مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 19/06/1987

لن يغلب منافقو الشام صالحيها

لن يغلبَ منافقو الشّامِ صالِحيها


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعدُ فيا عبادَ الله:

حديثٌ معروفٌ مرويٌّ عن رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كثيراً ما وقفتُ عندهُ متسائلاً، هو قولهُ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "لن يغلِبَ منافقو الشّامِ صالحِيها، وحرامٌ على منافقِيها أن يموتوا إلّا همّاً وغمّاً وكمداً".

كثيراً ما تساءَلت: ولماذا كانَ المنافقونَ في الشّام؟ ولم نعلم أنَّ النّبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تحدَّثَ عن صراعٍ يجري بينَ المنافقينَ وغيرِهم كما تحدَّثَ عن ذلكَ في الشّام، وهذا يعني -على الرّغم من ثناءِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على الشّام-، هوَ يعني أنَّ في الشّامِ منافقينَ كثيرين.

ولكم تساءَلت: أينَ هم هؤلاءِ المنافقون؟ ولماذا حذَّرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الوقتِ الذي بشَّرَ أنَّ هؤلاءِ المنافقينَ لن يغلبوا الصّادقينَ والصّالحين؟ ولكنّي أنظرُ أيُّها الإخوة كما ينظرُ كلُّ إنسانٍ إلى الوقائعِ التي تجري في شامِنا هذه، فنجدُ يوماً بعدَ يومٍ مصداقَ كلامِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يتجلّى بل ويزدادُ جلاءً، بل إنَّ هذهِ الحقيقةَ لتزدادُ وضوحاً في المناسبات، وكلُّكم يعلمُ أنّهُ ما من فترةٍ تمرُّ في العامِ إلّا وتجدُّ فيهِ مناسبةٌ تتعالى فيها الأصواتُ تدّعي الوطنيّة، تدّعي التّحرُّقَ على المبادئِ والقيَم، تدّعي التّحرُّقَ على الحقوق، وآخرُ مناسبةٍ مرّت هيَ هذهِ المناسبةُ المباركةُ التي لا نزالُ بصددِها: مناسبةُ الحركةِ التّصحيحيّة.

عندما نصغي إلى الكلماتِ التي تقالُ والتي تُدَبَّجُ في مثلِ هذهِ المناسبةِ يخيَّلُ إلينا أنَّ الشّامَ تفورُ بالصّالحين، بالمضحّين، بالمستنكرينَ لذواتهم، يخيَّلُ إليكَ وأنت تصغي لهذهِ الكلماتِ المتوهّجةِ المتوقّدةِ الضّخمةِ الكبيرة، يخيَّلُ إليكَ أنَّ شامنا هذهِ تفورُ بكلِّ إنسانٍ وضعَ حياتَهُ على كفِّهِ مضحّياً بها في سبيلِ القِيَمِ وفي سبيلِ الحقِّ وفي سبيلِ الوطنِ وفي سبيلِ الأرض، بل يخيَّلُ إليكَ أنَّ كلَّ واحدٍ من هؤلاءِ النّاسِ قد تجرَّدَ من مالهِ وتجرَّدَ من كلِّ ممتلكاتهِ ووضعَ ذلكَ كلَّهُ فداءً لهذهِ المبادئِ والقيَم، فداءً للحقِّ الذي يأبى إلّا أن يحرسَهُ ليلَ نهار. هكذا يبدو، وهكذا تنطقُ الكلماتُ التي تقالُ في مثلِ هذهِ المناسبات.

حتّى إذا طويَ ملفُّ الحديثِ وانتهتِ الاحتفالاتُ والاحتفاءات، وذهبَ دورُ الكلامِ وجاءَ دورُ العملِ والتّنفيذِ نظرتَ فوجدتَ أمراً مناقضاً: وجدتَ أنَّ الحقوقَ تُغدَرُ مقبلَ عَرَضٍ منَ الدّنيا قليل، بل وجدتَ أنَّ القوانينَ التي ينبغي أن تنفَّذَ وأن تكونَ سياجاً للعدالة، تجدُ أنَّ القوانينَ تذوَّبُ وتذوَّبُ من أجلٍ عَرَضٍ منَ الدّنيا يسيلُ عليهِ اللُعاب، ولم يعُد هنالكَ قانونٌ يُقَدَّسُ ولا شِرعةٌ تُستَعلى، كلُّ ذلكَ يمكنُ أن يذوبَ ويزولَ في سبيلِ عَرَضٍ منَ المالِ في سائرِ المناسباتِ وعلى كلِّ المستويات.

