مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 11/05/2018

خطبة الدكتور توفيق البوطي: غزوة الخندق 2


غزوة الخندق (2)
خطبة د. محمد توفيق رمضان البوطي
تاريخ الخطبة: 11/5/2018
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ( وقال سبحانه: ) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا(، ثم ذكر مصير الخونة من يهود بني قريظة فقال:)وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (
أيُّها المسلون؛ قبل أن أبدأ بالتعليق على الآيات ومتابعة الحديث عن غزوة الأحزاب؛ أبارك للمسلمين بقدوم شهر رمضان المبارك الذي سيطل علينا إن شاء الله، ويحل ضيفاً مع بشائر العفو والمغفرة والنصر والتأييد بإذن الله تعالى والفرج والأمن والأمان بعد أيام قليلة إن شاء الله تعالى مع القبول وبشائر الرحمة إن شاء الله، وأسأل الله أن يرزقنا حسن الاستعداد لاستقباله بالإنابة الصادقة إليه والاندفاع إلى انتهاز فرصة هذا الضيف الذي يحل علينا لكي نكون أثناء هذا الشهر أصفى أفئدة وأصدق إقبالاً وأخلص قلوباً مع الله عزَّ وجلَّ.
وبعدُ، فقد ذكرنا في الأسبوع الماضي أن زعماء بني النضير تمكنوا من إقامة تحالف بين قبائل قريش وغطفان وبني مرة وبني فزارة لمحاربة النبي r بجيش كبير الهدف من إنشاء هذا الجيش وهذا التحالف استئصال المسلمين والقضاء عليهم مرة واحدة، لكنهم فوجئوا أن الصحابة الكرام حفروا خندقاً من جهة جبل سلع، وهي الجهة التي كان يمكنهم دخول المدينة منها، وتمكَّن يهود بني النضير من إقناع يهود بني قريظة أن ينقضوا العهد مع النبي r ويخونوه في أخطر مرحلة من مراحل وجود الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، فغدروا ونقضوا العهد وجعلوا المسلمين في حالة من الارتباك الشديد وصفها الله عزَّ وجلَّ عندما قال: )إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا( هذا ما حصل نتيجة هذه الخيانة الوقحة التي بدرت من بني قريظة، مع أن النبي ص كان وفياً لهم وكان محسناً في معاملتهم، انتصر المسلمون على المشركين دون قتال، وذلك من خلال أمرين تكاملا فأحدثا هزيمة قريش وأحلافها، عندا أوقع الريبة بين هؤلاء المتحالفين وفيما بينهم وبين يهود بني قريظة، وثم بتلك الريح العاصفة التي سلطها عليهم، فاقتلعت خيامهم وأكفأت قدورهم، وأحدثت بين صفوفهم حالة من الذعر والخوف والفزع، وقذف الله في قلوبهم الرعب فولوا تاركين ساحة المعركة خالية من أي وجود يهدد المسلمين.
عندئذٍ وقد خلت الساحة من مشركي قريش وأحلافهم؛ جاء جبريل إلى النبي r بأمر إلهي يأمره لفيه بأن يتوجه إلى بني قريظة الخونة، روى الشيخان أنه أتاهم النبي r وبعد مناوشات معهم نزلوا على حكمه فرد الحكم إلى حليف لهم قبل الإسلام وهو سعد بن معاذ رضي الله عنه، الذي قال: (أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وأن تسبى نساؤهم وذراريهم وأن تقسم أموالهم، المقاتلون يقتلوا، والبقية أسرى يحكم رسول الله r بشأنهم)، لم يكن مقاتلوا بني قريظة أبرياء بل كانوا مجرمي حرب وخونة في أحلك ساعة من تاريخ البعثة النبوية كلها، وقد سمعتم وصف الله عزَّ وجلَّ لتلك الساعات الخطرة التي عاشها الصحابة مع النبي ص، لقد ارتكبوا أخطر خيانة تعرضت لها الأمة في عهد النبوة وكادت -لولا لطف الله عزَّ وجلَّ- أن تقضي على الأمة برمتها وكان القضاء المبرم فيهم ما قد تلوناه عليكم.
