مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 29/12/2017

خطبة الاستسقاء لـ د. محمد توفيق البوطي | 29 - 12 - 2017

خطبة الاستسقاء للدكتور محمد توفيق رمضان البوطي
بتاريخ 29-12-2017
استغفر الله استغفر الله استغفر الله استغفر الله استغفر الله استغفر الله استغفر الله أستغفر الله العظيم وأسأله التوبة.
الحمد لله ثم الحمد لله .... وبعد: فإنكم جميعًا تعلمون كم نعاني من جفاف اشتد أمره علينا، وشدة أحكمت خناقها بسبب ذلك، وما ذلك إلا بما اقترفت أيدينا، أما قال ربنا سبحانه وتعالى: )وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ( لقد شاع الظلم وانتشر الفسق، ولا يخفى على أحد منا تقصيره بحق ربه في تنفيذ أوامره واجتناب نواهيه. لا يخفى كم انتهكت الحرمات وكم ارتكبت المعاصي، وشاعت في بيوتنا وشوارعنا وأسواقنا ومدارسنا وفي غيرها، كلنا يعلم وضعَ بيوتنا، وتقصيرنا في تربية أبنائنا وبناتنا. كلنا يدرك ما شاع في معاملاتنا من غش وأكل أموال الناس بالباطل من ربا وميسر وغير ذلك، وفي هذه الأيام بالذات يتحمس الكثيرون لانتهاك حرمات الله U علنًا، وكأن انتهاء عام وابتداء عام فرصة تباح فيها المحرمات وتجوز فيها المعاصي، وأصبحنا نقلد؛ بل نسابق الفسقة والكفار في مظاهر الغفلة والفسق والمجون والفجور على امتداد شوارعنا، وفي المنتديات وأماكن الفسق والفجور. كل هذا يتم ونحن نئنّ تحت وطأة البلاء والفتنة والقحط والجفاف، تماما ًكما وصف الله قوم نوح )وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا( كلنا يعلم حالة الفتنة التي استبدت بنا نتيجة إعراضنا عن الضوابط الشرعية في تصرفاتنا وعلاقاتنا؛ حتى شاع بيننا لحقد وانتشر فينا الكذب ونقض العهود، كلكم يعلم ما أنتجت هذه الفتنة من سفك الدماء وتشريد للآمنين خدمة لأهداف خارجية ومخططات معادية.
مُنعت الزكاة وأُهملت الصلاة وآذى الجار جاره وقُطعَت الأرحام وعُقَّ الوالدان وأهملت التربية وشاعت المعاصي وانتهكت الحرمات، لا يُلقين أحد منا التبعة على غيره )بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ولو ألْقَى معاذيرَه( وكل امرئ بما كسب رهين، لذلك يجب على كل فرد منا أن يقر بينه وبين ربه بذنبه، ويعلن له ندمه ويقلع عن ذنبه، فشروط التوبة أولها الإقلاع عن الذنب ثم الندم على فعله والعزم الصادق على عدم العود، وإذا كان هذا الذنب فيما يتعلق بحقوق الآخرين، فإن من واجبنا أن نرد الحقوق لأصحابها وأن نستسمح، إذا كان الذنب بينك وبين الخلق فليس لك إلا أن تستسمح صاحب الحق وأن تسترضيه، وإذا كان حقاً مادياً أن ترده إليه أو أن ترجوه أن يمهلك في أدائه أو أن يسامحك فيه. ووالله إني لأعتقد أن فينا من النخوة والشهامة من إذا قلت له أنا أسأت وأعتذر وأرجو منك المسامحة أنه سوف يسامح، حتى ولو كنت قد سفكت له دما، فينا من الأخلاق الطيبة... من بقايا تلك الأخلاق ما يدفع أحدنا أن يسامح إخوانه، ولكن إن صدق هذا الأخ في رد هذا الحق إلى صاحبه، وفي ندمه على اعتدائه عليه.
آن الأوان أن نصطلح مع ربنا وأن نرتمي على أعتابه، معلنين اعترافنا بتقصيرنا معلنين استغفارنا لذنوبنا وتوبتنا عن آثامنا وندمنا وصدق إنابتنا. ولقد وعد ربنا، والله لا يخلف الميعاد، إن استغفرنا أن يغفر لنا، وأن يسعفنا وأن يفرج عنا )فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا( بهذا قد وعد ربنا كرما منه وفضلا، ولكن هل صدقت منا التوبة؟ وهل صحت منا العزيمة على الإنابة إليه والتزام حدوده واجتناب مناهيه، إن صدقنا في توبتنا كان ذلك سببا وبابا لرحمة الله بنا، وتفريج كربنا وأن يسقينا الغيث ويبارك لنا ويسعفنا ويخمد نار الفتنة ويكف عنا شدتها، لنصلح ذات البين ليعود مجتمعنا مجتمع المحبة مجتمع المودة مجتمع التعاون مجتمع التراحم مجتمع التباذل مجتمع النهوض بأمر بعضنا، آن الأوان أن نعود إلى ربنا ونجدد عزيمة التوبة والإنابة والالتزام بحدوده والوقوف عند أوامره واجتناب منهياته.
أسأل الله تعالى أن يجعل من هذا الموقف ومن هذه الساعة المباركة سببا لرحمته بنا وإغاثته لنا وتفريج كربنا وإصلاح حالنا وأن يرزقنا حسن الإنابة وصدق التوبة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين


تشغيل

صوتي