العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي
السلاسل: القرآن والحياة
التاريخ: 26/02/1978
9- الحلقة التاسعة: المال 2
إذا قدم الإنسان هديةً لمن يظن أنَّه سينال منه مطمعاً، وكان هذا الظنُّ مشفوعاً بما يدعمه، كأن يكون المهدَى إليه يعمل في منصبٍ قضائيٍّ مثلاً، فتدخل الهدية في معنى الرشوة، إذ الذريعة إلى الحرام تجعل المباح حراماً، إذا كانت هذه الذريعة من شأنها أن يغلب على الظَّنِّ أنَّها ستوصل إلى الحرام، أمَّا أن نقول إنَّ زراعة العنب في الغالب ربما كانت سبباً لصنع الخمر، فلا نمنع الناس من زراعة العنب لأجل هذا الظن.
وأما ما قد تتركه الصدقات من أثرٍ في نفس الإنسان، فليس حتماً على المتصدق أن يعلن أنَّ المال الذي يتقدم به صدقةٌ، بل الأولى أن يسقط هذا المعنى من المال الذي يتقدم به للمحتاجين أياً كانوا، فإذا أسقطنا سمة الصدقة عن هذا المال لن يبقى بينه وبين الهدية فرقٌ.
عندما يكون جاري فقيراً، فيجب أن أتعامل معه معاملة الند مع الند، لا معاملة الغني المستعلي مع الفقير الذليل المهان، فعندما أكرمه وأبجله وأشعره أنه خيرٌ مني وأتواضع معه، ثم أعطيه بعد ذلك فإن العطاء يمرُّ في نفقٍ آمنٍ.
القاعدة الاقتصادية تقول: إنَّ المال لا يلد المال، وإنما يُستولَد المالُ من المنافع، هذا الكلام قاله علماء الاقتصاد، وفي مقدمتهم آدم سميث، إذا علمنا هذا أدركنا معنى تحريم الله عزَّ وجلَّ للربا؛ لأنَّ الربا: هو ذاك المال الذي سيتولَّد من مالٍ مجرَّدٍ، يعني دون أن نربط المال بحركةٍ تستولد المنفعة، ثم تقوم هذه المنفعة بمالٍ جديدٍ، وهو الذي يورث التضخم.
قد يقول قائلٌ: في البنوك يشغل المال في المشاريع، ويعود الربح على صاحب المال.
نقول: فلمَ لا يكون الاتفاقُ بين البنك وصاحب المال أن تكون الفوائد مرتبطةً بالأرباح، ما دام أنَّ البنك لا يزداد مالُهُ إلَّا في ظل أرباح؟ لماذا يحرص البنك أن يطالب بالفائدة بقطع النَّظر عن مصير المال ربحَ أم خسرَ؟ أو يدفع البنك الفائدة بقطع النظر عن مصير المال الذي عنده ربحَ أم خسرَ؟