مميز
EN عربي

السلاسل: القرآن والحياة

التاريخ: 14/05/1978

المدرس: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI

18- الحلقة الثامنة عشرة: مقاصد الشريعة 2

التصنيف: علوم القرآن الكريم

تصنيف المصالح إلى خمس درجاتٍ، ليس نتيجةَ عملٍ اجتهاديٍّ، لو كان كذلك لوقع فيه خلافٌ، وهذا من الأمور المتفق عليه، هذا السلم العموديُّ والأفقيُّ من الأمور المتفق عليها، وهذا يعني أنَّ هذا التصنيف إنما أُخِذ استقراءً من نصوص كتاب الله، ومن سنة المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم.


رأى العلماء قولَ الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾، تبيِّن لهم أنَّ الله سبحانه وتعالى قدَّمَ الدين على الحياة؛ أي: جعل الحياة فداءً للدين، ولم يجعل الدين فداءً للحياة، وهكذا فقد صرَّح قائلاً: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾، معنى ذلك أنَّ الدين في أصوله الضرورية إذا تعارض مع الحياة في أصولها الضرورية، فيجب تقديم الدين في مستواه الضروري على الحياة في مستواها الضروري، ومن ثم شرع الجهاد.


ثم تابعوا النظر فوجدوا قول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾، هذا استثناءٌ من قاعدة أوضحها الله عزَّ وجلَّ، وهي أنَّ على الإنسان ألا يرضى بالإيمان بديلاً، ثم استثنى قائلاً ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ هنا فرض القرآنُ تعارضَ ضروريٍّ من ضروريات الحياة مع مصلحةٍ حاجيةٍ من مصالح الدين، فنرجح الضرورية من مصالح الحياة على الحاجيِّ من مصالح الدين، ذلك أنَّ ضروريات الدين تتحقَّقُ باليقين والجزم في العقل والقلب بمبادئ الإسلام، ثم تأتي درجة الحاجيات متمثلةً في النطق بكلمة الإيمان.


ثمَّ وجدوا أنفسهم أمام تحريم الله سبحانه وتعالى الميسر والخمرة والربا، مع أنَّ في كلٍّ منها مصالح، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ﴾، نفع الخمرة تحسينيٌ يتعلَّق بأمور الحياة، ولكنَّه يعارض حاجيِّاً من حاجيات الحياة أو العقل، ففي هذه الحالة نقدِّم الحاجي على التحسيني، وعند عكوفه عليها فإنَّ هذا يصبح عائداً إلى القضاء على مصلحةٍ ضروريةٍ من مصالح العقل، فالمصلحة التحسينية لا قيمة لها وتشطب عليها وتلغى في سبيل أن نحافظ على مصلحة العقل في مستواه الضروري والحاجي.


كذلك الربا مصلحتها في مستوى التحسينيات، ولكنَّها تقضي على مصالح المال الضرورية أو الحاجية، لأنَّ انتشار الربا بهذا الشكل في المجتمع يورث التضخم، يتزايد المال دون أن يتزايد ظله من المنفعة، ونحن نعلم أنَّ المال ظلٌّ للمنفعة.


الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه) معنى (لم يستطع) أي إن كان إنكار المنكر باليد يحقق منكراً أخطر، في هذه الحالة قضينا على ضروريٍّ من ضروريات الحياة في سبيل أمرٍ حاجيٍّ من أمور الدين، والله عزَّ وجلَّ هنا يوضح لنا أنَّ الضروريَّ من شؤون الحياة مقدَّمٌ على الحاجي من شؤون الدين، كما قال الله: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾.
هذا الفهم لهذا التدرج كان موجوداً في عصر الصحابة، أمَّا تدوينه فكان ذلك في القرن الثاني عندما ظهر فقه المذاهب بعد ظهور مدرستي الرأي والحديث، تماماً كأصول الفقه، مبادئ أصول الفقه كانت موجودةً في عصر الصحابة، لكن هذا لم يدوَّن، ولم ينظَّم كعلمٍ متكاملٍ إلا فيما بعد.



تحميل



تشغيل

صوتي