مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 06/06/1997

حراسة الدين .. شرف يمنحه الله للموفقين من عباده

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أن سيدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أمّا بعدُ فيا عباد الله..

عندما نُذكر أنفسنا ونُذكر إخواننا بواجب النهوض بحراسة هذا الدين، وواجب القيام بما وظفنا الله سبحانه وتعالى فيه من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قد حدثتكم في الأسبوع الماضي، فمعاذ الله أن يكون دافعنا إلى ذلك أن نتصور بأننا نحن الذين نحمي هذا الدين من السهام المصوبة إليه، وبأننا نحن الذين ننسج الحصن الذي يقيه من شر الأعداء والمعتدين، بل إننا لنعلم أننا لا نملك في هذا شروا نقير من الحول والقوة، وإنما هي وظيفة أكرمنا الله سبحانه وتعالى بها، ومهمة أقامنا الله عز وجل عليها، فيجب أن نؤدي ضريبة هذه المهمة، ويجب أن نؤدي ضريبة هذا الشرف الذي متعنا الله سبحانه وتعالى به.

أما الإنتصار لدين الله سبحانه وتعالى، فالذي ينتصر له هو ديّانه، وأما حراسة دين الله سبحانه وتعالى فالذي يحرسه هو ذاك الذي نزله وهو الذي قال في محكم تبيانه: "إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"

ينبغي أن نعلم هذه الحقيقة جيداً، ولكن ينبغي أيضا إذا علمنا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي ينصر دينه وهو الذي يحمي شريعته، ينبغي أن لا تحملنا هذه الحقيقة إلى أن نتقاعس عن القيام بواجباتنا فنقول: إن للبيت رباً يحميه، لا ... هذا شيء ألزم الله به ذاته العلية.

ثم إن هنالك شيئاً آخر ألزم الله به عباده. أمرهم أن يأمروا بالمعروف وأن ينهوا عن المنكر، وأن قوامين على حدود الله في بيوتهم، في أهليهم، في مجتمعاتهم جهد استطاعتهم، فتلك الحقيقة لا تُلغي هذا الواجب، وهذا الواجب ما ينبغي أن يُنسينا تلك الحقيقة.

وعندما أريد أن أؤكد هذه الحقيقة التي ينبغي أن نتبينها، فينبغي أن أُذكركم مرة أخرى بأن لا نجعل منها أداةً للكسل وللابتعاد عن ما أمرنا الله به، وللتخاذل عن القيام بالواجب الذي شرفنا الله سبحانه وتعالى به.

إن المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه الطبراني: "إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" والحديث صحيح، وسنده صحيح. "إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر"؛ أي قد تجد أناساً يحاربون دين الله عز وجل ولا يألون جهداً في العبث بشرائعه وأحكامه ومعتقداته، وتنظر وإذا بقدر الله عز وجل قد سار بهؤلاء الناس بنقيض ما استهدفوه، تنظر وإذا بالله عز وجل قد جعل من مكائد هؤلاء الناس قبساً جديداً يُبصر عباد الله سبحانه وتعالى بدين الله عز وجل، هذه الحقيقة ماثلةٌ للعيان لو أننا تأملنا وتدبرنا.

الإنسان كما أنه لا يستطيع بلسانه وببيانه أن يجعل من نفسه حارساً لدين الله، فكذلك الهدامون لا يستطيعون ببياناتهم ولا بأقوالهم ولا بألسنتهم أن يحطموا شيئاً من دين الله سبحانه وتعالى، فلا أنا أستطيع أن أخلق الحماية لدين الله بجهدي ولا الآخرون يستطيعون أن يحققوا أسباب الهدم لدين الله سبحانه وتعالى بجهودهم بشكلٍ من الأشكال. ولأمرٍ ما أراد الله في بيانه المحكم هذه الحقيقة. فهو القائل: "يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ"، ثم يؤكد البيان الإلهي هذه الحقيقة مرةً أخرى فيقول: "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ". كلامٌ ربانيٌ مُنزل وحياً على رسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم، كلكم يقرأه صباح مساء.

