مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 06/10/2017

خطبة الدكتور توفيق البوطي: لئن شكرتم لأزيدنكم


لئن شكرتم لأزيدنكم
د. محمد توفيق رمضان البوطي
خطبة بتاريخ 6 | 10 | 2017
أما بعد فيا أيُّها المسلمون؛ يقول جلَّ شأنه في كتابه الكريم: )وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ( وقال سبحانه: ) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(، وربط بين التقوى والشكر فقال: ) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(، وقال سبحانه: ) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ(، وقال: )وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ( وقال: )وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ( وقال: )إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ(، روى مسلم عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن، وإن امره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له»، وعن علي رضي الله عنه أنه قال: (إن النعمة موصلة بالشكر، والشكر متعلق بالمزيد، وهما مقرونان بقَرن، ولن ينقطع المزيد من الله عز وجل حتى ينقطع الشكر من العبد)
أيُّها المسلمون؛ يتقلب المسلم بين حالين حال رخاء ونعمة، وحال ضيق وشدة. وما من نعمة إلا ويتخللها ابتلاء، وما من شدة إلا وتحمل بين طياتها خيرًا، والحديث اليوم عن الشكر، وهو في حقيقته لا ينفك عن الصبر. لكنني سأفصل القول ما اتسع الوقت في حقيقة الشكر؛ لأن الشكر حصن النعمة وسبب زيادتها واستمرارها بمقدار ما يكون كفران النعمة سببا في زوالها والحرمان منها، وقد عرَّف الجُنيد البغدادي -رحمه الله تعالى- الشكر بكلمة جامعة فقال: (الشكر أن لا تعصي الله بنعمه) وقال: (الشكر أن لا يستعان بشيء من نعم الله على معاصيه) ولهذه الكلمة أبعاد عميقة، حبذا لو تأملناها ففكرنا في تلك الأبعاد وفي تلك المعاني.
أيُّها المسلمون؛ نعيش اليوم بداية انحسار شدة وأهوال أحاطت بنا لسنوات، ونحن نتذكر أن تلك الأهوال والشدائد إنما جاءت في أعقاب نوع من الجرأة على ثوابت الحق والخير والقيم الرفيعة وأهلها من قبل حفنة ممن يعيشون على هامش المجتمع، فكان ما كان مما كان مما حذر المخلصون من علماء هذه الأمة. واليوم تبدأ مظاهر تلك الشدة تنحسر بانهزام العصابات التي كانت مظهراً من مظاهر ابتلاء الأمة وامتحانها. وكل الذي نخشاه أن يعود أولئك الذين أخفوا رؤوسهم عند الشدة، ووقفوا إما في صف العدو ممالئين متملقين، ظانين أن سوريا ستنتهي وتنهزم. وإما أنهم وقفوا بين الصفين بانتظار الكفة الراجحة ليبرزوا مرة أخرى، ويعبروا عن ابتهاجهم عن انحسار ظلمات الفتنة بما قدمت الأمة من تضحيات، ولكن بأسلوب يتنافى مع جدية الخطر الذي لا يزال جاثمًا يهدد وطننا ويهدد أمتنا، وكأنهم في مظاهر البهجة التي يبدونها يرقصون على جراح الأمة وآلامها. وبدلًا من أن يشكر الناس عامة وهم خاصة ربهم أن دفع تلك الحرب الكونية الشرسة التي أُعلنت على بلد صغير في حجمه لكنه خطير في شأنه، يعود هؤلاء إلى ترويج مظاهر التنكر لنعمة الله عز وجل التنكر لدماء هذه الأمة وآلامها وتضحياتها، والتنكر لنعمة الله عز وجل أن جعل مكائد العدو ترتد عن أمتنا، وتجتر مرارة الهزيمة، وفلولُها لا تزال تمارس حقدها وكيدها. أين نحن من تحصين النعمة بالشكر؟! أين نحن من تحصين النصر بمظاهر شكر الله عز وجل. فالشكر حصن النعمة وسبب زيادتها واستمرارها؛ بمقدار ما يكون كفران النعمة سبب في زوالها والحرمان منها. أما عرّف الجنيد الشكر بكلمة جامعة سبق أن ذكرتها: (الشكر أن لا تعصي الله بنعمته، أن لا يستعان بشيء من نعم الله على معاصيه).
أيُّها المسلمون؛ لنحصن نعمة الأمن ولنحرص عليها لكي تمتد ظلالها وتعم بلادنا، ولكي ترتد الحرب الكونية بجحافلها وبمن يمدها من دول معتدية مستكبرة تريد أن تجعل من هذه البلاد مسرحاً لعدوانها ولتآمرها. علينا أن نحصن نعمة النصر بالشكر بالعودة الراشدة إلى الله. أما المتنكرون فهم على هامش الحياة، سيتجاوزهم الزمن بمقدار ما نكون نحن حريصين على نعمة الله شاكرين نعمة الله متمسكين بحبل الله )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا( نعم )إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا( ما قال: واغفلوا عن الله، ما قال: تنكروا لدينكم، ما قال: استكبروا على ربكم. نعم لنعد إلى ربنا لنعد إلى رشدنا. أما تلك الأصوات التي تريد أن تعيدنا إلى الخلف؛ إلى التنكر لنعمة الله إلى الجحود بفضل الله، تلك الأصوات التي اختفت يوم بذلنا التضحية وقلنا كلمة الحق، وصدعنا بها، فتماسكت الأمة وحقن ما حقن من الدماء، بكلمة الحق التي قيلت، وبالصبر وبالتضحية لتبرز تلك الأصوات المختفية اليوم مرة أخرى فتنادي بالتنكر لدين الله، وبالجحود لفضل الله متجاهلين قوله تعالى: )لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ( وقوله: )وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً( نعم، علينا أن نرسخ أقدامنا على أرض الخير على أرض الهدى على أرض التمسك بحبل الله لكي نواجه تلك الفتنة القذرة والرياح الصفراء التي يحاولون من خلالها أن يمزقوا وطننا وأن يشوهوا ديننا وأن يحرفوا مسار مبادئنا.
أسأل الله أن يرد الأمة إلى رشدها، وأن يجمع كلمتها على الحق والتقوى، وأن يجعل كيد من يكيدها في نحره، ومكر من يمكر بها عائدًا عليه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.


تشغيل

صوتي