أيها المسلمون؛ لنعد إلى موضوع غزوة الأحزاب تلك، غزوة الأحزاب مؤامرة يهودية انصاع لها مشركوا قريش وغطفان وبني فزارة وبني مرة؛ لكي يئدوا الدولة السلامية في مهدها وليقضوا على الإسلام مع بداية انطلاقته وولادة دولته، إذاً فالتآمر اليهودي على الأمة الإسلامية قديم ولد مع ولادة الدولة الإسلامية واليوم نعيش امتداً لتلك المؤامرات، فما حيي بن أحطب إلا برنالد ليفي في هذا العصر، وأعراب اليوم هم المتحالفون هم الأحزاب الذين يمثلون دور الأحزاب بالنسبة للأمة الإسلامية لا أقول بالنسبة لبلدنا، الذين صفقوا للعدوان الإسرائيلي على سورية من أعراب تلك المنطقة هم أبناء الخونة من الأحزاب الذين تكالبوا للقضاء على الإسلام، ولئن نصر الله تبارك وتعالى نبيه في غزوة الأحزاب بما نصرهم به؛ فهو الذي سينصر أمتنا على يهود هذا العصر وعملاء هذا العصر، ألم تتجلى الصورة؟ ألم يتضح الأمر؟؟ دعونا من موضوع السلاح النووي وغير السلاح النووي، أكذوبة السلاح النووي عرفناها يوم غزو العراق، تبين وانكشف وتعرى أن أمريكا كانت تفتري على دولة إسلامية لكي تبرر القضاء عليها لتقضي على حضارة عمرها ألف وثلاثمئة سنة أو ألف وأربعمئة سنة، تقضي على حضارة إسلامية في العراق امتداداً لغزو التتار والمغول قام الغزو العراقي ليخرب ما بقي من تلك الحضارة، نعم، إنه الحقد على الإسلام وليس الحقد على شخص، أما غطاء النووي وغير ذلك فهو غطاء لفرض الوصايا على بلادنا ولفرض خطوط حمراء ضد تطور أمتنا وتطور حضارتنا، ينبغي أن نظلَّ تحت الوِصايا، ينبغي أن نظل تحت الهيمنة، وإلا فالعقوبة جاهزة، والذين يهرولون في الخضوع لتلك الوِصايا ويصفقون لها جاهزون هم جاهزون للتصفيق لكل عمل عدواني على أمتنا، ماذا استفادوا؟؟ هم الآن أذلاء يدفعون الجزية لأسيادهم، هم أذلاء قدموا التنازل عن شرفهم ودينهم وثوابت عقيدتهم، هم الآن يريدون أن يجددوا للجاهلية وجودها في جزيرة العرب التي ما ينبغي أن يجتمع فيها دينان، لم تعد المسألة خفية، لم يعد الأمر يحتاج إلى شرح وبيان، هذه مسألة.