وانظروا إلى واقع الدنيا كيف يصدق بيان الله سبحانه وتعالى.

لا أقولها - مرةً أُخرى أؤكد - لأدفع نفسي وأدفعكم للكسل والتقاعس عن النهوض بالواجب الذي شرفنا الله به، بل لأدفع نفسي وأدفعكم إلى مزيد من الاهتمام بالوظيفة التي شرفنا الله سبحانه وتعالى بها.

ولقد استوقفتني كلمة "بِأَفْوَاهِهِمْ" "يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ".

إذا تجاوزنا التعبير البلاغي الذي يشبه البيان الإلهي فيه المحاولات المختلفة التي يتفنن بها أعداء دين الله عز وجل بمن ينفخ نفخاً ضعيفاً جداً جداً في سراجٍ محصنٍ ضد العواصف، فضلاً عن نفخة فمٍ تافهةٍ لا قيمة لها، إذا تجاوزنا هذا التشبيه البليغ فلنتبين المعنى الذي ترسمه الآية لكلمة بأفواههم: "يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ" بألسنتهم بقالة السوء التي يرددونها في حق الله وفي حق دينه، بالأكاذيب التي تنطق بها ألسنتهم وتلوكها أفواههم كذباً وافتراءً على الله سبحانه وتعالى. الفم هو مصدر حرب دين الله سبحانه وتعالى عند هؤلاء.

كيف يحاربون دين الله؟ بما يتقولونه، بما يفترونه، بما يكذبونه والأمثلة كثيرة وكلكم يعلم ذلك ..

أداةٌ واحدة يطمعون من خلالها أن يطفئوا هذه الجذوة التي اتقدت منذ الأزل ولن تنطفئ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يريدون أن يُطفئوا هذه الجذوة بالأكاذيب التي تصطنعها ألسنتهم والتي تلوكها أفواههم. فهذا هو معنى قول الله سبحانه وتعالى: "يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ" وكأنه يلفت نظرنا إلى جنون هؤلاء الناس، لو كان هذا النور شيئاً اخترعه أناس أمثالهم بطاقةٍ مما يأتي به البشر، لكان العقل يمكن أن يدفع هؤلاء الناس إلى أن يقاموا قوة بقوة مثلها، إلى أن يقاوموا خطة بشرية بخطة بشرية أخرى، ولكن مال لهؤلاء الناس يتحركون في واد من الحماقة لا حدود له، إنهم يحاولون أن يطفئوا نوراً لم تشعله يد بشرية، ولم توجده طاقة إنسانية، وإنما هو نور الله سبحانه وتعالى ذاك النور الذي أشار إليه البيان الإلهي إذ قال: "الله نورُ السمواتِ والأرض"

كيف يمكن لإنسان تافه أن يُطفئ النور الذي أشرقت به السموات والأرض، ألا وهو نور الله سبحانه وتعالى، لا يمكن لهذا أن يتم أبداً.

وأعود بعد هذا فأقول عندما ذكرتكم في الأسبوع الماضي بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنما أحمل نفسي وأحمل كل مسلم على تنفيذ هذه الوظيفة التي شرفنا الله عز وجل بها؛ دفعاً للضريبة التي طوقنا الله بها؛ ضريبة العبودية، ضريبة المنن التي أكرمنا الله سبحانه وتعالى.

أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نكون جنداً من الجنود الذين شرفهم الله سبحانه وتعالى بالدعوة إلى دينه، بالدعوة إلى شريعته، بتعريف الناس بمولاهم وخالقهم سبحانه وتعالى، ولتعلموا أنكم إن نكصتم على أعقابكم ولم تحملوا هذا الشرف الذي شرفكم الله عز وجل به، فلسوف تطردون من دائرة هذه المكانة التي بوأكم الله إياها ولسوف يستبدل الله سبحانه وتعالى بكم آخرين ثم لا يكونوا أمثالكم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي