مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 20/11/1998

تحذير متجدد .. من خطر محدق

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله..

إن من سنة الله سبحانه وتعالى في عباده أن يأخذهم بالسراء والضراء، يبتليهم بالنعم آناً، ويبتليهم بالمصائب آناً آخر، والحكمة من ذلك أن الإنسان مهما ادعى عبوديته لله عز وجل ومهما أعلن عن انقياده لأمر الله سبحانه وتعالى، فإن حقيقة هذه العبودية لا تتلجى إلا من خلال شكر العبد لربه عند النعم، والتجائه إلى الله سبحانه وتعالى عند النقم. فإذا كان العبد كثير الشكر لله أمام نعمه وكثير الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى بين يدي نقمه، فذلك هو الإنسان الذي برهن على صدق عبوديته لله سبحانه وتعالى، ولو أن الإنسان كان دائماً يتقلب في الرخاء وأسبابه لما ظهرت دلائل صدق عبوديته، وكذلك لو أن الإنسان كان دائماً يتقلب في أتون المصائب والآلام لما ظهرت أيضاً دلائل عبوديته كاملةً، لا بد أن يكون العبد ذا هوية تتمثل في الشكر عند النعم وفي الالتجاء إلى الله عز وجل عند المصائب والنقم.

أما الإنسان الذي تمر به النعم فلا يذكر معها المنعم جل جلاله، ثم تختفي النعم ويأتي دور المصائب والنقم فلا يذكر معها الله عز وجل أيضاً؛ لا عند النعم شاكر ولا عند المصائب لائذٌ بالله سبحانه وتعالى وملتجئ، فهذا الإنسان إن استمر على هذه الحال لابد أن تتخطفه مظاهر غضب الله سبحانه وتعالى ومقته. وما يصدق على الإنسان يصدق على المجتمع ويصدق على الأمة.

هذه أشهر خلت من الأشهر التي كان الباري عز وجل قد عودنا فيها من كرم السماء ما تعرفون، ولكننا ننظر وأظن أنكم جميعاً لم تعهدوا مثل هذه العام في أيامكم وسنواتكم التي خلت، وننظر وإذا بنا لا نزال نمر في أيام الصيف اللاهبة، تلك نقمة وإنها لمصيبة من المصائب التي يأخذ الله عز وجل عباده بها عادة مع النعم التي يكرمهم بها. فهل التجأنا إلى الله عز وجل؟ هل أيقظتنا هذه المصيبة التي تحوم من حولنا وربما وقعت بنا قريباً؟ هل ساقتنا هذه المصيبة إلى الالتجاء الصادق إلى الله إلى الإعلان عن ذل عبوديتنا لله سبحانه وتعالى؟ وكلكم يعلم الجواب أيها الإخوة.

أنا لا أشك أن في هذه الأمة وفي هذه البلدة أناس صالحين، ولا أشك أن في بلدتنا قلة من الناس يتقربون دائماً إلى الله، وواقعهم دائماً لا يخلو من شكر لله على نعمه أو التجاء إلى الله عز وجل أمام مصائبه. ولكنني أسأل عن السواد الأعظم أسأل عن الكثرة الكاثرة في هذه البلدة، وكلكم يقرأ في كتاب الله قوله: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) انظروا إلى السواد الأعظم الساهي الغافل، لا عند النعم التي كانت تتراقص حولهم بالأمس كانوا يشكرون ولا أمام هذه المصيبة السوداء المخيفة يستيقظون ويجأرون إلى الله سبحانه وتعالى بالشكوى. والمصيبة الكبرى تكمن في هذه الحالة عندما نعكف على الإعراض عن الله سبحانه وتعالى، فلا نقف بين يدي ربوبيته مستغفرين منكسرين آيبين أذلاء متضرعين، كما كنا عند نعمه تائهين سادرين أيضاً. لأن استمر بنا الحال على هذه الشاكلة فإن الأمر لخطير جداً.

وانظروا إلى قول الله وهو يصك أسماعنا إذ يقول: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) وكم هي رقيقةٌ هذه الكلمة وكم هو رقيق هذا العتاب! (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)، هلا تضرعوا ورجعوا إلينا أي إلى الله عندما جاءهم بأسنا (وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). هذا واقعنا ولكن انظروا ما الذي يتهددنا أمام هذا الواقع (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) أي إذا هم هالكون.

هل ننتظر هذه النهاية التي ترسمها سنة ربنا سبحانه وتعالى في كتابه؟ أيها الإخوة سلوا قساة القلوب هؤلاء، سلوا هؤلاء الذين لا يعرفون مولاهم أمام نعمه التي تهمي عليهم، ولا يرجعون إليه أمام المصائب والنقم التي تحيط بهم، سلوهم ماذا سيصنعون غداً، إن أطبق الكرب وإن عضت عليهم المصيبة وإن وجدوا آثار ذلك سغباً وجوعاً وهلاكاً، ماذا يصنعون؟ إلام يلتجئون؟

هنالك يظهر الضعف وهنالك تظهر الكينونة الحقيقية للإنسان، غداً بعد أيام أو أسابيع سيضطر الفلاحون إلى أن يزرعوا إلى أن يقبلوا إلى الأرض ليزرعوها براً كما كانت العادة، أي أرضٍ تستقبل بذورهم أي أرضٍ استحجرت تستقبل مشاريعهم؟ تقول بلسان الحال: لن أصلح لكم ولن أصلح لبذاركم قط، ما النتيجة التي تأتي بعدها لا على الماء النمير نحصل ولا على الرزق الذي لا تستقيم حياتنا إلا به نحصل، هنالك ماذا يصنع الإنسان، ماذا تغنيه عجرفته، ماذا يغنيه كبرياؤه، بل أي الأبواب يطرق في تلك الحالة؟

سلوهم أيها الإخوة إن كنتم ترونهم .. أبلغوهم سؤالي هذا، ما هي الأبواب التي يمكن أن يطرقوها من دون الله فتستجيب لهم؟ من هو الذي يرزقهم من دون الله إن أمسك الله رزقه؟ كما يقول الله سبحانه وتعالى.

