مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 25/05/2018

خطبة الدكتور توفيق البوطي: شهر رمضان شهر الفتح


شهر رمضان شهر الفتح
خطبة د. محمد توفيق رمضان البوطي
تاريخ الخطبة: 25/5/2018
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: )إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا( ويقول سبحانه: )مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا(.
أيُّها المسلون؛ من حُسن المناسبة أن يأتي الحديث في سياق عرضنا للسيرة النبوية عن فتح مكة الذي جرى في رمضان ونحن في شهر رمضان، فشهر رمضان شهر البركات، وشهر الرحمة وشهر المغفرة. شهر الصوم والإنابة إلى الله تعالى شهر الاستغفار. فانتصار المسلمين في غزوة بدر كان في شهر رمضان، وانتصارهم في فتح مكة كان في شهر رمضان، وانتصار المسلمين في معركة عين جالوت كان في شهر رمضان، ويطول بنا الحديث لو عددنا انتصارات المسلمين في هذا الشهر المبارك، وكنت أود أن أبسط الحديث عن مراحل فتح مكة، ولعل ذلك يكون في أسبوع قادم إن شاء الله تعالى، إلا أن الحديث سيتناول أمراً مهماً هو ارتباط النصر بمعاني هذا الشهر.
هذا الشهر شهر تقرب إلى الله تعالى، وبمقدار صدق التقرب إلى الله جلَّ شأنه والاستجابة لأمره يكون تأييد الله تعالى للأمة أوشك وأقرب، ولعل من حُسن الطالع أن يتم تطهير محيط مدينتا المباركة ومناطق أخرى من وطننا في مطلع شهر رمضان المبارك، وإنَّا لنرجو أن يكون ذلك مؤشراً على مزيد إقبال من الأمة على الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر؛ لعل ذلك يكون سبباً في مزيداً من التأييد الإلهي لنا ونصرته لهذه الأمة، التي نالها من البغي والعدوان ما لا أعلم أن بلداً تواطأت قوى البغي والعدوان عليه كما تواطأت على هذا البلد المبارك. هذا فضلاً عن تواطئ وتحالف منافقي الأمة ضدنا، وانسياق بعض ضعفاء العقول أو العقيدة أو الفهم ممن كنا نظن بهم خيراً وراء المكائد التي رسمتها قوى الطغيان ضد بلدنا. إن القانون الإلهي يقول: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ(.
أيها الأخوة المسلمون؛ إننا إذ نستبشر بما أكرم الله تعالى به أمتنا بانحسار كثيرٍ مما يهدد سلامة الناس وأمنهم عنا، وبعودة بعضهم إلى سبيل الرشد، وتوجههم إلى تسوية أوضاعهم ليعودوا إلى الوطن، ورحيل من لا تزال المكابرة تمنعهم من العودة إلى نهج السلامة والأمان، واختيارُهم الانتقالَ إلى حيث يقتتل بعضهم مع بعض. أقول: إننا إذ نستبشر بما تحقق من إنجازات وبما وصلنا إليه من نتائج، لا ينبغي أن نصاب بغرور يجعلنا نخسر ما تم تحقيقه وإنجازه بفضل سبحانه الله تعالى، ولا ينبغي أن يأد البعض النصر بطغيان النفس، والغفلة عن أسباب الهزيمة بعد النصر.
إن أول معايير النصر أن تكون سوريا قد استعادت وحدة شعبها بعد تمزق، واستعاد شعبها وعيه بعد غفلة، واستعادت يقينها بربها بعد شرود، واستعادت وحدة أرضها بعد فشل مؤامرة التمزيق. إن سبب هزيمة المسلمين في غزوة أحد كما تذكرون إذ يقول سبحانه: )وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ( عفا عنهم، ولكن وَإِنْ )عُدْتُمْ عُدْنَا( هكذا يقول ربنا سبحانه وتعالى.
أيها المسلمون. رمضان لم يكن يوماً سببا للتقاعس بل كان عاملاً في النهوض والإنجازات والانتصارات، فما ينبغي أن نحوله إلى شهر خمول وتكاسل وتقاعس بل ينبغي أن نجعله شهر إقبال على الله، وإقبال على مكارم الأمور ومعالي الهمم الطيبة في مجال الخير والعطاء والبناء.
والفتح الحقيقي الذي أشارت إليه الآيات التي ذكرناها لم يكن فتح مكة )إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا( ليس المراد به فتح مكة، المراد به صلح الحديبية. فحقن الدماء انتصار، ولجم الفتنة انتصار، بمقدار ما أن استعادة وحدة الأمة وتطهيرها من البغي والعدان هو انتصار؛ فينبغي أن نحرص على جمع شمل أمتنا وحقن دماء أبنائها فمن رفض فإنه هو الرافض ومن قبِل فإنه منتصر كما نحن منتصرون.
أسأل الله أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً وأن يفرج عن أمتنا فرجاً قريباً، وأن يجعل حرب الأصلاء مصيرها كحرب الوكلاء غلى هزيمة وانكسار بإذن الله تعالى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.


تشغيل

صوتي