مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 07/10/2016

في محراب يوم عاشوراء



بسم الله الرحمن الرحيم
في محراب يوم عاشوراء
7/10/2016
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ) وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى # فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ # وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ( وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي r المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: "ما هذا؟" قالوا هذا يوم صالح، هذا يوم نجَّى الله تعالى بني اسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: " فأنا أحق بموسى منكم" فصامه وأمر بصيامه، وروى مسلم عن ابن عباس t قال: قال رسول الله r: «لئن بقيت إلى قابل؛ لأصومنَّ التاسع » وفي رواية أبي بكر يعني التاسع قبل عاشوراء.
أيها المسلمون؛ تستوقفني في مسألة عاشوراء مسائل، الأولى منها: أن صيام هذا اليوم كان شائعاً في العرب قبل الإسلام، وكانوا يحتفلون بهذا اليوم، روت عائشة رضي الله عنها قالت: (( كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يوماً تستر فيه الكعبة)) ثم إن صيامه كان واجباً أو هكذا روي إلى أن فرض صيام رمضان، ثم قال النبي r "من شاء فليصمه ومن شاء فليفطر" ثم رأى النبي r اليهود يصومون يوم عاشوراء، فلما رآهم يصومونه سألهم عن سر صيامهم لهذا اليوم فقالوا: إنه اليوم الذي نجَّى الله فيه موسى عليه السلام، فهم يخلدون هذه الذكرى فيصومون ذلك اليوم شكراً لله عزَّ وجل وتخليداً لهذه الذكرى العظيمة. واستحسن النبي r التميز على بني اسرائيل بصيام يوم قبله أو يوم بعده، فقال: "لأصومنَّ تاسوعاء أو التاسع" قبل يوم عاشوراء، هذه الملاحظة الأولى، وهي ما سنقف عنده بعد قليل بعد أن أذكر الملاحظات الأخرى.
المسألة الثانية: لاحظوا كيف أن النبي r أقرَّ الوقوف عند المحطة الزمنية والذكريات الزمانية والاحتفاءَ بها، فقد سأل اليهود لماذا يصومون يوم عاشوراء فقالوا: هذا يوم نجى الله فيه موسى، فقال: "نحن أولى بموسى منكم" فصامه وأمر بصيامه، أي أن الذكريات التاريخية التي تشير إلى أحداث ذات أهمية أمر يتوقف عنده، ويمكن أن تخلد ذكراه، لما له من أهمية في إحياء معاني تلك الذكرى في قلوب الناس.
المسألة الثالثة، لاحظوا أن النبي r أمر الصحابة بصيامه واستحسن أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده تميزاً عن اليهود، هو وافق اليهود في أمرٍ معتبر عندنا، ويعتدُّ به عندنا في معاييرنا وفي شريعتنا، وهو شكر الله عزَّ وجل على انتصار الحق المتمثل في موسى e على الباطل والطغيان المتمثل في فرعون، هذا المعنى نحن نقرُّ ونعتدُّ به، وهو أمرٌ شرعي ويجدر أن نقف عند هذه الذكرى، لذلك صام وقال: أنا أولى بموسى منكم، وألصقُ بموسى عليه الصلاة والسلام منهم، لأن موسى عليه الصلاة والسلام نبيٌ كان على الحق أما أتباعه فقد حرفوا وانحرفوا، وسأعود مرة أخرى إلى النقاط الثلاث.
صيام يوم عاشوراء كان شائعاً كما قلنا، ولما رأى النبي r اليهود يصومونه بعد أن نسخت فرضية صيامه بفرضية صيام رمضان، سَنّ صيامه، وبقي يصومه وقال في آخر حياته لئن عشت إلى قابل لأصومنَّ تاسوعاء، إذاً فقد اعتدَّ بهذا الأمر. ونحن بالنسبة لليهود، أو بالنسبة لمخالفينا جملةً وتفصيلاً – أي لغير المسلمين- ينبغي أن نتميز عنهم، وأن نعتدَّ بهويَّتنا الإسلاميَّة في مقابل ما تجري عليه أمورهم وشؤونهم وتقاليدهم. وقد أشار النبي r إلى هذا المعنى في حديث خطير قال فيه فيما رواه البخاري: "لتتبعن سَنن من قبلكم شبراً بشرٍ وذراعاً بذراع، حتى إذا دخل أحدهم جُحر ضبٍ لدخلتموه. فسأل الصحابة اليهودَ والنصارى؟ قال: فمن؟". المشكلة اليوم في أمتنا أنها تجري في تبعية عمياء خلف الأمم الضالة، ولو أنها اتبعت تلك الأمم في الجانب الإيجابي في سلوكها وتصرفاتها وأمورها؛ لقلنا كما قال النبي r في شأن صوم عاشوراء: نحن أولى بموسى منكم، فلو أننا اتبعناهم في التطور العلمي والتقني، والتقدم في المجالات الصحية والتقنية في خدمة الإنسان وسلامة الإنسان لكان أمراً مستحسناً، وليس ثمة ما يمنع من أن نستفيد من تقدمهم العلمي، بل إن علينا أن ننافسهم في ذلك المجال. وأن لا نكون مجرد أتباع، بل نكون منافسين. وهذا ما ينبغي أن تكون عليه أمتنا، لكن الذي يجري أننا أتباع لهم في عيوبهم وأمراضهم وضلالاتهم، أما في الجانب الإيجابي فإن نفوسنا تتقاعس عن