مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 21/08/1998

لماذا يسلط الله علينا أعداءه؟

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله..

ما تزال فئاتٌ من الناس يُلحون على هذا السؤال المكرور والمعاد، ما يزال أحدهم يقول: إننا نحن مسلمون ومؤمنون بالله سبحانه وتعالى. فلماذا يُسلط الله عز وجل علينا نحن المسلمين أعداءه الكفرة من هؤلاء الذين يعثون في الأرض فساداً؟ ألم يعد الله سبحانه وتعالى المسلمين بالحماية والتأييد؟

هذا السؤال المكرر المعاد لا شك أنه نتيجةٌ للابتعاد عن الوعي ولتحول حال المسلمين إلى تمسك بالشعارات وابتعادٍ عن المضامين والمعاني والمبادئ والأحكام، وإلا فإن الواعي الذي يعي الإسلام وحقيقته لا يمكن أن يقف عند هذا الإشكال، ولا يمكن أن يوجع رأسه بهذا السؤال. ومع ذلك فينبغي أن نجيب عن هذا السؤال كلما تكرر.

قلت في الجواب وأقول: هل نفذ هؤلاء الذين يسمون أنفسهم مسلمين وهم مسلمون إن شاء الله، هل نفذوا أوامر الله وأحكامه ووصاياه ونصائحه؟ إن كانوا قد نفذوا ذلك فلا شك أن الباري سبحانه وتعالى ينبغي وفاءً بعهده ان لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم ولكن فلننظر.

قال لهم الله عز وجل: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ). قالوا: بل نتنازع.

قال لهم: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) قالوا: بل سنتفرق.

قال لهم الله عز وجل (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) قالوا: بل نترك هذا الحبل إلى حبال شتى ولسوف نسلم أنفسنا إلى التفرق والاختلاف.

فإذا آل أمر المسلمين إلى العصيان بدلاً من الطاعة، فما الذي لنا عند الله سبحانه وتعالى حتى نطالبه بالنصر وحتى نطالبه بأن لا يسلط علينا الكفرة من أعداءنا ومن أعداء الله سبحانه وتعالى؟

ينبغي أن نعلم أيها الإخوة أن الله سبحانه وتعالى في الحقيقة ولدى التعمق في النظر، لن يسلط علينا عدواً من غير أنفسنا، لم يسلط الله عز وجل علينا لا أمريكا ولا أوروبا ولا الصهيونية، ولكن المسلمين سلطوا أنفسهم بعضاً على بعض فخيل إليهم أن أعداءهم هم الذين قد تسلطوا عليهم، لو أمعنت النظر لوجدت أن المسلمين وقد جعلهم الله بفضله وإكرامه أمة واحدة ومن ثم متعهم بالقوة والعز، ولكنك تنظر فتجد أنهم قد قسموا أنفسهم إرباً قطعاً، وأن كل قطعة أصبحت تعادل القطعة الأخرى.

إذاً الواقع الحقيقي أن المسلمين هم الذين تسلط بعضهم على بعض، وهم الذين أحالوا عزتهم إلى ذل وأحالوا قوتهم إلى ضعف، فلما آل أمرهم إلى هذا خُيل إلينا أن أمريكا هي التي تهيمن علينا وتسيطر، ولو أن هذه الأمة كانت لا تزال تحتفظ بشرف وحدتها وتبتعد عن الاختلاف والتفرق والتنازع طبقاً لما أوصى به الله سبحانه وتعالى، لرأيت أن كل الأمم الأخرى أقل شأناً من أن تسيء إلى هذه الأمة فضلاً عن أن تهيمن عليها أو أن تتغلب عليها.

ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه أن الله عز وجل إذا رأى أن هذه الأمة قد آل أمرها إلى عصيان وإلى ابتعاد عن صراط الله واحتاجت إلى تأديب، فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤدبها كما أدب الأمم السابقة بإهلاكٍ عام أو بغرق أو بريحٍ تهلك أو بخسفٍ وزلزال؛ وعد الله عز وجل رسوله أن لا يُهلك هذه الأمة عندما تحتاج إلى تأديب، وعد أن لا يهلكها بذلك، ولكنه جعل عصا التأديب في حياتها أن يسلط بعض المسلمين على بعض، وانظروا إلى قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيدٍ الخدري قال: (أقبل رسول الله ذات يوم من العالية، فمر بمسجد بني معاوية فدخله وصلى فيه ركعتين وصلينا معه ثم دعا فأطال الدعاء، ثم انصرف إلينا فقال: "لقد سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يُهلك أمتي بسنة" أي بمجاعة عامة تجتثها من الجذور "فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يهلك أمتي بغرق فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يجعل بأسها بينها فمنعنيها) أي أن الله عز وجل قضى في سابق علمه أن هذه الأمة إن عصت مولاها، وإذا خرجت عن النهج الذي ألزمها الله عز وجل به فإن التأديب الذي يلاحقها هو أن يسلط بعض من فئاتها على بعض.

ولقد أكد هذا المعنى ربنا سبحانه وتعالى عندما قال: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).

