مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 19/10/2018

خطبة الدكتور توفيق البوطي: عدونا الأول هو الجهل


عدونا الأول هو الجهل
تاريخ الخطبة: 19 /10/2018
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول ربنا جلَّ شأنه في كتابه الكريم: ) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ( ويقول سبحانه: في كتابه الكريم: ) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا( ويقول جلَّ شأنه: ) قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ( ويقول جلَّ شانه: ) يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير( وقال صلى الله عليه وسلم : «طلب العلم فريضة على كل مسلم» وقال صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيراً يفقه في الدين».
أيَّها المسلمون؛ لو تأمل المرء في واقع أمتنا وما يحيط بها؛ لوجد أنَّ أخطر مشكلة تعترضها في طريق بناء نفسها وفي طريق تقدمها إنما هو الجهل، مع أنَّ ديننا بدأ منذ اليوم الاول بوضع حجر الأساس له، عندما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم قوله: )اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ( وعندما بيَّن أنَّ الذين أوتوا العلم لهم عند الله منزلة رفيعة وقال: ) يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير( وأنَّ آيات الله في الكون إنما يدركها العالمون )وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ( إلَّا أنَّ الناس زهدوا في العلم، زهدوا في تعلم عقيدتهم فصارت عقولهم مرتعاً للأوهام والشكوك والضلالات، وزهدوا في تعلم شريعتهم ففسدت عباداتهم وبطلت معاملاتهم، وأعرضوا عن معرفة الحق في مواجهة دعوات الفتنة والفساد فتقاذفتهم تيارات الفتنة والفساد. وصاروا يعدون الحق باطلاً والباطل حقاً، ونشأت فيهم تيارات التطرف والغلو؛ حتى غدا في تنظيماتهم السفيه الجاهل قاضياً ومفتياً، يُسألون فيفتون بغير علم فيَضلون ويُضلون، كل ذلك وللأسف باسم الإسلام مما شوه صورة الإسلام عند من لا يدرك حقيقة الإسلام. وفي الوقت نفسه نجد جماعات ممن لم يتح لهم معرفة حقيقة ديننا وإسلامنا يتصورون الإسلام من خلال النماذج المشَوِّهة والمشَوَّهة عن الإسلام، فيحكمون عليه بأحكام خاطئة من خلال المشاهدات المبتسرة التي رأوا فيها ما يدَّعون أنَّه الإسلام؛ وهذا طبعاً يعني أنَّهم اكتفوا بما رأوا، فسمعوا ورأوا نماذج منفرة، اكتفوا بالإعلام المشوِّه الذي تقوده جهات تحرص على تغييب صورة الإسلام الحق وإظهاره من خلال مظاهر التخلف والعنف والإرهاب الذي يصنع في مخابرهم وينفذ من قبل جهلتنا، أو لأنَّهم غدوا ممثلين للجهات المعادية للحق وعملاء لهم، تستخدمهم في محاربة ديننا ومعادة أمتنا وقضايا أمتنا، والحملة ضد الإسلام بدأت منذ اليوم الأول فهي قديمة جديدة، قديمة قدم الصراع بين الحق والباطل. وليست وليدة هذا العصر، ومما يؤسف له أنَّ السبيل لنشر الحق وأسباب تقبله غدت اليوم أكثر منها في أي زمن مضى، لتوافر أسباب نشره، ولتوافر فرص الوعي والإدراك عند الناس أكثر مما كان في الماضي، إلا أنَّ الإسلام يعاني اليوم من تقاعس أبنائه ومكر أعدائه أكثر من أيِّ زمن مضى، هذا وصف مقتضب للداء، فما الدواء؟
