مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 19/03/1999

ما هو العمل الصالح المطلوب في هذا العشر ؟

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله..

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أيامٍ العملُ الصالح فيها خيرٌ منه" أي من هذا العمل الصالح "منه في خير هذه الأيام) التي أنتم فيها. فهل أكثرنا من الأعمال الصالحة التي يحبها الله عز وجل والتي يتضاعف إكرام الله للعبد عليها في هذه الأيام. والعمل الصالح كلمةٌ عامة شاملة ليس كما يفهمها كثيرٌ من الناس محصورةً في العبادات التي غدت تقليدية ً ليست محصورةً لا في كثيرٍ من الصلاة، ولا في كثيرٍ من الصيام ولا في كثيرٍ من قراءة القرآن ولا في الإكثار من الحج إلى بيت الله الحرام. كلمة العمل الصالح كلمةٌ شاملةٌ لهذه الطاعات ولغيرها. كل عملٍ يفيد المجتمع الإنساني ويعود إلى الناس جميعاً بالخير والفائدة فهو من العمل الصالح الذي يأمر الله سبحانه وتعالى به، وإذا تُوج هذا العمل بالنية الحسنة وبالقصد إلى اتباع مرضاة الله عز وجل، فهو من لب العبادات التي يأمر الله سبحانه وتعالى بها عباده.

أقول هذا لأن في الناس كثيرين يتصورون أن العمل الصالح الذي يقرب العبد إلى الله إنما هي قائمة هذه العبادات التي تمارس أو يمارس أكثرها في المساجد، فإذا خرج الإنسان إلى المجتمع أو إذا عاد إلى داره فلا شأن لله سبحانه وتعالى بما يمارسه الإنسان من الأعمال الأخرى، وهذا خطأٌ كبيرٌ فادح في فهم دين الله سبحانه وتعالى. أوامر الله تلاحقك أنّا ذهبت:

إن كنت مع أهلك وأولادك فأوامر الله تلاحقك بأن تعبد الله سبحانه وتعالى من خلال رعايتك لأهلك وأولادك، من خلال إدخالك السرور على أهلك وأولادك، من خلال خدمتك لهم، من خلال رعايتك إياهم، من خلال عطفك عليهم من خلال إسعادك لهم.

فإذا خرجت إلى السوق لتشتغل بالتجارة أو الصناعة أو الزراعة تلاحقك العبادة، عبادتك أن تخدم المجتمع بما أهلك الله له، لما أقامك عليه من الشؤون، تتاجر لتكون خادماً لمصالح الناس، تصنع لتكون خادماً لحاجات الناس ومنافعهم، تزرع للقصد ذاته، ثم إنك تنهج من خلال ذلك النهج الذي أمرك الله عز وجل به فلا تغش من خلال هذه الخدمة للمجتمع، ولا تخدع من خلال هذا السعي من خلال أداءك وظيفتك لخدمة المجتمع ولا تكذب ولا تغر ولا تفعل ما قد نهاك الله سبحانه وتعالى عنه.

فإذا صاحبت أصدقاءك وجالستهم في أسمارك وفي جلسات أخرى، ينبغي أن تعلم أن العمل الصالح الذي أمرك الله به يلاحقك أيضاً إلى تلك الأحوال التي تجالس فيها أصدقاءك وزملاءك، تأمر بالمعروف، تنهى عن المنكر، الدين النصيحة أينما كنت ينبغي أن تنصح نفسك أولاً ثم تنصح خاصة أهلك ثانياً، ثم تنصح من يلوذون بك ثالثاً وهكذا... فما من حال يتقلب فيها الإنسان إلا وتلاحقه أوامر الله سبحانه وتعالى.

إن كنت ممن قد زجهم الله في معتركات السياسة، فعملك عبادة من العبادات التي ينبغي أن ترعى فيها أوامر الله سبحانه وتعالى وأحكامه. ما من وضع يتقلب فيه الإنسان إلا وهو مكلف بالعمل الصالح.

فالعمل الصالح ليس كما يفهم بعض الناس، يصلي الركعات التي طلبت منه، يقرأ شيئاً من كتاب الله عز وجل كما ألزم به ذاته، ثم إنه إذا خرج إلى السوق عافس وفعل ما طاب له لأن الدين قد انفصل عنه ودخل في الدنيا. ونحن لسنا من شيءٍ لذلك الكلام المجنون الذي لا معنى له : أعطي مال قيصر وما لله لله، كل شيء لله قيصر كله ملك لله سبحانه وتعالى. هذا الكلام لا يمكن لعاقل أن يعيه. متى كان الكون شركة بين قيصر وبين رب العالمين سبحانه وتعالى؟ أنت في كل حالةٍ مكلفٌ بالعمل الصالح، وملاك هذا كله أيها الإخوة الخُلق الإنساني الراشد. هذا هو الجزع الذي تتفرع عنه سائر الأعمال الصالحة التي كلفنا الله سبحانه وتعالى بها، الخُلق الإنساني السليم.

