مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 23/12/2016

خطبة د. توفيق البوطي: من شمائل النبي صلى الله عليه وسلم


من شمائل النبي r
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعدُ فيا أيها المسلمون، يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا( ويقول سبحانه في وصف نبيه e:)وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ( ويقول جل شأنه: ) وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ( ووصفت سيدتنا عائشة رضي الله عنها النبيَ r وصفاً جامعاً فقالت: «كَانَ خُلُقُهُ r القَرْآَن ». وورد في وصفه فيما رواه البخاري ومسلم، "أن النبي r كان أحسنَ الناس وجهاً، وأحسنهم خُلُقاً، كان متواضعاً، يخيط ثوبه ويخصف نعله ويرفع دلوه ويحلب شاته ويخدم نفسه". وكان عليه الصلاة والسلام يعود المرضى ويشهد الجنائز، وما كان يترفع من أن يركب الحمار، ما كان ليصرَّ على ركوب الخيل أو ركوب البعير، كان لتواضعه يركب الحمار. ويلبي حاجة من قصده، فما قصده من محتاج إلا لبّاه، ويشرب حيث يشرب الناس، وعندما خيره ربه بين أن يكون نبياً ملكاً أو نبياً عبداً – أي عبداً لله وحده- فاختار أن يكون نبياً عبداً، وكان يأكل على الأرض ما أكل على خوان قط، ويقول: "آكل كما يأكل العبد" كان r واسع الصدر، كثير الحلم، عظيم العفو عمن أساء وعمن أخطأ، لم ينتقم لنفسه قط. وما خُيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثماً، ولم يغضب لنفسه أبداً، ولكنه كان إذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء حتى يعود الأمر إلى نصابه، وعندما أصيب في غزوة أحد، سأله بعض الصحابة أن يدعو على من فعل ذلك من المشركين، فقال: "إني لم أبعث لعاناً ولكني بعثت رحمة" وكان r لا تزيده شدة الجهل إلا حلماً، وكانت سعةُ صدره r سببًا في إسلام اليهودي (زيد بن سعنة) فقد رأى زيد بن سعنة صفات النبي r في التوراة فوجدها مطابقة لشخصه عليه الصلاة والسلام، ولكنه توقف عند أمرين لم يتأكد له منهما، الأولى أنه بحث عن خاتم النبوة فكشف له r عنه في ظهره، والثانية أنه أراد أن يختبر حلم النبي r فوجده أحلم الناس وأوسع الناس صدراً مما حدا به أن أسلم وتصدق بنصف ماله.
عندما نستعرض هذه الصفات لا نستعرضها فقط لأنها صفات النبي r؛ ولكن لأن الله سبحانه وتعالى جعله قدوتنا، فقال:) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ( فإذا أردنا أن ننال مرتبة القبول عند الله فلنجعل من أخلاق النبي r أسوة لنا، وهدفاً لنا في سلوكنا وتصرفاتنا، غضب النبي r على المشركين يوم كانوا سببًا في شغل المسلمين عن صلاتهم بالرماية يوم الأحزاب، إذ تواصلت رماية المشركين على المسلمين حتى لم يستطيعوا أن يصلوا الظهر ولا العصر، لاستمرارهم برمي المسلمين بشكل متواصل، فلما أذن المغرب قال: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله قلوبهم وقبورهم نارًا" غضب النبي r؛ لكنه لم يغضب لنفسه؛ إنما غضب لأن هؤلاء المشركين كانوا سبباً في إضاعة وقت صلاة من الصلوات التي فرضها الله. وغضب كذلك على من كان يطيل الصلاة بالناس، فقد كان أحد الصحابة إمامًا لمسجد في طرف المدينة المنورة، فكان يطيل الصلاة حتى شكا رجل إلى النبي r أنه لا يستطيع أن يتحمل طول الصلاة خلف هذا الإمام من الصحابة وقد روى البخاري: " أن رجلا قال: والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله e في موعظة أشد غضبا منه يومئذ، ثم قال: "إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة".