أمَّا بالنسبة لنا نحن المسلمين؛ فإنَّ النصوص صريحة في دعوتنا إلى طلب العلم؛ سواء منه الشرعي أو الكوني، فثمة علوم تجب علينا وجوباً عينياً على كل فرد مسلم لبناء نفسه وعقيدته وتصحيح سلوكه وأخلاقه، وعلومٌ يجب توافرها في المجتمع بما يكفي حاجته وما يكفي حاجة الأمة من مختصي تلك العلوم. الأمة اليوم بحاجة إلى تصحيح عقيدتها وعبادتها ومعاملاتها وعلاقاتها الأُسرية، ومنهج دعوتها، بحاجة أيضاً إلى سائر العلوم. هناك من يثبط همة المؤسسات التعليمية الشرعية ويريدها أن تتوقف؛ لينتشر الجهل ويشيع الإرهاب، وتنتشر صورة مشوهة عن الإسلام؛ ليُقال هذا الإسلام.
ما السبيل إلى تصحيح الواقع الذي نعاني منه؟ أليس هو الطرح الإسلامي الصحيح سلوكاً ومعرفةً؟ هناك من يضيق ذرعاً بوجود مؤسسات تعليمية شرعية، ووجود مساجد تتألق فيها مجالس العلم، وتنشر الإسلام الذي أنزله الله U بالصورة التي يصدق فيها، وتصدق في ترجمة دين الله سبحانه وتعالى.
هؤلاء يريدون أن تكون الساحة متاحة لإسلامٍ متطرف، أو إسلامٍ خرافي، ولكن هذه البلدة بفضل الله U وعنايته غنية بعلمائها وغنية بمساجدها، غنية بوعي أبنائها، والمأمول أن نتحمل مسؤولياتنا تجاه مؤسساتنا التعليمية وتجاه مساجدنا على النحو الذي يليق بنهضة تصحح فهم الناس للإسلام والسلوك الذي يسلكونه في حياتهم ليكونوا الصورة الصحيحة لدين الله U، الصورة التي جعلت العالم يقبل، لا الصورة التي جعلت العالم يدبر. بالإضافة إلى أننا بحاجة إلى النهوض بمؤسساتنا التعليمية كلها؛ لأنَّ نهضة هذه الأمة منوطة بمؤسساتها التعليمية، نحن بحاجة إلى جامعات تكون على مستوى التحدي وعلى مستوى البحث العلمي الرفيع لا على مستوى يعيّر به أبناء بلدنا من تخلف أو تراجع أو تقهقر. نعم نحن نعاني من حصار؛ إلَّا أننا ينبغي أن نكون أقوى من الحصار، نعاني من إرهاب سياسي ودولي يريد لهذا الوطن أن يحاصر ويخنق؛ إلَّا أننا ينبغي أن نتحمل مسؤولياتنا تجاه هذا التحدي ونكون على مستوى تجاوز هذا الحصار، والنهوض بمؤسساتنا العلمية والجامعية؛ لتكون في المستوى الأعلى والذي ينافس ويسابق المؤسسات العلمية الأخرى. أنا لا أدري لماذا يكون السوري في خارج سورية متفوقاً وفي سورية متخلفاً، هو ليس بمتخلف، أرادوا له أن يكون متخلفاً، وأُريد له أن يحاصر فلا ينهض، ولذلك فإنَّ علينا أن نواجه هذا التحدي بقوة وأن نتجاوزه ببأس وتصميم وإرادة وإخلاص؛ لتنهض هذه الأمة وتتجاوز كبوتها.
إنهما أمران لا ينفصلان عن بعضهما، النهضة بعلومنا الشرعية والنهضة بعلومنا الكونية، كلاهما صنوان وكلاهما فرض علينا أن نتحمل مسؤوليتنا في النهوض بهما، نعم بالنسبة للمخالفين نقول: يجب علينا أن نسلك إليهم سبيل )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ( ويجب أن نسلك إليهم سبيل )قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي( أن تكون هناك صورة متألقة صحيحة واضحة للإسلام الذي أنزله الله U بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر الله سبحانه وتعالى، وأن نكون نحن بسلوكنا وتصرفاتنا ونهضتنا، الصورة الصحيحة لحقيقة الإسلام، لتصحيح علاقتنا مع ربنا أولاً ثم تصحيح صورة الإسلام من خلال سلوكنا وتصرفاتنا، ولنكون على النهج الذي يرضي الله سبحانه، أمَّا الحاقد المعاند؛ فإنَّ خير رد عليه هو أن نترجم هذا الدين بعد تسلحنا بالعلم بالصورة السليمة الصحيحة فكراً وسلوكاً؛ لأنَّ هذا خير رد على الحملات التي توجه ضد ديننا وضد أمتنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين


تشغيل

صوتي