مميز
EN عربي

السلاسل: القرآن والحياة

التاريخ: 04/06/1978

المدرس: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI

21- الحلقة الحادية والعشرون: الصبر والشكر

التصنيف: علوم القرآن الكريم

الشكر فرعٌ عن الصبر، وليس العكس، ولا أعني بالشكر شكرَ اللسان، أعني بالشكر أن يصرف الإنسان جميع ما أنعم الله به عليه لِمَا قد خلق من أجله، من هنا كان الشاكرون قلَّةً، قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ فلا يمكن للإنسان أن يكون شاكراً إلا عن طريق الصبر، إذ الصبر: تحمُّل الإنسان لمشاقِّ الخوض في سبيلٍ موصلٍ إلى هدفٍ قدسيٍ، أو الامتناع عن لذةٍ الوصولُ إليها يوقع في هلاكٍ أو مفاسد.


فالصبر في بعض الأحيان يكون سلوكاً، وفي بعض الأحيان يكون إمساكاً، والفرق بين الصبر والإقامة على الضير أنَّ الثاني هو تحمُّل شدَّةٍ أو مشقَّةٍ دون نتيجةٍ مفيدةٍ.


المشاقُّ التي وضعها الله أمامنا وابتلانا بها تأخذ شكلين اثنين، تأخذ آناً شكلَ الصَّبر، وآناً آخر شكل الشُّكر، على الرغم من أنَّ الجذع واحدٌ، فالله كلفني أن أمارس دلائل حبِّي وخضوعي له، فيضع أمامي بعض الأوامر التي تشقُّ عليَّ وتتعارض مع شهواتي وأهوائي، فسلوكي إلى الله بتحمُّل هذه المشاق يُظهِرُ صدق حُبِّي وخضوعي.


مثل ما أوحى الله سبحانه وتعالى إلى سيدنا داود عندما قال لقومه: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ شاء الله أن يجعل ثمن انتصارهم على جالوتَ صدقُهُم مع الله عزَّ وجلَّ، وصدقُهُم مع الله لا يستبين إلا عن طريق الصبر، والصبر هو التحمُّل، ولذلك ابتلاهم الله عزَّ وجلَّ بشربةِ ماءٍ منعَهُ منها، وهكذا كلُّ السدود التي يقيمها الله عزَّ وجلَّ أمامنا ووراءها أشياء تهفوا إليها النفس، من أجل أن يستبين صدقَ عبوديتنا لله سبحانه وتعالى.


الشكر معنى من معاني الصبر، الباري عزَّ وجلَّ أعطاني الأموال والصحة، أستطيع أن أفعل ما أشاء، ولكنَّ الشرع يمنعك من الخوض أو الدُّخول في هذه الأبواب كُلِّهَا إلا هذا الباب الواحد، ما الشكر؟ الشكر هو أن أجند المال في الطريق الذي سمح الله لي به، وهو نوعٌ من الصَّبر، ولذلك قال بعض العلماء: الغنيُّ الشَّاكر أفضل من الفقير الصَّابر؛ لأنَّ الغني لا يكون شاكراً إلا عن طريق الصبر.


واجب المسلم في هذه الحياة لا يخرج عن صبرٍ أو شكرٍ، صبرٍ على شدَّةٍ ابتلاه الله عزَّ وجلَّ بها، يرضى عن الله فيما ابتلاه الله به، ويجأر إليه بأن يطلب منه العافية، كلُّ ذلك صبرٌ أو نعمةٌ أغدقها الله عزَّ وجلَّ عليه، يجعلها جنوداً تسير على صراط الله، فإذا عاش الإنسان بين صبرٍ وشكرٍ فقد أدَّى المهمَّة التي كُلِّفَ بها، وهذا الإنسان لا شكَّ أنَّه يرقى إلى درجةِ الربانية بثبات نفسه واستقامته ما أمر الله عزَّ وجلَّ.
لذَّة المحبَّة تسري إلى الصعاب، فتصير تلك الصعاب لذَّةً له، ابن الزبير كان يجعل من ذكر الله عزَّ وجلَّ الأداةَ التي تنسيه الدنيا وآلامها، وتجعله يعيش مع لذَّةٍ لا ترقى لها لذَّةٌ، وقد يصعب علينا التصديق بهذا، لأنَّ هذه الأحوال لا يعرفها إلا من ذاقها، ولكنها حقيقةٌ لا مراء فيها.



تحميل



تشغيل

صوتي