مميز
EN عربي

السلاسل: القرآن والحياة

التاريخ: 21/05/1978

المدرس: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI

19- الحلقة التاسعة عشرة: المسلمون والآخر

التصنيف: علوم القرآن الكريم

لا شكَّ أنَّ كلَّ تقلبات الإنسان في هذه الحياة خاضعٌ لشبكةِ المصالح التي رسمها القرآن ووضحتها السُّنَّة، سواءٌ تعامل الإنسان مع ذاته أو أسرته أو مجتمعه أو خارج وطنه مع أيِّ فئةٍ من الناس، وفي أيِّ أرضٍ من أراضي الله سبحانه وتعالى.


قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾، كلامٌ عامٌّ؛ ذلك لأنَّ مصلحة الإنسان قد تقتضي أن يخرج من دائرة وطنه إلى مجتمعٍ غيرِ مسلمٍ، لينتجع مصالحَه المتنوعةَ، ليدعو الناس إلى الله سبحانه وتعالى، فالأصل أنَّ حياته هناك جائزةٌ، لكنْ يزول هذا الأصل إذا كان معرضاً للوقوع في المحرم، أو سيقضي على العقيدة، وكان هذا المحرم تعلوا خطورته فوق المصلحة التي ذهب لينتجعها، والدليل على ذلك من كتاب الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا﴾.


وإن كان الإنسان لا يستطيع أن يخرج من تلك البقعة خوفاً على حياته أن تتعرَّض للخطر، فهنا تتعارض مصلحةٌ حاجيةٌ هي ممارسة الشعائر الإسلامية مع مصلحةٍ ضروريِّةٍ هي الإبقاء على حياته، فلا مانع أن يبقى في هذه البقعة وقلبُهُ مطمئنٌّ بالإيمان، إلَّا إذا أراد أن يقضي على حياته في سبيل حاجي الدين، فإنَّ الله سبحانه وتعالى يتقبل هذا منهم، ولكنَّ الله لم يكلِّفهم ذلك أبداً.


قول الله عزَّ وجلَّ مثلاً: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا﴾، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ لو أنَّ إنساناً تعاقد مع أجيرٍ على عملٍ، وطلب هذا الأجيرُ على عمله أجراً معيناً، فالقوانين والأعراف والمنطق يقضي بأنَّ على الإنسان أن يعطيه الأجر الذي طلب، فإن قال: سأعطيك معه أفضل من ذلك، فهو يُعدُّ ظالماً له؛ ذلك لأنَّ العقد شريعة المتعاقدين، هذا شيءٌ معروفٌ.
فمن قدَّم أعمالاً صالحةً للمجتمع من منطلقاتٍ إلحاديةٍ، فالمنطق والفلسفة القانونية والشريعة في العالم كله يقتضينا أن نعطيه الأجر الذي يطلب، مثل أن يثني الناس عليه، أو أن نقيم له نصباً تذكارياً، أو أن نعطيه المال، لكنَّه لم يطلب المثوبة على هذا من الله، إن كان قد طلب ذلك فينبغي أن يأخذه، لكن إن كان قد ترفَّع عن هذا، ولم يطلبه، وعافته نفسه، فضلاً عن أنه استنكره، فليس هنالك ما يدعونا لا منطقياً ولا قانونياً ولا عرفياً أن نلاحقه بأجرٍ لا يريده.



تحميل



تشغيل

صوتي