مميز
EN عربي

السلاسل: القرآن والحياة

التاريخ: 07/05/1978

المدرس: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI

17- الحلقة السابعة عشرة: مقاصد الشريعة 1

التصنيف: علوم القرآن الكريم

لا شكَّ أنَّ الإسلام يتضمَّن أحكاماً كثيرةً تتناول سائر مصالح الإنسان المختلفة المتنوعة المتفاوتة في أهميتها، ونظراً إلى ذلك فإنَّ هنالك جانباً في علوم الشريعة الإسلامية يسمَّى بمقاصد الشريعة الإسلامية، والآن يعتبر ما نسميه بمقاصد الشريعة الإسلامية فناً مستقلاً هو في الأصل جزءٌ من علم أصول الفقه.


الحديث عن مقاصد الشريعة الإسلامية يتلخص في بيان الدرجات التي صنَّف الشارع جلَّ جلاله مصالح العباد في درجاتها، فقد رتَّب الشارع مصالح الإنسان في خمس درجاتٍ، الدرجة الأولى: مصلحة الدين، الدرجة الثانية: مصلحة الحياة، الدرجة الثالثة: مصلحة العقل، الرابعة: مصلحة النفس، الخامسة: مصلحة المال.


وكلُّ مقصدٍ من هذه المقاصد رتب الشارع لخدمته ثلاث درجاتٍ، الدرجة الأولى: الضروريات، الدرجة الثانية: الحاجيات، وهي تلي الأولى في الأهمية، الدرجة الثالثة: التحسينيات، وهي تلي الأوليين في الأهمية.


وهنا تستطيع أن تلاحظ أننا أمام خمسة مقاصد هي كل مقاصد الشريعة الإسلامية، يتم السعي إليها بثلاث درجاتٍ، وإذا ضربنا خمسةً بثلاثةٍ نخرج بنتيجة خمسةَ عشرَ، فعلى المسلم أيِّاً كان عندما يريد أن يخوض غمار هذه الحياة أن يمسك بهذا الميزان، حتى يعلم متى يجد نفسه أمام مصلحةٍ ينبغي أن يمارسها، ومتى يجد نفسه أمام مصلحةٍ مرجوحةٍ ينبغي أن يتجاوزها.


إذا تعارضت مصلحةٌ تحسينيةٌ من مصالح الحياة مع مصلحةٍ ضروريةٍ من مصالح المال، يقدم المصلحة الضرورية للمال على المصلحة التحسينية للحياة، وإذا تعارضت مصلحةٌ تحسينيةٌ من مصالح الدين على مصلحةٍ ضروريةٍ من مصالح المال، يقدم المصلحة الضرورية للمال على المصلحة التحسينية المتعلِّقة بالدين.


مثال ذلك لو كنتُ مشغولاً بتلاوة القرآن، وعلمتُ أنَّ أسرةً فقيرةً معرَّضة للهلاك بسبب عدم وجود المال الكافي لديها، فيجب علي أن أترك وردي، وأقدِّم المال اللازم لهذه الأسرة.


الإنسان الذي يكون حاجَّاً إلى بيت الله الحرام، إذا رأى أنَّ الأعمال التحسينية الداخلة في الحجِّ تجعلُهُ ينقطع عن خدمة أسرةٍ تائهةٍ ضاعَ أحد أفرادها، وهو قادرٌ أن يجمع بينهم، فيترك التحسينية من الوظائف الدينية، ويسعى وراء الضروري المتعلق بشؤون الحياة أو بشؤون المال.
الشارع حرَّم علينا لحم الخنزير وأكل الميتة، وهذا من الأمور التحسينية، لأنَّه ما حرمهما إلا لضررٍ يعود إلى حياتنا، لكنَّ هذا الضرر يقف عند مستوى التحسينيات، فإذا تعارض هذا الحكم التحسينيُّ مع مصلحةٍ ضروريةٍ من مصالح الحياة، ففي هذه الحالة نتجاوز التحسيني ونتمسك بالضروري، بنصِّ كلام الله عزَّ وجلَّ ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾، وهكذا تجد أنَّ الإنسانَ الذي وقع في جوعٍ شديدٍ، أشرفَ بسببه على الهلاك، فهو إمَّا أن يتناول هذا الطعام المحرَّم لحاجته لمصلحةٍ تحسينيةٍ من مصالح الحياة فيبقي على أصل حياته، وإمَّا أن يحافظ على هذا التحسينيّ فيدمِّر حياته، هنا نقول حافظ على الضروريّ ولا تبالي بالتحسينية، عند إذن يجوز له أن يأكل لحم الخنزير والميتة، وكذلك الأمر مع الخمر.



تحميل



تشغيل

صوتي