نحن نجد اليوم أن الله عز وجل يؤدبنا بعصاً خص بها هذه الأمة بدلاً من الهلاك العام، بدلاً من الخسف، وبدلاً من الزلازل، وبدلاً من الرياح المهلكة بعامة، وبدلاً من الغرق ونحو ذلك، نعم يسلط الله سبحانه وتعالى بعض المسلمين على بعض، لماذا؟ لأننا خرجنا عن النهج الذي كان قد وحّد هذه الأمة من قبل، لأننا لم نعد نستمسك بالحبل الذي كان سبب وحدة هذه الأمة بالأمس، لأننا لم نعد نخلص لله عز وجل في أعمالنا وإنما جعلنا أو جعل أكثرنا من الدين مطية ذلولاً لأهوائنا ورغائبنا ومصالحنا، فلما فعلنا ذلك تمزق أمر هذه الأمة وتحولت إلى فئات كل فئة تخاصم الفئة الأخرى.

انظروا إلى ما يسمى بالدول العربية انظروا إلى ما يسمى بهذه الدول كيف تجدون أن كل دولة تعادي الدولة التي إلى جانبها، كل جارٍ يخاصم جاره ويعاديه وهكذا وهكذا وهكذا ،كأنه لا يوجد فيما بينهم جامعٌ مشترك من هذا الحبل، كأنهم لم يعودوا يعوون معنى قول الله عز وجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ).

إذاً هذا الواقع الذي نراه ونشاهده على ماذا يدل؟ يدل على أننا نحن الذين تسلط بعضنا على بعض، نحن الذين سحقنا قوتنا ونحن الذين أذبنا عزنا وأحلناه إلى ذل نحن، لما آل أمرنا إلى هذه الحال خُيل إلينا أن أمريكا هي التي تغلبت علينا، أو أن الصهيونية أو أن إسرائيل هي التي تقودنا وأنها هي التي قد بدأت تحكمنا وكأن الأمر هكذا قد أصبح، أو أن دول البغي هي التي تقودنا، الأمر ليس كذلك وآية هذا الذي أقول أن هذه الأمة لو رجعت مرةً أخرى إلى وحدتها رجعت تستمسك بصدق بحبل الله سبحانه وتعالى، إذاً لرأيت أن هذه الفجوات فيما بينها ردمت، وأن الوحدة عادت، وإذا عادت الوحدة فلسوف تجد أن أولئك الناس الذين يخيل إلينا أنهم قد سُلطوا علينا رأيت أن الصَّغار قد أذابهم، وأن الذل قد سحقهم، تنظر بعينك وإذا بهم أمة تافهة تخاف هذه الأمة الإسلامية التي قضى الله عز وجل أن يدخل الرعب منها في قلوب أعدائها.

ألم يقل المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من قبلي: نصرت بالرعب). قال العلماء: هذه العطية ليست لشخص رسول الله فقط وإنما لهذه الأمة جمعاء، فلتكن هذه الأمة على قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم ولتعد إلى نهجها السابق، وانظروا كيف يحول الأمر، إن الذي تراه أعيننا غير الذي تعرفه عقولنا، أمريكا أي دولة هذه حتى تتبجح! وبأي جدارةٍ تتبجح ولا داعي إلى أن أُفصل القول في ذلك، أمريكا اليوم تسير على الحافة وعما قريب ستقع في الهاوية، هذه حقيقة ولكن لاحظوا أعمار الدول تختلف عن أعمار الأشخاص، لكن ما الذي جعلها تتبجح وجعلها تتصف بعنجهية ما مثلها عنجهية أمامنا؟ ذلنا تفرقنا تشتتنا هذا التبعثر الذي آل إليه أمرنا، أفكانت تستطيع أن تخترق قرارات هيئة الأمم المتحدة! أفكانت تستطيع أن تتجاهل القضاء العالمي وتفعل ما فعلته بالأمس هكذا ظناً منها ورجماً منها بالغيب، أفكانت تستطيع أن تفعل هذا لو أن هذه الأمة كانت لا تزال مستمسكة بوحدتها، لو أن هذه الأمة كانت لا تزال سائرةً على صراط ربها سبحانه وتعالى؟ هل تستطيع العفونة أن تهيمن على الطهارة؟ هذا لا يمكن، ولكن حقيقة العفونة نابعةٌ من واقعنا الذي يؤلم ويبكي.

لم يبق لنا من الإسلام إلا شعاره وإلا واقعٌ يتحلى به أفراد، أفرادٌ فقط، أما حقيقة الإسلام فقد عاد المسلمون جنودٌ لأعداء المسلمين، عاد جارنا جيراننا يخلصون لأعدائنا بدلاً من أن يخلصوا لنا نحن المسلمين الذين نساكنهم أو نجاورهم. هذا الواقع كلكم يعرف تفاصيله ولا داعي لأن أضعكم أمام الأمثلة والنماذج والوثائق ولا داعي إلى أن أضع النقاط على الحروف.

إذا عددت أسماء الدول الإسلامية ما أكثرها وإذا أردت أن تحصيها ففي كل يوم يزداد المسلمون ولله الحمد، ولكن انظر إلى واقع كل دولة من الدول التي تسمى إسلامية انظروا إلى نهجها تجدونها تحارب الإسلام، تجدونها على أقل المراتب تستخف بالإسلام تستهين بالإسلام آل الإسلام في حياتها إلى تاريخ إن اعتزت فإنما تعتز به كما تعتز أمة بتراث أو بتلك الأماكن الأثرية التي تقول كان لنا ذات يوم أثر نعتز به اليوم. هذا هو حال هذه الأمة. فلا يقولن قائل: إن عدواً لنا سُلط علينا لا، نحن الذين سُلط بعضنا على بعض، هذه حقيقة ينبغي أن نعلمها ولا يمكن لوعد الله سبحانه وتعالى أن يلحقه خلف، صدق الله القائل: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ

تحميل



تشغيل

صوتي