وتقابلُ وتقارنُ في ذهنِكَ بينَ ذلكَ الكلامِ الذي يعبِّرُ عن التّضحية، ويعبِّرُ عنِ الفداء، ويعبِّرُ عن أنَّ أصحابَ هذهِ الكلماتِ متجرِّدونَ عن أرواحِهِم وعن أموالهم في سبيلِ الحقِّ المتمثِّلِ في المبادئِ والمتمثِّلِ بالقيمِ والمتمثِّلِ في الأرضِ والوطن.. ثمَّ إنّكَ تنظرُ إلى السّلوكِ وإلى الواقعِ وإذا بالحقوقِ ميتّمة، وإذا بالمبادئِ والقيَمِ غريبةٌ لا يتعرَّفُ عليها في ساحةِ التّسابقِ إلى الأموال، إلى الشّهوات، لا يتعرَّفُ عليها أحد. كانَ ذلكَ على منابرِ الحديث، أمّا عندَ الواقعِ والسّلوكِ فكلُّ ذلكَ يُضحي غريباً، وكلُّ ذلكَ يصبحُ يتيماً، والكعبةُ الوحيدةُ التي يطوفُ الكلُّ -إلا من رحمَ ربُّكَ- حولَها إنّما هيَ كعبةُ الأموالِ بأيِّ طريقةٍ جاءت، إنّما هيَ كعبةُ الشّهوات، إنّما هيَ كعبةُ الأمزجةِ والأهواء، هنا أتذكَّرُ كلامَ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "لن يغلبَ منافقو الشّامِ صالحيها، وحرامٌ على منافقيها أن يموتوا إلا همّاً وغمّاً وكمداً".

إنَّ الإنسانَ الصّالحَ - وهيَ الكلمةُ التي يستعملُها رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- هوَ الإنسانُ الصّادق، هوَ الإنسانُ الذي يوافقُ لسانُهُ فؤادَه، فإذا وقفَ يقولُ: نحنُ نضعُ أرواحنا على أكُفِّنا ونضعُ أموالَنا أيضاً فداءً للقيَمِ والمبادئِ والحقوقِ التي ينبغي أن نكونَ حرّاساً عليها، الإنسانُ الصّالحُ في اصطلاحِ سيِّدِنا رسولِ اللهِ هوَ ذلكَ الذي يوافقُ قلبُهُ لسانَه، ومن ثمَّ فلا بدَّ أن يوافقَ سلوكهُ حديثه.

