مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 08/06/2018

خطبة الدكتور توفيق البوطي: شهر رمضان أظهر هوية الأمة


شهر رمضان أظهر هوية الأمة
خطبة د. محمد توفيق رمضان البوطي
تاريخ الخطبة: 8/6/2018
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول ربنا جلَّ شأنه في كتابه الكريم: )ي شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( ويقول سبحانه: ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ( ويقول سبحانه: )وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى (ويقول جلَّ شأنه: )وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ( وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صدقة الفطر صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر على الصغير والكبير والحر والمملوك)
أيُّها المسلون؛ ها هو ذا شهر رمضان المبارك في أسبوعه الأخير يودعنا، هذا الأسبوع فيه أعظم الجوائز وأعظم الهدايا من الله سبحانه وتعالى لعباده المقبلين عليه، حيث يحتمل أن تكون ليلة القدر في هذا الأسبوع إن شاء الله تعالى، وفيها ينظر الله تعالى إلى عباده الذي تحملوا جوع هذا الشهر وظمأه، وأسهروا لياليه بالتراويح والتهجد والدعاء وتلاوة القرآن وبذلوا في أيامه المباركة ما يسر الله لهم بذله للفقراء والمساكين، فكان شهر رمضان بذلك مهرجان عبادة وتقرب وتآلف وتحابب، جمع بين العبادة والذكر والتلاوة، وبين البذل والعطاء للمساكين والفقراء؛ ليتحقق بذلك واجب التراحم والتعاطف والتعاون ويترجموا بذلك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" وهذا وصف لواقع ودعوة وحض لمن تقاعس عن ذلك بأن يبادر إلى مزيد من الإقبال على الله عزوجل ومزيد من البذل من العطاء لإخوانه والرحمة بحالهم وهذا شهر التراحم و«الراحمون يرحمهم الله» «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» نعم، لقد امتلأت ولله الحمد مساجدنا بالمصلين في كل ليلة، ونافس النساء الرجال في ذلك، وتسابق الأطفال إلى صلاة التراويح وغيرها من الصلوات وإلى مجالس القرآن وتلاوته، كل ذلك جعل من أيام شهر رمضان المبارك استفتاء يعبر عن هوية هذه الأمة وانتمائها، وأنهم جسد واحد يتعاطف أبناؤه كلهم، حتى شملت بركة ذلك غير المسلمين، ولسان حال الأمة يقول نعم هذه أمتنا أمة متلاحمة أمة متراحمة، ترفض كل تمزيق وكل محاولة للإقصاء أو الإلغاء، مهما حاولت الجهات الخارجية و أدواتها في بلادنا أن تجرد الأمة عن هويتها أو أن تمزق هذا الجسد المتماسك المتمثل في هذه الأمة التي قدّر الله أن يكون نسيجها متماسكا مكوناً من أطياف متعددة متآلفة مع بعضها لأن المجتمع المدني الذي أقامه النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة كان كذلك، ولأن المجتمع الإسلامي في عهد الخلفاء الراشدين كان كذلك، وفي العهد الأموي كان كذلك. والوثيقة العمرية رسخت هذا المعنى. أما الذين يريدون إلغاء الأمة لصالح فئة، فإنهم يحاولون تحقيق ما فشلت المؤامرة في تحقيقه طوال فترة الفتنة، وهم بذلك لن يلغوا هذا المجتمع، ولن يلغوا هذه الأمة، إنما يلغون أنفسهم، ويظهرون كمخلوقات غريبة في مجتمع متجانس.
وبعد، فإن من شعائر هذا الشهر التي تزيد من التآلف والتحابب بين أبنائه صدقة الفطر، التي نص العلماء على وجوبها على كل مسلم يملك كفايته وكفاية من تجب عليه نفقتهم من زوجة وأولاد هم في كنفه وأبوين لا يستقلان بنفقتهما بل يعيشان - من حسن حظ ولدهما - في كنفه، وهي صدقة بسيطة، مقدارها لا يثقل كاهل الإنسان، يبذلها عن نفسه، وعن كل من تجب عليه نفقتهم أي عن نفسه وعن زوجته وأولاده وبناته الذين هم في كنفه تبذل للفقراء والمساكين تمليكاً. ومقدارها صاع من غالب قوت البلد، فعندما قال النبي صلى الله عليه وسلم صاع من بر أو شعير أو تمر كان ذلك غالب قوت أهل المدينة المنورة، وغالب قوت بلدنا اليوم الذي ينتفع منه الفقير إنما هو الرز، لو أعطيت الفقير مقدار 2 كغ من القمح ماذا يفعل به؟ ما ينتفع به الفقير وأظن بغض النظر لم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم مما يزرع في البلد بل مما يقتات به أهل البلد، والصاع عن كل فرد من أفراد الأسرة يبلغ قريبًا من 2 كغ من غالب قوت البلد، وقد قلنا أنه الرز في أيامنا هذه من الصنف الوسط لا نقول من الصنف الفاخر ولا من الصنف الرديء، ومقداره حسب تقدير أحد كبار علماء بلدنا رحمه الله تعالى الذي درس الموضوع وقام بنفسه بتحقيق المقادير ألف وثمانمائة غرام لكل فرد وللحيطة نقول 2كغ، وأجاز أبو حنيفة دفع القيمة. وبوسع المسلم أن يدفع صدقة الفطر خلال شهر رمضان، ولكن بذلها في الأيام الأخيرة أجدى. ويحرم تأخيرها عن زوال شمس أول أيام العيد، ويفوت وقتها ويأثم من يتأخر عن أدائها.
أما الفدية، والتي يكثر السؤال عنها، بالنسبة لمن لا يستطيع الصيام لمرض مزمن لا يرجى شفاؤه أو لهرم أعجزه عن الصيام، فمقدارها مد من الطعام أي حوالي نصف كيلو غرام أي ربع صاع. وتفاصيل احكام هذه المسألة لن يتسع المقام لعرضها، ولذلك خصصت درس العصر غدًا للتفصيل في جوانب هذه المسألة بكل أنواعها وأحكامها وتفاصيلها مع إتاحة المجال للأسئلة لمن يستشكلون بعض التفاصيل غدًا بعد صلاة العصر إن شاء الله تعالى.
أسأل الله أن يرزقنا القبول وأن يجعلنا في هذا الشهر المبارك من العتقاء والمقبولين، وتقبل الله منا وأعاننا على أن نكون من المقبولين في الأيام القادمة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين


تشغيل

صوتي