والمسألة الثانية يفيض قلب خائن عميل ينتسب إلى الإسلام وليس من الإسلام مقيم في ألمانيا وله سيد في المنطقة هنا كان حاجباً عنده يفيض قلبه حناناً على يهود بني قريظة كيف يقتلون وما هذه الشدة والقسوة التي عوملوا بها، أنا لن أتحدث عن فظائع الغرب تجاهنا نحن سأتحدث بشكل مختصر ومقتضب عن فظائع الغرب بشكل عام، عدد قتلى الحرب العالمية الثانية تجاوز خمسين مليون إنسان جلهم من المدنيين، مع الدمار الذي حاق بساحة المعركة الممتدة من شرق روسيا إلى غرب أوربة، عدد القتلى الفيتناميين بسبب العدوان الأمريكي خمسين ملايين إنسان لا ذنب لهم سوى أنهم لم يخضعوا للهيمنة الأمريكية، بغض النظر عن عقيدتهم ودينهم، عدد الذين قتلوا في ساعة واحدة في اليابان نتيجة القصف الأمريكي – لم يستعمل سلاح الدمار الشامل إلا تلك الدولة التي تدعي أنها تريد أن تحمي البشرية من سلاح التدمير الشامل، لم يستخدم تلك الأسلحة إلا هم، قتلوا ربع مليون إنسان في دقيقة واحدة في نغزاكي وهيروشيما لكي يفرضوا هيمنتهم على اليابان، دولتهم قامت على أشلاء شعب يعيش في تلك القارة – الهنود الحمر- أبادوهم أربعة ملايين إنسان الذين سجلت الإحصائيات إبادتهم ستقوم دولتهم القذرة على أشلاء أولئك الهنود الحمر، هؤلاء أبناء حضارة؟؟ هؤلاء وحوش بشرية حضارتهم تقوم على أشلاء الشعوب وعلى حطام الحضارات، أما فرنسا الدولة الإنسانية المتمدنة فعهدنا بوحشيتها قريب ما بين سبعة إلى تسعة مليون جزائري الذين قتلوا على يد الاستعمار الفرنسي في الجزائر، نعم، حرب إبادة أبيدت فيها قرىً برمتها، يريدونا أن يعلمونا حقوق الإنسان!! يريدون أن يُصدِّروا إلينا حضارتهم الوحشية الهمجية!! يريدون أن يرسموا لنا خطوط حمراء في طريق عدم ممارسة أساليب غير إنسانية!! فلينظروا إلى تاريخهم القذر، تاريخهم المملوء في بالسواد، في مسجد واحد في الجزائر ارادوا أن يحولوه إلى كنسية أبادوا خمسة آلاف جزائري، أبادوهم عن بكرة أبيهم لأنهم أصروا أن يبقى المسجد مسجداً، هذا عدا القرى والمدن التي أشرت إليها، عدد القتلى المباشرة في العراق نتيجة الغزو الهمجي التتري المغولي الأمريكي زاد على مليون عراقي مع تشرين أربعة ملايين ونصف عراقي، نعم، حضارة العُهر السياسي، وحقوق الإنسان المزيفة باللغة الأمريكية واللغة الغربية، ما ينبغي أن نكون مغفلين في شعارات الإصلاح وشعارات الحرية وشعارات تصدير الديمقراطية، فديمقراطيتهم هي أن نكون عبيداً لهم، وحقوق الإنسان هي حق الإنسان الصهيوني في أن يستلب أرض الإنسان الفلسطيني وأن يغتصب المسجد الأقصى وقبة الصخرة، حقوق الإنسان هي حقوق الإنسان الصهيوني الذي يغتصب الأرض، ويعتدي على العرض، ويعتدي على الشعب الفلسطيني في فلسطين، هذه هي حقوق الإنسان، أما الإنسان المسلم فهو وحقوقه هدر، إلى متى نبقى غافلين عن تلك المصطلحات المزيفة التي يطرحونها لكي يضللوا المغفلين!! لقد آن الأوان أن تستيقظ أمتنا وتعود إلى ديننا وتدرك معنى كلام سيدنا عمر: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغير ما أعزنا الله أذلنا الله) إن فرض أن نكون أذيال لهم هو فرض أن نكون أذلاء ولن نكون أذلاء بإذن الله تعالى، مادمنا نقول لا إله إلا الله فإننا نرفض العبودية لأي متسلط أو أي غاشم أو أي ظالم، وستبقى معنى العزة والكرامة التي علمناها وغرست في قلوبنا مع لا إله إلا الله ستبقى دافعاً لنا لكي نستعيد مكانتنا التي يرض الله عزَّ وجلَّ أن نتبوأها، ولا يرضي الله عزَّ وجلَّ أن تنحني رقابنا إلا له سبحانه وتعالى.
أسأل الله أن يردنا إلى دينا رداً جميلاً، وأن يحررنا من أهواء أنفسنا أولاً ومن هيمنة عدونا ثانياً.


تشغيل

صوتي