وإذا نظرنا فوجدنا أنَّ الحقوق، أنَّ القوانين، أنَّ مبادئَ العدالةِ تمزَّقُ وتغدَرُ في سبيلِ من يقدِّمُ الأكثرَ منَ المال، وجدنا أنفسَنا أمامَ الفريقِ الأوَّلِ الذي تحدَّثَ عنهُ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "لن يغلبَ منافقو الشّامِ صالِحيها". ولكن عزاؤنا أيُّها الإخوةُ هوَ الشِّقُّ الثّاني من كلامِ رسولِ الله، نعم هنالكَ منافقونَ ولكن كلامُ رسولِ اللهِ صدقٌ وحقٌّ ولا بدَّ أن ينفَّذْ، لا بدَّ أن يتغلَّبَ الصّالحونَ في الشّامِ على المنافقين، لا بدَّ أن يتغلَّبَ الصّالحونَ الذينَ يضحّونَ فعلاً في سبيلِ المبادئِ والقيَمِ بأرواحهم وأموالهم عندما يقتضي الأمر وبكلِّ ما يملكون، لأنَّ هؤلاءِ الصّالحينَ يعلمونَ أنَّ الرّوحَ لا وجودَ لها في حالةٍ منَ الطّمأنينةِ التّامّة، وأنَّ المالَ والغنى لا وجودَ لهما محصَّنَينِ ملكاً لهذا الإنسانِ إلّا إذا كانت ثمَّةَ تضحيةٌ بالرّوحِ وبالمالِ نفسهِ في سبيلِ المبادئِ والقيَمِ وفي سبيلِ الحقّ. هؤلاءِ الصّالحونَ يعلمونَ هذهِ الحقيقة، وهؤلاءِ الصّالحونَ إذا تكلَّمَ أحدهم وتحدَّثَ في مناسبةٍ منَ المناسباتِ كمناسبةِ الحركةِ التّصحيحيّةِ التي كانت ولا تزالُ بحمدِ اللهِ مباركةً فإنّهم يعلمونَ كيفَ يضعونَ النّقاطَ على الحروف، يعلمونَ كيفَ يحعلونَ من الفعلِ تصديقاً للكلام، يقولونَ هذا على منبرِ الحديث. ثمَّ إذا تحوَّلوا إلى العملِ والسّلوكِ وجاءتهمُ الأموالُ من هنا وهناكَ في سبيلِ أن يغضّوا النّظرَ عنِ القوانينِ قوانينِ العدالة، وفي سبيلِ أن يغضّوا النّظرَ عنِ المبادئِ والقيَم، ركلوا المالَ بأقدامهم، وتعشَّقوا المبادئَ والقيَمَ التي أقاموا أنفسَهم وأقامهمُ اللهُ سبحانهُ وتعالى حرّاساً عليها، من هم؟ وأينَ هم هؤلاء؟ نحنُ مطمئنّونَ إلى أنّهم موجودون، ألم يقل رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "لن يغلبَ منافقو الشّامِ صالحيها"؟ إذاً في الشّامِ صالحون، وفي الشّامِ أناسٌ متحرِّقونَ على الحقِّ بسلوك، لا بكلماتٍ وأقوالٍ مدبَّجة، لا.. هؤلاءِ موجودونَ قلّوا أو كثُروا، وربَّما لم تكن للكمِّ قيمة وفي كثيرٍ منَ الأحيانِ تكونُ القيمةُ للكَيف، تكونُ القيمةُ للأهمّيّة، ولا تكونُ القيمةُ للعدد، للغشاءِ الذي شبَّههُ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بــــِ"غُثاءِ السّيل".

أقولُ هذا أيُّها الإخوة حتّى تعرفوا مواقعَكم على ضوءِ حديثِ رسولِ للهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هذا، هنالكَ منافقونَ وهنالكَ صالحونَ فاعرِفوا موقعكم: كونوا من هؤلاءِ الصّالحين، كونوا إذا تكلَّمتم في مناسبةٍ من المناسبات، أو إذا وجدتم أنفسكم أمامَ ضرورةِ قيامٍ بواجب، واجبِ تضحيةٍ في سبيلِ المبادئ، في سبيلِ القيَم، في سبيلِ الحقوق. كونوا معَ الصّادقينَ ولا تكونوا معَ الطّرفِ الآخر، كونوا معَ الصّادقينَ على كلِّ المستويات، على مستوى قيامكم بالسَّهَرِ الدّائبِ على تربيتكم لأولادكم وبناتكم.

وكم قلتُ وكرَّرتُ القولَ في هذا الصَّدد ولا أريدُ أن أعيد، عرفتم وحفظتم دروسكم: كونوا صادقين، كونوا عندَ حسنِ ظنِّ رسولكم صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم، احرصوا على أن تكونوا من هؤلاءِ الصّالحين وبشرى رسولِ اللهِ لكم أنَّكم أنتمُ الغالبون. كونوا على هذا المستوى حرصاً على الحقوقِ التي متَّعكمُ اللهُ عزَّ وجلَّ بها، ومفاتيحُ الحقوقِ هيَ المبادئ، هيَ القيَم، هيَ الأخلاق، هيَ الفضيلة.