من هو الذي ينجدهم بشربة ماء تروي أكبادهم إذا أمر الله سبحانه وتعالى سماءه أن تستمر فتمسك، وإذا أمر الله الينابيع أن تغور؟

من هو الإنسان العظيم المخترع الكبير العالم الفذ الذي يستطيع أن ينجدهم من دون الله سبحانه وتعالى؟

لماذا يستكبر الإنسان على قمامة ضعفه، وهو الذي يعلم أنه شيء تافه ذليل في قبضة الله سبحانه وتعالى، لماذا؟

دعوت ودعوت ودعوت كل من في هذه البلدة إلى أن يرحلوا إلى الله سبحانه وتعالى بالاستسقاء كما ندبنا فأكد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبلغت كلمتي وصوتي إلى من يملك أن يدعو الناس إلى هذا، نلتقي على صعيد واحد، في مكان ما بكل فئاتنا وأشكالنا من عصاة من فسقة من منحرفين من تائهين، الكل إذا أقبلوا إلى الله قبلهم، الكل إذا اصطلحوا مع الله لباهم. الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعا ًولكن الله يطلب من عباده أن يتحققوا بمعنى عبوديتهم له فيتضرعوا بين يديه عند الشدائد. نلتقي عند صعيد واحد بكل فئاتنا ونمد أكف الضراعة إلى مولانا سبحانه وتعالى ونعلن عن ذلنا لله وحاجتنا إلى كرمه، ونعلن عن ضعفنا إن ارتكبنا المعاصي والأوزار، ونعلن أننا لم نرتكب شيئاً من ذلك كله استكباراً على أمره أو استهانةً بحكمه، ولكن لسابقة سبق بها قضاؤه وندعو ونستغفر ونجأر إلى الله عز وجل، لماذا؟ ما الذي يمنعنا ما الذي يحجبنا عن هذا الأمر؟ أهو كبرياؤنا؟ وماذا عسى أن تفيدنا كبرياؤنا؟ كبرياؤنا تهلكنا أيها الإخوة.

أرأيتم لو استمر الأمر على هذا النحو الذي ترون، هل يستطيع المستكبرون أن يثبتوا عند كبريائهم؟ إذا انتصف الشتاء وكاد أن يمر الشتاء وحالنا على هذه الشاكلة والأخطار تحدق بنا والمصيبة تأخذ منا بالحلوق، ماذا عسى أن تفيدنا كبرياؤنا في تلك الساعة؟

أجل عندما يجد الإنسان نفسه بين براثن الهلاك ينسى كبريائه، لماذا لا ننسى كبرياءنا الآن، الآن!!

وأنا أقول أيها الإخوة لو كنا نتعامل مع ربٍ لا يتعامل مع عباده بالرحمة وبالرأفة لكان للشيطان أن يسيطر على أفكار هؤلاء الناس، ولكننا جميعاً نعلم أن الله يغفر الذنوب جميعاً وأنه هو القائل في الحديث القدسي: (يا عبادي لو لم تذنبوا لذهبت بكم فجئت بقومٍ يذنبون ثم يستغفروني فأغفر لهم)، ونحن نقف أمام كلمة: (ثم يستغفروني) لماذا لا نستغفر؟

لم يقل الله عز وجل لا تذنبوا، ولكن قال لنا: إذا أذنبتم فاستغفروا، وإذا هزتكم المصائب فارجعوا، نذنب هذا واقع، لماذا لا نرجع لماذا لا نستغفر لماذا لا نؤوب إلى الله سبحانه وتعالى؟

إله يرحمنا بلفتة صادقةٍ منا إليه، إله يرحمنا ويتفضل علينا بعودٍ صادقٍ إلى الله عز وجل، فيم نستكبر عليه؟ فيم يقول قائلنا: لا داعي إلى صلاة الاستسقاء! كيف هذا أيها الإخوة؟ نعم عندما أنظر إلى رحمة الله هذه أجد أن الناس كلهم مرحومون إلا من أبى. ومن هو الذي يأبى؟ العاصي داخل في رحمة الله، المذنب داخل في رحمة الله، المنحرف داخل في رحمة الله بشرط أن يتذلل وأن ينكسر وأن يعود إلى رحاب الله سبحانه وتعالى، ولكن الذي يستكبر يقول في لسان الحال: أنا غني عن رحمة الله أنا لست بحاجة، الذي يستكبر على الله ونحن نمر بهذه الحالة التي ترون يقول بلسان حاله: لسنا بحاجة إلى ذلك من هو هذا الذي يملك أن يقول هذا ويصبر على قراره هذا إلا أن تأخذ المصيبة منه بالغلاصم؟ من؟.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يهلكنا بقبائح ذنوبنا وأن يتوب علينا وأن يلهم هذه الأمة عوداً حميداً إلى دينه، فاستغفروه يغفر لكم.

تحميل



تشغيل

صوتي