مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 23/02/2018

خطبة د.محمد توفيق البوطي: أول دولة في الإسلام 2


أول دولة في الإسلام 2
خطبة د. محمد توفيق البوطي
تاريخ الخطبة 23 / 2 / 2018
بسم الله الرحمن الرحيم
أمَّا بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: )إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ( ويقول سبحانه: )وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ(، ويقول جلَّ شأنه: )إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ( ويقول سبحانه: )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(.
أيُّها المسلمون؛ تحدثنا عن أساسين من أسس المجتمع الإسلامي بادر النبي إلى إرسائهما إبَّان وصوله إلى المدينة المنورة بالهجرة؛ إقامة المسجد لأنه البوتقة التي تُصنع فيها الأخوة الإسلامية وينهض من خلاها المجتمع الإسلامي، والأساس الثاني: المؤاخاة بين المسلمين بين المهاجرين والأنصار لتوطيد العلاقة فيما بين أبناء المجتمع، ولكي تكون هذه العلاقة الأساس الذي ينسج المجتمع الإسلامي على أركانه، أمَّا الأساس الثالث؛ فهو الدستور الذي تقوم عليه الدولة الإسلامية الناشئة الوليدة، أو ما سمي بالوثيقة، ونص هذه الوثيقة نص دستورٍ يطول بنا المقام لو قرأتُها كاملة، لكني أجتزئ منها ما يلخص معانيها: هذا كتاب من محمد النبي رسول الله بين المؤمنين والمسلمين من قريش و أهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم فحلَّ معهم وجاهد معهم، أنَّهم أمة واحدة من دون الناس -تميز الأمة الإسلامية من خلال إسلامها، وانصهارها في بوتقة واحدة تمتاز بهذا الكيان عن العالم كله– المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم معاقلهم الأولى -هنا يبدوا التضامن والتكافل في إطاره العام يأخذ صورته الأضيق على مستوى الأسرة والعشيرة التي تتضامن وتتكافل في رعاية ضعيفها ورعاية عاجزها ودفع الدية عن قتيلها، أو عن من لزمته دية ذلك القتيل من أبنائها- وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وأن المؤمنين جميعًا ولا سيما من خلال الأسرة والعشيرة والقبيلة، لا يتركون مُفرَحًا –أي : مُثقلًا بدين- منهم أن يعينوه بالمعروف في فداء أو عقل أو أي دين ركب هذا الإنسان نتيجة مصيبة ما من المصائب- وأنه لا يحل لمؤمن أقرَّ بما في هذه الصحيفة أو آمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثًا أو يؤويه –المحدث: المجرم الذي ارتكب جريمة تستحق العقوبة، يأتي المسلم والمواطن فيحميه من قبضة العدالة؛ هذا الأمر لا يجوز بصورة من الصور، أن ينصر محدثًا ولا يؤويه- فمن نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله يوم القيامة، لا يقبل منه فرضًا ولاعدل، وأنكم ما اختلفتم فيه من شيء فإن حكمه إلى الله وإلى الرسول –المحكم في قضايانا الاجتماعية والاقتصادية وسائر ما يمكن أن يحتاج إليه المجتمع في نظام حياته، إنما مرجعه كتاب الله وسنة رسوله، وعندما يكون النبي فإن المرجع هو رسول الله وبعد أن غاب النبي فإن المرجع هو كتاب الله وسنة نبيه ، المدينة المنورة كان فيها مواطنين غير مسلمين، هم اليهود، فما موقع اليهود من هذه الوثيقة من هذا المجتمع؟؟ وإنَّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، هناك تضامن وتكافل وتعاون بين أبناء المجتمع الواحد، حتى وإن اختلفت ديانتهم، فللمسلمين دينهم، ولليهود دينهم، ولكنهم هم جميعًا أمة مع بعضهم يتضامنون ويتكافلون ويدافعون عن هذا المجتمع، ويدافعون عن هذه الدولة، وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمؤمنين دينهم، وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو شجار يخاف فساده؛ فإن أمره إلى الله وإلى محمد النبي ، الحكم في خصوماتنا وفي خلافاتنا وفي سائر شؤوننا هو الرجوع إلى رسول الله وإلى كتاب الله سبحانه وتعالى، فإن حكمه إلى الله ورسوله، وأنَّ بينهم النَّصر، اليهود والمؤمنون جميعًا يدٌ واحدة على مَن داهم المدينة بعدوان، عليهم جميعًا أن يكونوا يدًا واحدة في مواجهة هذا العدوان، وأنهم إذا دعوا اليهود إلى صلح حليف لهم بالأسوة فإنهم يصالحونه، وإن دعونا إلى مثل ذلك فإن لهم على المؤمنين أن يستجيبوا لهم إلا من حارب الدين، إلا أن يكون هذا الصلح مع عدو لنا يحارب ديننا ويحارب أمتنا، مجتمع واحد ودولة واحدة ولدت بالهجرة وأرسيت دعائم نظامها من خلال هذا الدستور، تدل على أن النبي قد وضع بهذه الوثيقة الأساس الدستوري للدولة الإسلامية الناشئة، ورسم علاقة أبنائها ومواطنيها مسلمين وغير مسلمين على أساس التضامن والتعاون والتكافل، لم يكره اليهود على ترك دينهم، قال: لليهود دينهم، دعوناه إلى ديننا ولكنَّا دعوناهم بالحجة والإقناع وليس بالقهر والإلزام، لم يكره اليهود على ترك دينهم، وإنما اعتبرهم مواطنين، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين من واجب الدفاع عن المدينة المنورة ضد أي خطر يهدد أحد من مواطنيها، فلما خان اليهود خسروا موقعهم من هذه الدولة، وخسروا موقعهم من هذا المجتمع، وكانت النتيجة أن طَرد من طَرد، وقُوتل مَن قُوتل، وحورب مَن حورب؛ لأنهم أبوا إلا الخيانة، ومثل هذه المعاهدة كتبت عندما دخل المسلمون إلى بلاد الشام، لكن نصارى بلاد الشام كانوا أوفياء للعهد فكان المسلمون أوفياء معهم، ولا تزال كنائسهم ماثلة أمامنا إلى يومنا هذا، هل يذكر التاريخ أنَّ أحدًا مِن النصارى أكره على ترك دينهم، هل يشهد التاريخ أن نصرانيًا اضطهد بسبب دينه أو صودر ماله أو أكره على أمر ليس من حق الدولة أن تكرهه عليه، هم سواسية من حيث المواطنة لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، بل وإن الدولة متكفلة بالعيش الكريم حتى لفقرائهم، وهذا ما قاله عمر رضي الله عنه عندما رأى يهوديًا يتسول فسأل ما شأنه قالوا: ليس معه أن يدفع الجزية، قال: (ما أنصفنا الرجل إن أكلناه في شبابه و لم نرحمه في شيبته)، وأمر له بعطاء، هذه معاملة الإسلام لغير المسلمين في الدولة الإسلامية.
