مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 28/03/1997

الزلازل .. تنبيه للغافلين

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أن سيدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلٍّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين وأوصيكم أيها المؤمنون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى

أمّا بعدُ فيا عباد الله ..

إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ضعيفاً، وأعلن عن ذلك في محكم تبيانه عندما قال: "وخُلق الإنسان ضعيفاً"، والضعف الذي يعنيه بيان الله عز وجل ليس ضعفاً جسمانياً فقط، لكنه الضعف الشامل للكيان كله، بما فيه ما حمل من غرائز وأهواء وشهوات، ومن ثم فليس الغريب أن ينحرف الإنسان المسلم بين الحين والآخر إلى معصية أو أن ينسى فيرتكب موبقة أو أن تجمح به أهواؤه وغرائزه فينحرف عن جادة الاستقامة. ولقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون". ولكن العجيب في حال الإنسان إذا عصى الله سبحانه وتعالى وذُكر بآيات الله عز وجل مرة إثر أخرى أن لا يتأثر لهذه المذكرات، وأن لا يرعوي وأن لا يهتز منه الشعور ولا الفؤاد، هذا هو الأمر الغريب في حال الإنسان.

أي ليس العجيب أن يعصي الإنسان ربه بين الحين والآخر، ولكن العجيب من حاله أن تدرك فؤاده القسوة، حتى يصبح وكأنه جلمود من صخر، لا يتأثر لتذكرة ولا يرعوي لآية من آيات الله سبحانه وتعالى، ويصدق على هذا الإنسان عندئذٍ قول الله عز وجل: "ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عمّا تعملون" وهذا يعني أن الإنسان يتحول في مثل هذه الأحوال إلى وضعٍ يكون فؤاده أقسى حتى من الحجارة كما هو واضح من كلام الله سبحانه وتعالى.

هذه الظاهرة المؤلمة نتذكرها عندما تترى آيات الله سبحانه وتعالى المخيفة والمنبهة، وننظر ونلتفت فقلَّ ما نجد من يتنبه ويتذكر، هذه الزلازل المتلاحقة التي رأيناها وشعرنا بها ماذا تركت من آثار العودة إلى الله عز وجل، وماذا فعلت في أفئدتنا من واجب الإرعواء والعودة إلى الله عز وجل والشعور بالمخافة من عقابه والتبتل بين يديه والتوبة إليه، لن تفعل هذه الظاهرة شيئاً إلا ما ندر.

رأينا وسمعنا من ينصح وينبه الناس عندما تفاجئهم هذه الحالة المخيفة كيف يصنعون وكيف يلجؤون وكيف يفرون، وإلى أي دعامة يلتجؤون، وكيف يبتعدون عن الأماكن المعينة، وكيف يتركون حمل الأشياء الثقيلة ... كلام غريب مضحك.

أهذا هو كل ما نبهتكم إليه هذه الآية الربانية المخيفة؟!

أفهذا هو كل ما قد تنبهت إليه عقولكم من الأمور التي ينبغي أن تثمرها هذه العظة الربانية؟! وشر البلية كما قالوا، تلك البلية التي تضحك.

وأعتقد أنه ما من إنسانٍ سمع هذه النصائح التي لا يمكن أن يلتفت إليها أحدٌ في هذه الحالة الداهمة التي لا تبقى أكثر من ثوانٍ، ما أتصور أن إنساناً سمع هذا إلا وقهقه من الضحك. وهل هنالك فرصة عندما تحيق بالإنسان هذه الآية الربانية المخيفة؟! هل هنالك فرصة ليخطط الإنسان من خلالها السعي إلى هذه النصائح الذهبية الثمينة؟

عندما يقضي الله عز وجل قضاؤه المبرم في حق آلاف مؤلفة من عباده، فإن المسألة لا تتحمل أكثر من بضعة ثوان. من الذي يستطيع خلال هذه الثواني أن يعود إلى وصفة النصائح الثمينة هذه ليطبقها؟!

ألم يكن خيراً من هذه النصائح التي أضحكت كثيراً من الناس فعلاً، ألم يكن خيراً من ذلك أن يتجه هؤلاء الناصحون إلى أنفسهم وإلى إخوانهم جميعاً يُذكرونهم بالله الذي يُحذر ويُنذر بمثل هذه الآيات؟! يخيفونهم من عقاب الله يدعونهم إلى الإنابة يدعونهم إلى التوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى يدعونهم إلى ساعةٍ قدسية من نقد الذات.

كيف كانت حالنا وكيف يصبح أمرنا الآن؟ وكيف ينبغي أن نتوب إلى الله ونصطلح معه؟ أليس خيراً من تلك النصائح التي لا يمكن أن يتبينها وأن يتنبه إليها أحدٌ عندما يحيق ذلك الخطر ألم يكن خير من ذلك هذا التنبيه الذي ما أنزل الله هذه الآية إلا من أجل أن نرعوي إليه.

أيها الإخوة كم وكم سمعنا من يتباهون بالعلم، بل كم رأينا من أسكرهم اليسير اليسير عن الحقيقة الكبيرة الكبيرة المتمثلة في قيومية الله سبحانه وتعالى لهذا الكون، وكم سمعنا كلام هؤلاء السكارى المكرر: إن العلم لم يعد بحاجة إلى دينٍ وإيمان، إن العلم هو الذي يتحكم في حياة الإنسان، كان الناس فيما مضى يلجؤون إلى الغيب لأنهم كانوا جاهلين ولم يكونوا قد هيمنوا على الطبيعة كما نهيمن اليوم نحن.

