مميز
EN عربي

السلاسل: القرآن والحياة

التاريخ: 16/04/1978

المدرس: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI

15- الحلقة الخامسة عشرة: الكسب المشروع

التصنيف: علوم القرآن الكريم

العمل في هذه الحياة الدنيا ابتغاءَ الحصول على مزيدٍ من أسباب الرفاهية مطلوبٌ، ولكنَّ الله عزَّ وجلَّ في الوقت الذي دفع الإنسان إلى العمل وضع أمامه كوابح، هذه الكوابح تتمثل في أن يتلقى الإنسان تربيةً إسلاميةً مُثلَى تجعله يندفع إلى العمل بدافعِ شعوره بأنَّه موظفٌ عند الله عزَّ وجلَّ لعمارة هذه الحياة، وذلك عندما قال: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ وعندما قال: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ لا أن يندفع إلى هذا العمل بدافع تعشُّقٍ لـمُتَعها وزينتها وزخارفها.


آياتٌ كثيرةٌ قد تبدوا متعارضةً في كتاب الله عزَّ وجلَّ، لكنها متناسقةٌ، آياتٌ كثيرةٌ تجعل الإنسان يعافُ الدنيا، ويأوي إلى كهفٍ قصيٍّ، يقول: ﴿إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾، يقول: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾.


لكنَّكَ تقرأ بعد ذلك قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ وقول الله سبحانه وتعالى: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ كلَّفكم بعمارتها وقول الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾.


هنالك تربيةٌ ربانيةٌ من خلال هذين الصنفين من الآيات، فالصنف الأوَّل من الآيات يرقى بك إلى التحرُّر من هذه الدنيا وبريقها، ثم تقرأ الصنف الثاني فيقول لك: والآن وقد تحرَّرت من الدُّنيا أدعوك إلى أن تكدح فيها كدحَ الإنسان الموظَّف الذي يخضعها للنهي الرباني، لا الذي يسعى ورائها متعشِّقاً متعلِّقاً.


لن يرزقني الله عزَّ وجلَّ إلَّا ما قد شاء أن يدخل إلى فمي، ولكنَّ هذه العقيدة شيءٌ، والوظيفةَ التي أقامني الله عليها شيءٌ آخر، هذه العقيدةُ فائدتها ألا يريق الإنسان ماءَ وجهِهِ في سبيل لقمة طعامٍ أو جرعةِ شرابٍ أو مسكنٍ يبحث عنه، كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لعبد الله بن عباس في حديث معروف: (ما قدر لماضغيك أن يمضغاه ، فلابد أن يمضغاه ، فكله ويحك بعز ، ولا تأكله بذل) وليس الهدف من هذا العقيدة أن نبتعد عن الدُّنيا، وقد كان الصحابة يكدحون وقلوبهم فياضةٌ بهذه العقيدة.
كثيرٌ من الصالحين ابتعد عن الدنيا، وكان أحدهم يكتفي بجرعة شرابٍ بسيطةٍ ولقيماتٍ وتمراتٍ، ليسوا حجةً على الشريعة وموازينها، بل الشريعة وموازينها هي الحجة، ولكن في الوقت ذاته لا ننتقص منهم، ولا نتهجم عليهم، لهم أوضاعٌ خاصةٌ دفعتهم إلى هذه الحال، فهو يعيشُ بحالةٍ لا يستطيع أن يذهب فيها إلى السُّوق، وأن يعافس التجارة، وهذا الإنسان أشبهُ بالمريض الذي نرأف به، ونقرُّ حالهُ، ولكنَّنا لا نتمارض.



تحميل



تشغيل

صوتي