وبعدُ: نقول: مما يؤسف له؛ أن مسلمي عصرنا هذا اتخذوا العدو وليًا ونصيرًا وحليفًا لهم على إخوانهم، اليهود أشد الناس عداوة للمؤمنين )لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا( هذا شيء بيَّنه كتاب الله عزَّ وجلَّ لنا، اغتصبوا أرضنا وقتلوا أبناء فلسطين وارتكبوا الجرائم في حقهم مع حسن معاملة المسلمين لهم سواء في جزيرة العرب أو في أنحاء العالم، والتاريخ يشهد كم كانت للمسلمين من أيادٍ بيضاء على اليهود في اسبانية وغيرها يوم كانوا مضطهدين مِن قِبل النصارى، ولكن نقضوا العهد وخانوا واغتصبوا فلسطين أرضنا أرض الأمة الإسلامية، نعم مما يؤسف له أن بعض أبناء أمتنا في عصرنا اتخذوا اليهود وليًا ونصيرًا لهم على إخوانهم، اليهود يحاربوننا ويغتصبون أرضنا وبعض أدعياء الإسلام يحالفونهم ويستنصرون بهم، لاحظوا هذا البند في الوثيقة: وأنهم إذا دعوا اليهود إلى صلح حليف لهم بالأسوة فأنهم يصالحونه، وإن دعونا إلى مثل ذلك؛ فإن لهم ذلك على المؤمنين، إلا من حارب الدين، هذا ما كنا قد عاهدناهم عليه، فلما نقضوا العهد طردوا، اليوم بعض أبناء امتنا يتحالفون مع عدونا ضد إخوانهم، ضد المسلمين، إن العدو لا يحالف أحدًا منا لخيرنا، بل يحقق فينا مبدأ فرق تسد، وهاهو ذا يمارس جريمة تمزيق أمتنا على أسس طائفية ومذهبية وعرقية وهاهي ذي ساحة بلادنا تشهد لنا بذلك، وتبين لنا كيف يمارسون عملية التشتيت والشرذمة بين أبناء أمتنا، حتى وصل بنا الأمر إلى ما ترون وتسمعون، كثيرون من أبناء أمتنا وجدوا في مخطط برنالند ليفي الصهيوني المعادي لهذه الأمة وجدوا في مؤامرته وخطته برنامجًا لهم فماذا حصدوا؟؟ إنَّ تستر هذا البرنامج بستار الدين ماهو إلا تشويه لديننا واستدراج للأغبياء من أبناء أمتنا للوقوع في شباك المخططات الصهيونية، حتى إذا سقطوا تجاوزهم المخطط وداس عليهم ومضى يتابع سيره في تدمير أمتنا، حملت المؤامرة صفة دينية، أين موقع الدين من برنامجهم اليوم عندما يريدون المصالحة؟؟ يجب استبعاد الدين، هذا ما قلوه، ركبوا بهائمنا للوصول إلى أهدافهم، حتى إذا وصلوا إلى أهدافهم ركلوهم بأقدامهم وتجاوزوهم وأعلنوا أنهم يحاربون الدين في طروحاتهم، هذا ما قالوه وهذا ما سمعناه بآذاننا ورأيناه بأعيننا وتستروا بستار الدين وتقنعوا بقناع الدين بغية تمزيق الأمة واستدراج الأغبياء وبغية هدف آخر هو تشويه الدين، فهل استيقظت أمتنا؟؟
أسأل الله أن يردنا إلى دينه ردا جميلا وأن يفرج عن هذه الأمة ويعيد الأمن والأمان إلى كل ذرة تراب من وطننا.
سفك الدماء والنزاع والشقاق، بالله انصفوا أنفسكم وأنصفوا عقولكم لمصلحة مَن؟؟ الشباب الذين مضوا وخسرناهم سواء كانوا مِن موالٍ أو معاض، أليسوا خسارة لأمتنا؟؟ أليسوا إضعاف لأمتنا وفي مصلحة عدونا؟؟ اليوم الذين ادعوا أنهم يريدون نصرة الإسلام يقتتلون فيما بينهم، هم لا يريدون نصرة الإسلام، هم ينفذون مخططًا هم ضحاياه، هم ضحايا هذا المخطط، يشوه الإسلام ويقتل بعضهم بعضًا ويستفيد العدو ويتمكن من السيطرة على المنطقة كلها، سواء كان ذلك لغرض تحت ستار عرقي أو تحت ستار ديني، والأنكى أن يكون تحت ستار ديني، هاهم يصفي بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا، أهذا ما يمكن أن يكون خدمة للوطن والأمة؟؟؟ آن لنا أن نعود إلى رشدنا.


تشغيل

صوتي