لعل السكارى لا يقولون مثل هذا الكلام أبداً، ولعل ألسنتهم لا تنطق بمثل هذا الهذيان أبداً، ها هي ذي هذه الزلازل، ماذا فعل العلم لتحصين الإنسانية ضدها ؟ سلو الأرصاد في العالم كله من هم الذين يستطيعون مستعينين بكل الوسائل وبكل الأجهزة وبكل الأرصاد التي تتحسس الأنباء قبل وقوعها. من هو هذا الذي يستطيع أن يتنبأ بزلزال سيقع؟ إطلاقاً، لم يستطع إلى الآن أحد مستعيناً بالعالم كله أن يشم رائحة واقع من هذا القبيل قبل حدوثه. وكم عقدت مؤتمرات في شرق العالم الغربي وغربه كم عقدت مؤتمرات للبحث في مصدر هذه الزلازل وفي سبيلٍ ما يمكن أن يتبينه الإنسان ليتبين هذه الزلازل قبل وقوعها، أو ليقف على بعض الإشارات أو بعض الدلائل عليها قبل مجيئها، فلم يصلوا من بحوثهم إلى أي شيء.

وها هي ذي العلوم تتنامى، وها هي ذي تسكر أصحابها، ولكنهم لم يستطيعوا أن يفيدوا من علومهم شيئاً، بل بقيت الحيوانات العجماوات أكثر علم بهذه القضية. ولعلكم تعلمون أن الله سبحانه وتعالى يُطلع الحيوانات أو كثيراً من الحيوانات على هذه الأحداث قبل وقوعها. فالحيوانات تتطلع بإطلاع الله عز وجل إياها على ما سيقع من زلازل قبل أن تقع هذه الزلازل.

وقد حدثني بعض الإخوة عن ذلك الزلزال الذي وقع قبل حين في القاهرة، قال: كنت أنا وزمرةً من الأصدقاء نجوب في حديقة الحيوانات، وبينما نحن نجوب فيها في نزهة نمضي نهارنا في تلك الحديقة إذا بأصوات غريبة ترتفع من تلك الوحوش في سائر تلك الجهات، كل تلك الوحوش على اختلافها تصيح صيحات منكرة غريبة وعجيبة مما جعل المتنزهين بين تلك الحيوانات لا يعجبون فقط بل يخافون أيضاً، وما هي إلا دقائق مرت حتى وقع ذلك الزلزال المخيف الذي سمعتم به في القاهرة، لا الأرصاد شعرت ولا العلماء استطاعوا أن يعلموا شيئاً من ذلك بعلومهم، ولا المتنبئون المنجمون استطاعوا أن يعلموا هذا بالغيب الذي يزعمون أنهم يعرفونه، ولا الذين يزعمون أن بينهم وبين طائفة من الجان صلات، وأنهم يستطيعون أن يعلموا الحقائق قبل وقوعها، لا يستطيع أحد من هؤلاء الناس أن يدرك ما الذي سيقع بعد حين، ولكن الحيوانات العجماوات أطلعها الله سبحانه وتعالى على هذا الأمر.

ألم يكن من الواجب أيها الإخوة وقد رأيتم سلسلة هذه الزلازل التي مرت بنا مر الكرام، مرت بنا لتذكرنا دون أن تعطبنا، مرت بنا لتوقظنا دون أن ترعبنا، وكم هو مظهر للطف العظيم من الله سبحانه وتعالى أن يمر بنا الأمر على هذه الشاكلة اللطيفة.

ألم يكن من مقتضى الإنسانية بل من مقتضى ما يتمتع به الإنسان من شعور ومن قلبٍ رقيق، نضرب الأمثلة برقة الفؤاد عادة، ألم يكن من مقتضى ذلك أن تهب هذه الأمة من رقدتها، وأن تعود إلى بارئها، وأن تتوب وتأوب إلى الله سبحانه وتعالى فيستقيم المنحرفون، ويقلع العاصون، ويعودون فيتوبون إلى الله سبحانه وتعالى جهد الإستطاعة.

ولكن هذا هو العجب العجاب .. نلتفت يميناً وشمالاً ونصغي بأسماعنا إلى الأصداء التي نجمت عن هذه الأحداث المخيفة فلا نقع على أي أثر لإلتفاتة إلى الله سبحانه وتعالى.

اقرأوا الجرائد واسمعوا تعليقات الإذاعات واسمعوا ما يقوله الناس بعضهم لبعض الأمور كلها بعيدة كل البعد عن هذا الذي من أجله يرينا الله سبحانه وتعالى هذه الآيات، والعجب بعد هذا كله هو ما قد قلته لكم أن يشيع بين الناس تلك الوصايا الباردة السخيفة! ماذا ينبغي أن تصنع عندما يداهمك هذا الزلزال إلى أي عضادة ينبغي أن تلتجئ، وما هو الشيء الذي ينبغي أن تدعه من يدك إن كنت تحمله وكيف ينبغي أن تتصرف ..

من هو هذا الذي يضع هذه النصائح في موضع الجد من عقله، وكما قلت لكم: المسألة عمرها ثوانٍ فقط، هل يمكن لأمر يداهم الإنسان ويقضي قضاؤه المبرم خلال ثوانٍ أن يكون ساحةً متسعةً لإدراك هذه النصائح ثم لتنفيذها؟!

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوقظنا من سباتنا وأن يرقق أفئدتنا وأن لا يبتليها بالقسوة كما ابتلي بذلك أناس حدثنا الله عز وجل عنهم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم .

تحميل



تشغيل

صوتي