طبعاً بواجب الرحمة بأولئك الذين يُهجرون ويُقتلون ويُشردون، بينما ننظر إلى المؤسسات العظيمة الضخمة في العالم الإسلامي وإذا هي صامتة تتقلب في رقادها السمج الثقيل. ما السبب؟

السبب هو التالي أيها الإخوة: الإسلام يبدأ من القلب ثم يفعل فعله بعد ذلك في الأعضاء وبالمجتمع، الإسلام يبدأ عبوديةً لله عز وجل في القلب يُطهر القلب من سائر الأدران ومن سائر الأغيار ويجعل الفؤاد مليئاً بحبٍ ولكن لله وحده، بخوفٍ ولكن من الله وحده. ثم إن الإسلام بعد هذا يتجاوز من الباطن إلى الظاهر فتنهض الأعضاء بالوظيفة التي وكل إليها ومن ثم ينهض المجتمع الإسلامي بالوظائف التي وكلت إليه، وهذا هو الإسلام في حقيقته.

ألم تقرأوا قول الله سبحانه وتعالى: )وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ( عبر البيان الإلهي عن الإسلام بالعبودية لله عز وجل ثم قيّد هذه العبودية بالإخلاص التام عن الشوائب.

ألم تقرأوا قول الله عز وجل: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(

انظروا كيف بنى التقوى على العبادة والعبودية: )اعْبُدُوا رَبَّكُمُ(، والعبادة إنما تكون في القلب معينها القلب، العبادة سرٌ لا يهيمن إلا على الفؤاد ولا وجود له إلا في حناياه، وإذا لم توجد مشاعر العبودية لله لم يوجد التقوى، ذلك لأن التقوى ثمرة العبادة والعبودية والتقوى هي البوتقة الفعالة في المجتمع، بالتقوى يتحقق الجهاد، بالتقوى يقف المسلمون درعاً لحماية حقوقهم وأنفسهم من أعداء الله وأعدائهم، بالتقوى تهون الدنيا وتغلو وتعلو الآخرة. أجل: ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( أي فإن لم تكن العبادة هي المهيمنة على القلب لن يوجد التقوى.

الإسلام له أصوات لا صوت واحد يجلجل في أنحاء العالم العربي والإسلامي اليوم، والإسلام له مؤسساته الكبيرة والضخمة هنا وهنا وهناك، والإسلام له الذين يتكلمون باسمه شعراً ونثراً في المناسبات التي تمر، لكن انظر إلى هؤلاء الذين يمارسون هذا الإسلام تجد أنهم يستغلونه لمصالحهم، تجد أنهم يمتطونهم لسياساتهم، تجد أنهم يجعلون منه ترساً لكي يتقوا بأنفسهم من سهام الماكرين وسهام الذين يتربصون بمصالحهم.

انظروا أيها الإخوة إلى الإسلام الذي يمارس اليوم تجدون أنه يمارس استغلالاً له، يمارس كما يمارس الرجل مطيته يركبها عند الحاجة إليها ثم يُعرض عنها عندما لا يكون محتاجاً إليها. منظمة المؤتمر الإسلامي، منظمة سياسية أجل، ولكنها تستغل الإسلام وتعتمد على الإسلام وتبتز مشاعر المسلمين من أجل مصالح لا أكثر من ذلك، وقد رأينا كثيراً ممن يتحملون مسؤولية العمل في منظمة المؤتمر الإسلامي وحاولنا أن نبحث عن مكانٍ لمشاعر العبودية لله في قلوبهم فلم نجد، حاولنا أن نبحث عن معنى من معاني الأداء الذي ينبغي أن ينهض به المسلم بحقوق الله، عباداتٍ ولم نجد، وكلهم يدورون في فلك مؤسسة اسمها منظمة المؤتمر الإسلامي. كم وكم أصغينا إلى احتفالات تقام بمناسبات شتى من المناسبات التي تعرفونها خلال العام، ورأينا التسابق، التسابق في مضمار البلاغات الكلامية، التسابق في مضمار القصائد الشعرية، التسابق في مضمار التمثيليات الفنية، التسابق في مضمار هذه الكلمات وبحثنا عن أبطال هذه الكلمات لوجدناهم ولا زلنا نجدهم شاردين عن صراط الله، لا تجد حظاً في أفئدتهم لمعنى العبودية لله سبحانه وتعالى.