ومن شمائل النبي r عظيم كرمه وكثرة بذله وعطائه، فقد كان r أجود الناس، وأحسن الناس وأشجع الناس في غزوة حنين عندما بوغت المسلمون بكمين للمشركين في وادي حنين، حيث انكب المشركون من كل شعب، ففرَّ كثيرٌ من المسلمين، وكان كثير منهم حديثي عهد بالإسلام، وكان أحدهم قد قال كلمة أزعجت النبي r عندما قال: (لن نغلب اليوم من قلة) وكأنه يظن أن عامل النصر هو كثرة العدد، عامل النصر هو تأييد الله Y فأزعج ذلك النبيَ r وعندما وصلوا إلى وادي حنين اندفع المشركون في كمين لهم من كل شعب من شعاب ذلك الوادي، فبوغتوا بذلك ففر أكثر الجيش، حتى لم يبق مع النبي r إلا قلة قليلة من الصحابة، عندما رأى النبي r ذلك؛ وهو على متن فرسه اندفع نحو المشركين وهو يقول "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" أي أنه لم تكن هذه المباغتة وهذا الكمين سببًا في تردد النبي r أو في خشيته من المشركين، بل تحدى المشركين وتصدى لهم بنفسه وبرز لهم بصدره، واندفع نحوهم حتى كان العباس t يمسك بلجام فرسه يخشى على النبي r من هذا الاندفاع نحو المشركين، من أن يصيبه الأذى، وكان يقول: "أين يا أصحاب السمرة، أين يا أصحاب بيعة الرضوان" لكي يستنهض في الصحابة الكرام عوامل العودة عن فرارهم وخوفهم وخشيتهم، عاد الصحابة y عطفتهم تلك الكلمات حتى عادوا إلى الصف, هذه صورة من صور شجاعة النبي r وكان الصحابة يقولون: "كنا إذا حمي الوطيس واحمرت الحِدَق احتمينا برسول r" أي في المعارك، نعم كان واسع الصدر، ولكنه في المواقف التي تتطلب جرأة وشجاعة كان أشد الناس إقداماً وأقواهم بأساً في مقارعة الطغاة والمجرمين، هذه صفات النبي r كرمٌ وسعة صدرٍ وحلمٌ وحسن خلق، هذه صفات النبي r، وهذا هو المظهر الذي يتمثل به ديننا، لا مظهر أولئك المجرمين الذين يدعون النسبة إلى النبي r والنبي r منهم براء، ليس كأولئك المجرمين الذين يدعون أنهم مسلمون، بينما هم يحاربون الإسلام باسم الإسلام، ويشوهون الإسلام تحت راية تدعي الانتساب إلى الإسلام. لقد خسروا المعركة لأنهم خسروا صدق الانتماء، خسروا المعركة ولا يمكن لأمثال هؤلاء أن يكسبوا المعركة؛ لأن المعركة بين الحق والباطل يجب أن تتجسد بالحق بمعنى الحق، لا أن تكون حقاً مزيفًا وادعاء باطلًا. الرحمة والرأفة والصورة التي تمثل شخصية النبي e في سعة الصدر في الوفاء في الرحمة في العطاء في البذل في أداء الأمانة في صدق الحديث، هذه هي صفات النبي r، لم تكن صفات النبي r صفات الذبح كما يدَّعون ولا صفات إعمال السيف في الرقاب كما ينسبون إليه e. نعم نحن ينبغي أن نجسد في ديننا إذا كنا مسلمين مكارم الأخلاق التي بُعث بها النبي عليه الصلاة والسلام، أما الذين نسبوا إلى دعوته مساوئ الأخلاق والإجرام والإرهاب و الأعمال الفظة السمجة القذرة التي يستبيحون بها الدماء والمال والأعراض فالإسلام بريء منهم، والنبي e بريء منهم. نحن دعوتنا لا يمكن أن تتمثل بكلام أجوف، دعوتنا تتمثل في خلق حسن، وفي تصرف حسن وفي حكمة طيبة، وفي قلب رؤوف رحيم، عندما آذى المشركون النبي r، قيل له ادع الله عليهم فقال: "إني لم أبعث لعانًا إنما بُعثت رحمة" صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله يامن تعلم الناس الخير لا الشر، العدل لا الظلم، الرحمة لا القسوة، هذا هو رسول الله وهذه هي دعوتنا، كم من إنسان يدعو إلى الله وسلوكه يتنافى ويتعارض مع دعوته، هو بهذا منفر وليس مبشر، هو بهذا يبعث في النفوس النفرة والكراهية بدلًا من أن يبعث في النفوس الميل إلى الاستجابة، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا جميعًا حسن الخلق، وحسن الاقتداء بالنبي r وأن يطهر بلادنا من أولئك الذين يدعون النسبة إلى الإسلام وهم يذبحون في تصورهم الإسلام، إسلامنا لا يموت بجرائمهم، إسلامنا يبقى لأنه كما قال ربنا تبارك وتعالى )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ( إسلامنا يمكن أن ينتهي فيما لو كان بشريًا، لكن هذا الإسلام أنزله رب العزة جلَّ شأنه، والتآمر على الإسلام له وجهان، وجه يمثله المجرمون الذين يدعون النسبة إلى الإسلام فيمارسون أبشع أنواع الإجرام تحت اسم الإسلام، والشكل الآخر لمحاربة الإسلام أولئك الذين وظفوا الإرهابيين لتشويه الإسلام فأخذوا يحاربون تلك الصفات السمجة السيئة الإجرامية لأنها تمثل الإسلام في دعواهم، إسلامنا يتمثل في صورة مشرقة صورة جميلة صورة رائعة صورة تأخذ بألباب الإنسان، إنها صورة النبي r الذي قال فيه رب العزة جل شأنه ) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (
أسأل الله العظيم أن يردنا إلى دينه ردًا جميلًا وأن يفرج عن الأمة فرجًا قريبًا
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الحمعة في 23 / 12 / 2016م


تشغيل

صوتي