مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 05/02/1999

وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله..

روى الشيخان من حديث زيدٍ بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ماذا قال ربكم الليلة ؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: قال الله تعالى: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب، ومن قال مُطرنا بفضل الله وكرمه فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب).

وإنا لنشهد الله سبحانه وتعالى أننا نؤمن بأننا قد مطرنا بفضل الله سبحانه وتعالى لا بالكواكب ولا بنوئها، وإنا لنشهد الله سبحانه وتعالى على أننا نقول بألسنتنا ما تؤمن به أفئدتنا، فنحن نؤمن أن الله سبحانه وتعالى هو خالق الكواكب وأنوائها، وهو خالق السحب ونظمها، وهو الخالق للرياح وما تحمله. نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى خالق كل شيء ونستيقن بذلك ونقر بذلك، فاللهم اجعلنا من المؤمنين بك وثبتنا على هذا الإيمان وأتم علينا فضلك ولا تقطع عنا رفدك يا أكرم الأكرمين. وصدق الله القائل في محكم تبيانه: (وهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ).

ولله سبحانه وتعالى حكمة باهرة أيها الإخوة عندما يقدر في الرزق وعندما يعطي الرزق، لله سبحانه وتعالى حكمة باهرة عندما يبتلي عباده بشيء من الجدب ثم يكرمهم بعد ذلك بالعطاء، ومن أجلّ مظاهر الحكمة لهذه الظاهرة أن الله عز وجل يريد من عباده أن يشعروا دائماً أنهم بحاجةٍ إليه، حتى لا يحيدوا عن بابه ولا يشردوا عن أعتابه، وحتى تبقى أيديهم مبسوطة دائماً إلى كرمه يطلبون ويسألون ويلحفون بالدعاء، فلو أن الله سبحانه وتعالى لم يقطع رزقه ولم يقطع رفده إطلاقاً عن عباده، ولو أن عطاؤه كان ممتداً دائماً دون انقطاع لغفل الناس شيئاً فشيئاً عن المعطي، ولذهلوا بالكرم عن المتكرم، ولكن الله سبحانه وتعالى يريد - وذلك مظهر من مظاهر تأديبه وفضله على عباده - يريد أن يعلموا دائماً أنهم بحاجة إلى الله سبحانه وتعالى، وأنهم دائماً الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد، فكيف تكون هذه الفكرة حاضرة دائماً في أذهانهم إذا ابتلاهم الله عز وجل بالشدة آناً وبالرخاء آناً آخر. يستمر الرخاء ثم ينقطع، فإذا انقطع تنبه الغافل واستيقظ السادر إلى أن الله سبحانه وتعالى قد قطع رفده، ومن ثم فلا بد للاتجاء إليه، ولا بد من الدعاء والالحاف في الطلب، تلك هي الحكمة الباهرة، وهنالك حكم أخرى من أجل أن يستغفر العاصي ومن أجل أن يستقيم الشارد والمنصرف عن صراط الله سبحانه وتعالى، ومن أجل أن يعود الناس التائهون إلى رحاب الله سبحانه وتعالى فيستغفروه ويتوبوا إليه.

أيها الإخوة استنزلوا رحمة الله سبحانه وتعالى بتجديد الإيمان به سبحانه وتعالى، فالإيمان يخَلق كما يخَلق الثوب على البدن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك أسباب كثيرة لا نريد أن نطيل فيها، والمهم أن الإنسان ينبغي عليه أن يجدد إيمانه كلما تقادم، ينبغي أن يعود إلى مكمن يقينه وثقته وإيمانه بالله عز وجل فيراقب نفسه ويراقب إيمانه، يجدد ذلك كله كلما تقادم عليه العهد.

وكلما علا شيء من ذلك غبار جددوا إيمانكم بالله سبحانه وتعالى، الشهوات من شأنها أن تجعل الإيمان الجديد يتقادم ويهترئ، والانصراف إلى الغفلات وأسبابها من شأنه أن يجعل الإيمان المتجدد يهترأ ويتقادم، والابتلاءات الدنيوية الكثيرة التي يأخذ الله سبحانه وتعالى عباده بها كل ذلك من شأنه أن يحجب الإنسان عن الله، والمطلوب من الإنسان أن يخترق هذه الحجب، وأن يخترق هذه الحواجز، وأن ينفض الغبار عن إيمانه بالله سبحانه وتعالى ويجدده، يجدده في الفكر يجدده بالذكر يجدده بالإنابة إلى الله عز وجل يجدده باستغفار الله سبحانه وتعالى يجدده بكثرة الإنابة إلى الله عز وجل.

نحن نسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يجعلنا محبوسين في مظاهر مخلوقاته التي قد يبتلي الله سبحانه وتعالى عباده بها، نسأله عز وجل أن يحررنا من المظاهر التي يُخدع بها كثير من الناس وينقلنا إلى الإله الذي أبدع والإله الذي نظّم والإله الذي سخّر، وأن يضعنا بعقولٍ متبصرة أمام قوله عز وجل: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ)، نسأله عز وجل أن يجعلنا ندرك ونستيقن أن كل هذه النظم الكونية جنود لله سبحانه وتعالى، وأن لا يبتلينا بما قد ابتلى به طائفة من المغفلين من عباد الله سبحانه وتعالى عندما تتيه محاجر أعينهم في الظواهر ثم لا يتجاوزونها إلى الإله الذي أبدعها، ينبغي أن نحمد الله عز وجل على نعمة الإيمان وينبغي أن نذكّر السادرين من إخواننا والتائهين إلى أن يعودوا إلى رحاب الله سبحانه وتعالى.

اللهم إنا نسألك وقد أكرمتنا بوابلٍ من رحمتك أن تجعلها رحمة ممتدة، وأن لا تقطع رفدك عنا يا ذا الجلال والإكرام، وإنا نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دُعيت به أجبت أن تجعل إيماننا موصولاً بلطفك وكرمك وجودك، وأن تجعلنا نخترق الحواجز والحجب التي يتيه في غمارها كثير من الغافلين والسادرين حتى لا نرى في هذا الكون سلطاناً غير سلطانك، ولا نرى كرماً غير كرمك، وإنا لنسألك اللهم أن توقظ إخواننا إلى هذه الحقيقة وأن تعيد التائهين من إخواننا إلى صراطك، وأن تذيقهم لذة الإيمان بك وأن تحررهم من سجون ما قد تبصره أعينهم ولا تراه بصائرهم ولا أريد أن أطيل في هذا اليوم، ولا أريد أن أحرج إخواننا الذين هم واقفون حول هذا المسجد وفي هذا القدر كفاية وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.

تحميل



تشغيل

صوتي