مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 30/03/2018

خطبة الدكتور توفيق البوطي: غزوة أحد 2


غزوة أحد (2)
تاريخ الخطبة: 30 /3/2018
أمَّا بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ, (، ويقول سبحانه: )أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ...( إلى آخر الآيات. وروى البخاري عن سهل t: أنه سئل عن جرح النبي e يوم أحد فقال: "جرح وجه النبي e وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، فكانت فاطمة عليها السلام تغسل الدم وعلي يمسك، فلما رأت أن الدم لا يزيد إلا كثرة، أخذت حصيرا فأحرقته حتى صار رمادا، ثم ألزقته فاستمسك الدم" وروى البخاري بإسناده عن غزوة أحد قال: "جعل النبي e على الرَجَّالة يوم أحد، وكانوا خمسين رجلا، عبد الله بن جبير، فقال: "إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم، هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم. فهزموهم... فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله e؟ قالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين... فلم يبق مع النبي e غير اثني عشر رجلا، فأصابوا منا سبعين، وكان النبي e وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة، سبعين أسيرا وسبعين قتيلا، فقال أبو سفيان: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات، فنهاهم النبي e أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرات، ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات، ثم رجع إلى أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا. فما ملك عمر نفسه فقال: كذبت والله يا عدو الله، إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوؤك، قال: يوم بيوم بدر، والحرب سجال. إنكم ستجدون في القوم مثلة، [لأن التمثيل بالقتلى أمر دنيء وخسيس وكان قد مثل بحمزة t] لم آمر بها ولم تسؤني، ثم أخذ يرتجز: أُعلُ هبل أُعلُ هبل، قال النبي e: "ألا تجيبوا له" قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: "قولوا: الله أعلى وأجلّ"، قال: إن لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي e: "ألا تجيبوا له؟" قال: قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: " قولوا الله مولانا ولا مولى لكم"
لهذه المشاهد من هذه الغزوة عبر نقف عندها، أولها: معصية الرماة للنبي r كانت سبباً في تلك المصيبة الخطيرة، فمعصية النبي r معصية لله، ومن عصى الله تعالى فقد استحق العقوبة، والعقوبة لم تنلهم وحدهم بل امتد أثرها وانتشر حتى طال النبي r ذاته، فلقد كسرت رباعيته وشج وجهه وناله ما ناله. كل ذلك بسبب المعصية التي ارتكبها أربعون شخصاً من جيش النبي r، واليوم نتساءل: لماذا نصاب بكل هذه المصائب التي حاقت بنا؟ ألسنا مسلمين؟ والجواب: ألم يكن الذين عصوا النبي r في غزوة أحد مسلمين؟ وكان فيهم رسول الله r، وكان العصاة أربعين رجلاً فقط، كانوا قلة قليلة من القوم، (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً) إن أثر المعصية يتفشى وينتشر والآثار السلبية للمعصية في المجتمع تعم المجتمع. لنعد إلى بيوتنا إلى أسواقنا ومعاملاتنا ومكاسبنا وحسن تعاملنا مع أرحامنا، لنعد إلى مزارعنا ومصانعنا ومتاجرنا، لنعد إلى معاملتنا مع بعضنا، ترى هل انضبطت بالضوابط الشرعية؟ هل التزمنا في مأكلنا ومشربنا ومكاسبنا بالضوابط الشرعية؟ أم إننا خالفنا وتجاوزنا؟ أربعون سال لعابهم على الغنائم فكان نتيجة ذلك هزيمة أصابت الجيش برمته؛ حتى سقط من الصحابة الكرام سبعون شهيداً وأصيب النبي r نفسه، فلو عدنا اليوم إلى واقعنا وإلى حالنا أفلا يمكن لنا أن ندرك أسباب المصائب التي تحيق بنا )قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ(
المشهد الآخر: استشهد من الصحابة سبعون، وفيهم نزل قول الله تعالى: )وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ( رجع الصحابة والكثير منهم مصاب بجراح أثخنته، ودفنوا في أحشاء جبل أحد سبعون من أصحاب النبي r وفيهم حمزة عم النبي r. فشمت المنافقون، وشمت اليهود، بماذا شمتوا؟ شمتوا بثوب العزة والإكرام الذي ألبسه الله تعالى أولئك الصفوة السبعين الذين صدقوا مع النبي e فشرفهم الله U بالشهادة، شمت المنافقون وشمت اليهود، شمتوا بما أصاب المسلمين في ذلك اليوم، لو أطعتمونا ما أصابكم الذي أصابكم، وتكلموا بكلام يدل على خبيئة قذرة في نفوسهم تجاه رسول الله r وتجاه أصحابه، ولكن الجواب جاء من رب العزة جل شأنه )وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا( لم يموتوا )بَلْ أَحْيَاءٌ عند ربهم يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ( وليسوا أحياء فقط بل يرزقون وفرحين بما أكرمهم الله U به، فمن شمت باستشهاد شهيد سار على درب الحق ومشى على طريق الهدى فدفع ثمن ذلك روحه فمن شمت باستشهاده فهو واحد من رعيل عبد الله بن أبي بن سلول. لقد جهلوا أن هؤلاء انتقلوا من حياة كلها ابتلاء إلى حياة كلها عزة ومتعة ورفعة وقرب من الله U )وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ( حياة حقيقية، نعم غابت أجسادهم عنا، أما هم فهم في متعة يغبطون عليها )فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(
شماتة اليهود والمنافقين مظهر تحالف بين اليهود وأهل النفاق نراه اليوم، وهو صورة متكررة في التاريخ، لكنها ظهرت بصورة قذرة في عهد النبي r وتكررت لتكشف أن النفاق دناءة في النفوس وغباء في العقول وخسة في التصورات، أيشمتون بمن استشهدوا! ويتحالفون مع مَن! مع أبناء القردة والخنازير، يتحالفون مع اسرائيل وبني اسرائيل، يتحالفون ليقدموا للعدو التنازل في مقابل الصديق. هؤلاء الذين شمتوا يوم أحد كانوا إما من الخزرج أو من الأوس، أي أنهم شمتوا بمقتل إخوانهم وشاركهم بشماتتهم تلك: اليهود. نقول للشامتين: فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً. مرت الأزمة على الصحابة الكرام وتجاوزوها في حمراء الأُسد حيث فر المشركون من مواجهتهم وعادوا إلى مكة دون أن يتمموا نصرهم الذي أرادوا. أما المسلمون فقد عادوا تاركين في أحد صفوة أصحاب رسول الله ألبسوا ثوب المجد ثوب الخلود ثوب العزة ثوب الكرامة ثوب الإكرام الإلهي الذي عبرت عنه الآية الكريمة )وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (والآية الأخرى )وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ(نحن اليوم بحاجة أن نعرف الصديق من العدو، ما كان اليهود يوماً ما أوفياء لعملائهم، بل يستخدمونهم ثم يدوسونهم بنعالهم وهذا ما أثبتته التجارب، ما أثبته التاريخ المعاصر، والتاريخ القديم. اليهود يدركون أن من يخون أمته لا يمكن أن يطمئنوا إليه، إذا خان أمته فهو سيخونهم، لأنه يبيع صداقته بعرض من الدنيا قليل، لذلك فإنهم يحتقرون عملاءهم وحُقّ لهم أن يحتقروا عملاءهم، ستبدي لك الأيام حقيقة ما أقول وسترون كل من سار متحالفاً مع اليهود وأسياد اليهود وأنصار اليهود أي منقلب سينقلبون.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين


تشغيل

صوتي