بهذهِ المعاني والحقائقِ تحصَّنُ الحقوق، كونوا حرّاساً على القيَمِ والمبادئِ والأخلاقِ الرّاشدةِ وعلى الفضيلة، كونوا صالحينَ على المستوى الثّالثِ وهوَ أن تكونوا فعلاً متفاعلينَ معَ مناسباتٍ نرفعُ بها رؤوسَنا فعلاً، فلقد قلتُ مرّةً وأقولُها دائماً: إنَّ حركةَ التّصحيحِ كانت كما أعلمُ -وأنا شاهدُ عيانٍ في هذا- كانت من أجلِ درءِ أخطارِ الإلحادِ عن هذهِ البلدة، كانت من أجلِ درءِ أخطارِ الطّامعينَ البعيدينَ هناكَ في مشرقِ العالمِ حيثُ تهاوى ذلكَ المعسكر، كانت في سبيلِ درءِ هذهِ البلدةِ عن أطماعِ أولئكَ الطّامعين، كانت في سبيلِ الإبقاءِ على مبادئِ هذهِ البلدةِ وقيَمها، أجل..

كونوا على رشدٍ في هذا وتفاعلوا مع هذا الدّافعِ لكي نصلَ بهِ إلى مداه، نحنُ لم نصل بعدُ إلى مداه، أجل هذا هوَ الهدف، ولكن هل تحقَّقَ هذا الهدفُ كاملاً؟ هنالكَ صراعٌ كما قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم، هنالكَ من يريدُ أن يخنُقَ القيَمَ والمبادئَ والعقائدَ الحقّة ولكن بطريقةٍ أخرى.

ولكن هنالكَ الحرّاسُ على دينِ الله، وهنالكَ السّاهرونَ على المبادئِ والقيَم، كونوا منَ الجندِ الذي استبشرَ بهِ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم، كونوا منَ الصّالحينَ الذينَ أنبأَ عنهم رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على مستوى التّضحيةِ الفعليّة لا مستوى التّضحيةِ القوليّة، لا تكتفوا بتلكَ الشّعاراتِ القائلة: نحنُ جميعاً فداء، كلُّنا كذا وكذا ممّا ترونهُ مكتوباً وممّا تسمعونهُ مقولاً، صحِّحوا هذا بالتّنفيذ. عندما يقولُ أناسٌ هذا الكلامَ قولوا: أمّا نحنُ فقد لا نقول، وقد لا نكثرُ القول، ولكنّنا آلَينا وعاهدنا ربَّنا سبحانهُ وتعالى أن نضعَ أرواحَنا في يدِنا اليمنى وأموالَنا في يدِنا اليسرى ونضحّيَ بذلكَ كلِّهِ إذا دعا الدّاعي في سبيلِ إبقاءِ الحقّ، وفي سبيلِ الدّفاعِ عنِ المبادئِ والقيَم، هكذا ينبغي أيُّها الإخوةُ أن نفعَلَ حتّى يكتبَنا اللهُ منَ الصّالحينَ الذينَ تحدَّثَ عنهم رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم. فإن شعرنا ونحنُ نسيرُ في هذا الطّريقِ بوعورةِ الطّريق، شعَرنا بالتّضاريسِ التي لا تمكِّنُنا منَ السّيرِ على هذا الطّريق، فَيَسِّروا العسيرَ بصدقِ الالتجاءِ إلى الله، يسِّروا كلَّ عسيرٍ بالدّعاءِ الواجفِ بينَ يديِ اللهِ عزَّ وجلّ، فلا واللهِ ما سارَ إنسانٌ على الدّربِ الذي أمرَ اللهُ بهِ مستعيناً باللهِ عزَّ وجلَّ في صراعةٍ واجفةٍ ودعاءٍ دائمٍ مستمرٍّ نابعٍ منَ الأعماقِ إلّا يسَّرَ اللهُ لهُ العسير، وإلّا عبَّدَ اللهُ سبحانهُ وتعالى لهُ الطّريق.