ولعلكم جميعاً تعلمون الحديث الصحيح المشهور: (إنما بُعثت لأتمم مكارمَ الأخلاق).

فإن رأيت أن الله عز وجل يأمرك أن تصحح عقائدك وأن تفهم الكون كما هو عليه، ففي سبيل أن تصلح من خُلقك.

وإن رأيت أن الله عز وجل أمرك بالصلاة (وأقم الصلاة لذكري) وأمرك بالإكثار من ذكره، فلكي يكون ذلك غذاءً لخلقك الإنساني السليم.

وإن رأيت أن الله سبحانه وتعالى نهاك عن طائفة من المحرمات فاعلم أن ذلك كله إنما يدور على محور شيءٍ واحد هو أن يتخلق هذا الإنسان المسلم بالأخلاق الإنسانية السليمة الراشدة لا قيمة للعمل الصالح إن لم يستنبت في تربة من الأخلاق الإنسانية الراشدة إطلاقاً.

العمل الصالح هو ذاك الذي يخضرّ ويستنبت في تربة الخلق الإنساني السليم، ثم إن هذا الخلق تنبثق عنه الأعمال الصالحة كلها، وعندما يكون الإنسان ملتزماً الأخلاق الإنسانية السليمة والقويمة التي جاء الدين من أجلها فكل ما يصدر من الإنسان عملٌ صالح. والإنسان الذي يسير في المجتمع وهو يمارس الأعمال الصالحة هو الإنسان المحبوب عند الله وهو الذي لابد أن يكتب الله له سعادة الدارين.

انظروا إلى قول الله عز وجل: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).

في هذه الأيام ينبغي أن نتقرب إلى الله عز وجل بكل الأعمال الصالحة كلٌ بحسب ما أقامه الله عز وجل فيه، فالصانع بالإضافة إلى العبادات المتكررة التي أمرنا بها ينبغي أن يجعل من صنعته التي أقامه الله عز وجل قربى إلى الله سبحانه وتعالى، كذلكم التاجر كذلكم الزارع، كذلكم القائد، كذلكم الزعيم، كذلكم السياسي وهكذا.. أما الجامع المشترك فهو العبادات التي خاطبنا الله سبحانه وتعالى بها بل هي جزءٌ من العبادات، ثم إنها الجزء الثاني من الجامع المشترك: واجب الإنسان تجاه أهله اتجاه أسرته، واجبه في أن يجعل من نفسه أداةً لإسعاد أهله وذريته وأولاده.

خرج عبد الله بن المبارك إلى الجهادِ مرةً مع ثلة من أصحابه وفي إحدى الليالي وأمام ثغرٍ من الثغور فسأله أحد أصحابه هل في الناس من يؤدون عملاً أقرب إلى الله مما نحن فيه؟ ثغرٌ نحن واقفون فيه جهادٌ في سبيل الله قائمون به ودراسةٌ لكتاب الله عز وجل في جنح الليل، هل هنالك عملٌ أفضل من هذا العمل الذي نحن فيه؟ قال نعم، قالوا ما هو؟ قال رجلٌ قام من الليل له زوجة وصبيةٌ وأولاد فتفقد أحوالهم في جنح الليل وأعاد الأغطية عليهم يحاذر عليهم من برد الشتاء ثم عاد إلى مضجعه فهذا الرجل في أسرته هذه عمله خيرٌ من عملنا نحن. لا ريب أن هذا تواضعٌ جمٌ وكبيرٌ من عبد الله بن المبارك حتى لا تزهى به نفسه لكنه يقول كلاماً أكده بيان الله وأكدته سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عملٍ تتجه به إلى مرضاة الله سلمٌ يوصلك إلى رضى الله والمهم أن تفعل كما أمر الله وأن تنطلق إلى هذا السلم من الخلق الإنساني الرشيد وعندئذٍ نكون قد استجبنا لهذه النفحة التي يتجه الله عز وجل من خلالها إلى عباده بالرحمات في هذه الأيام المباركة.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يسخرنا جميعاً للأعمال الصالحة التي ترضيه فاستغفروه يغفر لكم.

تحميل



تشغيل

صوتي