هذه الظاهرة التي يراها كلٌ منا، علام تدل؟ تدل على أن هنالك مصالح شتى متنوعة كلٌ يسعى إليها، وكثير ما تكون الوسيلة التي لابد منها لبلوغ هذه المصالح امتطاء الإسلام. كثيراً ما تكون الأداة التي لا بد منها للوصول إلى المبتغيات الدنيوية والمصالح الشهوانية متمثلةً في الإسلام يُتخذ ترساً. والإسلام الذي ابتغاه الله لنا إنما هو حقيقةٌ تهيمن على القلب، الإسلام الذي شرفنا الله عز وجل به هو عبارة عن العبودية الصافية التامة لله عز وجل تهيمن على عرش الفؤاد.

أرني هؤلاء الذين هيمن الإسلام على أفئدتهم فاستهانوا بالدنيا في سبيل الله، واستهانوا بحظوظهم في سبيل أوامر الله، واستهانوا بمصالحهم في سبيل أن يغذوا مشاعر عبوديتهم لله عز وجل ممن يقودون هذه المؤسسات أُرك كيف يجعل الله سبحانه وتعالى سلطان الدنيا إليه، أريك كيف يجعل الله سبحانه وتعالى هيبتهم تغزو أفئدة هؤلاء الماكرين والأوغاد الذين يتربصون بحياة البرءاء من المسلمين، أجل.

فإن شك شاكٌ في هذه الحقيقة التي أقولها فلينظر إلى أول ثمرة تتحقق لدى هيمنة الإسلام على أفئدة ثلاثة من المسلمين: هي التضامن والتآلف، يجعلهم الإسلام بمثابة رجل واحد، فإن تحول هؤلاء الثلاثة إلى ثلاثمئة وكان الإسلام مهيمناً حقاً على أفئدتهم رأيت هؤلاء الثلاثمئة قد حولهم الإسلام إلى رجل واحد إلى قلب واحد. فإن تحول هؤلاء الثلاثمئة إلى الآلاف أو الملايين وكان الإسلام حقاً يهيمن على قلوبهم بعد أن هيمن على عقولهم واصطبغت أفئدتهم بحقيقة العبودية لله سبحانه وتعالى، تنظر فتجد أن هذه الملايين قد تساقطت الفوارق مما بينهم، وأن فوارق ما بين دولة ودولة قد تهاوت مما بينها، وأن الإسلام قد جمعهم في بوتقةٍ واحدةٍ خرّجت منهم أمة واحدةً يظهر منها ويتجلى فيها مصداق قول الله عز وجل: )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا (.

ولكنك تنظر فتجد أن المسلمين اليوم مثال التفرق، بل مثال التدابر ومثال التخاصم، ولو كان الإسلام حاضراً لما وقع شيء من هذا، الإسلام غائب عن القلوب، ولكنه حاضر عند اللزوم على الألسن، الإسلام غائب عن المشاعر والأفئدة لأن المصالح الدنيوية المختلفة هي التي هيمنت عليها ولكنه يحضر عند الحاجة إليه يحضر عند لزومه، يحضر عند استدعاءه، أرأيتم إلى مسلمين يستدعون إسلامهم عند الحاجة إليه ويصرفونه عند زوال الحاجة إليه، ومتى يكون الإنسان مستغنياً عن ربه ليستغني عن إسلامه؟ متى؟

أيها الإخوة كان لابد أن أقول هذا الكلام لأن في الناس من ينظر إلى العالم الإسلامي نظرةً سطحية فيعتب من خلال نظرته السطحية هذه على الله يقول: العالم الإسلامي اليوم مليء بالأنشطة الإسلامية التي لم تكن موجودة من قبل منظمة المؤتمر الإسلامي، المجامع الإسلامية المتنوعة الموجودة، الجامعات الإسلامية الكلمات والشعارات الإسلامية، الكتب الإسلامية الدعوات الإسلامية إلى الله عز وجل عالمنا الإسلامي يفور بهذا كله، ومع ذلك يدعنا الله عز وجل لقمة سائغة لهمجية القرن العشرين ولوحوش القرن العشرين من أقصى أمريكا إلى اوروبا!

الجواب أيها الإخوة: الله لا يظلم أحداً، لو كان هؤلاء الناس انطلق الإسلام عبوديةً لله في أفئدتهم وصدقوا الله عز وجل وطبقوا على أنفسهم معنى قوله: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( إذاً لرأيت ما يسرك ولرأيت أن أعداء الإسلام ليسوا إلا حشرات تظهر في الظلام ثم تغيب لدى ظهور أشعة الشمس الإسلامية الضاهجة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله.

تحميل



تشغيل

صوتي