اذكروا أيُّها الإخوة أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لم يصف عبادَهُ الصّالحينَ فقط بالعمل، وإنّما وصفهم قبلَ ذلكَ بكثرةِ الالتجاءِ إلى الله، ألم تسمعوا قولهُ عزَّ وجلَّ وهوَ يصفُ النّخبةَ الصّالحةَ من عبادهِ قائلاً: ((كانوا قليلاً منَ الليلِ ما يهجعون * وبالأسحارِ هم يستغفرون))؟ ألم تقرؤوا قولهُ سبحانهُ وتعالى وهوَ يصفُ هؤلاءِ النّاس: ((تتجافى جنوبهم عن المضاجعِ يدعونَ ربّهم خوفاً وطمعاً وممّا رزقناهم ينفقون))؟ وكَم وكم في كتابِ اللهِ سبحانهُ وتعالى آيات تصفُ عبادهُ المسلمينَ المتحرِّكينَ السّائرينَ على صراطِ اللهِ سبحانهُ وتعالى بكثرةِ الالتجاءِ إلى الله، يسِّروا العسيرَ الذي تشكونه، وما أكثرَ ما تشكونَ بصددِ من يذكِّركم بتربيةِ الأولادِ والبنات، بصددِ من يذكّركم بالتّرفُّعِ عنِ المغرياتِ والشّهوات، ما أكثرَ من يشكو صعوبةَ ووعورةَ الطّريق. حطّموا ذلكَ كلَّهُ بكثرةِ الالتجاء، كثرةِ الالتجاءِ إلى الله.

أنتم أم رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم؟ أيُّنا: نحنُ أم رسولُ اللهِ أولى بكثرةِ التّضرُّعِ على أعتابِ اللهِ والدّعاءِ الواجفِ بينَ يديه؟ رسولُ اللهِ لم يعصِ ربَّه، رسولُ اللهِ لم يفعل ما يقتضيهِ الاستغفار، نحنُ الذينَ ارتكبنا كلَّ موبقة. ومعَ ذلك فما كانَ رسولُ اللهِ يسيرُ في طريقٍ إلى غايةٍ من غاياتِ استرضاءِ اللهِ عزَّ وجلَّ إلّا ويتوِّجُ عملهُ بالضّراعة، بالضّراعةِ الواجفةِ بينَ يديِ الله، كانَ ذلكَ شأنَهُ يومَ بدر، كانَ ذلكَ شأنهُ يومَ الخندق، كانَ ذلكَ شأنهُ يومَ خيبر، كانَ ذلكَ شأنهُ يومَ فتحِ مكّة. ما وقفَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أمامَ طريقٍ يسلكهُ إلى مرضاةِ اللهِ إلّا وأعلنَ عن ضعفه، وأعلنَ عن عجزه، وأنّهُ لا شيء، ولكنّهُ يستنزلُ القوّةَ كلَّها منَ اللهِ سبحانهُ وتعالى، استنزلُوا القوّةَ منَ اللهِ إن رأيتم أنَّ السُّبُلَ قد تقطَّعت بكم إلى هذهِ الغايات، صراعٌ فيما يتعلَّقُ بتربيةِ الأولادِ والبنات، وصراعٌ فيما يتعلَّقُ بالتّحرُّرِ منَ الشّهواتِ والأهواءِ فالتجؤوا إلى الله، وبابُ اللهِ مفتوح، بابُ اللهِ مفتوحٌ للعاصي وللطّائع، لكلِّ من يريدُ أن يلتجِأَ إليهِ سبحانهُ وتعالى، ثمَّ ضعوا في اعتباركم أن تكونوا منَ النّخبةِ الصّالحة، وأن لا نكونَ منَ المنافقين الذينَ يتجمّلونَ بالكلماتِ والشّعاراتِ ويستخذونَ عندَ العملِ والسّلوك، كونوا منَ النّخبةِ الصّالحةِ التي تبرهنُ أمامَ اللهِ ثمَّ أمامَ عبادِ اللهِ عزَّ وجلَّ أنّنا إن قلنا فعلنا، بل إنّنا نفعلُ ولا داعيَ إلى القول، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيم...

تحميل



تشغيل

صوتي