ذلك، وإن همتنا تتقاصر عن أن تسعى في الأمور الإيجابية والأمور النافعة. هم يصدّرون إلينا أقذر ما عندهم لكي نقع في أمراضهم، ونحن نتقبل أسوأ ما عندهم لأنه الهبوط؛ والهبوط يسير وسهل على النفوس المريضة. آن لأمتنا أن تنطلق وتحطم القيود التي تفرض عليها في مجال الصناعة وفي مجال العلم وفي مجال التقنية. آن الأوان أن نأخذ موقعنا الذي بَلَغه أجدادُنا يوماً ما، بتمسكهم بهذا الدين وتعاليم هذا الدين وحقائق هذا الدين في الانطلاق إلى العلم إلى المعرفة إلى التقدم إلى الحضارة إلى المدنية. ولكن ليس من الباب العفن الذي تريد أوروبا أن تدخلنا منه، بل من الباب الأعلى، من باب التقدم من باب التطور من باب القوة واصلاح الأوضاع التي نعيشها. آن الأوان لأن نحطم تلك القيود ونتجاوز الحصار العلمي الذي يفرضونه علينا. إن بعض المسلمين اليوم ممن يُنال منهم ويُراد أن يفرق بيننا وبينهم تقدموا علمياً في المجال الطبي، وفي المجال العسكري، وفي المجالات الأخرى. ولكنَّ أعداءنا والذين يريدون تفتيت أمتنا، يريدون أن يصرفوا أبصارنا عن هذا الجانب، ويوجهوا اهتمامنا إلى الفوارق المذهبية بيننا وبينهم. انتهت تلك المرحلة التي كانت الأمة تتعامل فيها مع هذا الجانب بغباء فتخضع للتفريق والتمييز والتشتيت والتجزئة. آن الأوان أن نعود إلى أنفسنا فنتمسك بقوله تعالى )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا( وأن نتقدم في مجال الصناعة والطب والجانب العسكري وغيره، وأن نركل تلك الحواجز والمحاصرة التي تفرض على أمتنا لكي تبقى أمتنا متخلفة وذيلاً لتلك الأمم في أمراضها، في أسقامها، في انهيار البناء الاجتماعي والأسري فيها، في انتشار الأمراض الجنسية والاجتماعية فيها. في هذا الجانب تجد الكثيرين منا منطلقين بدعوى التقدم بدعوى الحضارة والمدنية، هل التقدم والمدنية والحضارة في أن ندمر أسرتنا! في أن ندمر أخلاقنا! في أن نفتت مجتمعنا! التقدم والحضارة نحن نقدمها للناس إذا كنا على الحق، إذا كنا منطلقين إلى بناء أنفسنا بوعي بإخلاص. هذا الجانب أرجو أن نقف عنده جيداً، ونتجاوز. نحن لا ينبغي أن نكون ذيلاً بل يجب أن نكون منافسين؛ لكن في المجال النافع على أنفسنا وعلى أمتنا وعلى مجتمعاتنا بالنفع والخير.
أما المسألة الثانية: فهي مسألة المناسبات الزمانية، النبي r احتفل بذكرى عاشوراء انتصار الحق على الباطل وانتصار العدل على الظلم والطغيان، في انتصار موسى عليه الصلاة والسلام على فرعون وقومه )وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى( واحتفل النبي r بذكرى مولده لا في كل سنة مرة بل في كل أسبوع مرة، فقد روى مسلم عن أبي قتادة t أن رسول r سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: "فيه ولدت وفيه أنزل عليّ" يصومه لأنه فيه ولد، وهل أعظم من تلك الشمس التي أشرقت في يوم من تاريخ الأمة والبشرية من يوم مولده؟! اليوم الذي يعتبر منعطفاً في تاريخ البشريَّة كلِّها. اليوم الذي أشرق فيه نور الهداية وانطلق فيه الحق يجتاح الباطل كله، وصار لأمنتا ذكر في صفحة التاريخ لكننا أضعناه. ولا تزال الفرصة متاحة بين أيدينا لأن نستدرك ونعود فنأخذ موقعنا في تاريخ البشرية مرة أخرى، والبشرية اليوم أحوج إلينا من أي وقت مضى؛ إذا كنا على خير وإذا كنا مخلصين في التمسك بديننا.
قضية التقاليد: الإسلام تشريع وليس تقاليداً ومنهج وليس تبعية. نحن يمكن أن نستفيد من كل الأمم، ويمكن أن نقدم لكل الأمم ما يعود علينا وعليهم بالخير والنفع. أما التبعية العمياء فأمر مرفوض في الإسلام "حتى لو دخل أحدهم حجر ضب لدخلتموه" إنها التبعية العفنة التي تشمئز منها النفوس، أن نكون أتباعاً وأذيالاً في مساوئ الأمور في معيبها في ما يحط من قدرنا ومن حضارتنا ومن انسانيتنا "حتى لو دخل أحدهم جحر ضب لدخلتموه" وهناك روايات أشد من هذه الرواية، ولكن نقول: إن علينا اليوم أن نبحث عما هو أنفع لنا؛ انطلاقاً من مسؤولينا بين يدي الله Y عن بناء أنفسنا وبناء حضارتنا، قال تعالى في وصف الانسان ووظيفته )وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا( عهد إليكم بإعمار هذه الدنيا بإعمار هذه الأرض، بالنهوض بشأن المجتمعات وشأن هذا الكون، أعطانا مفاتيح الوصول إلى كثير من المقدرات، أعطانا ذلك ومكننا من ذلك، ولكننا صرنا كمن قال فيه الشاعر: (واقعد فإنك الطاعم الكاسي) يجب أن تخطط الجهات المعنية من مؤسسات تربوية وعلمية ومراكز بحوث وغيرها في أن تحيي في أمتنا كوامن طاقاتها، في سبيل أن تستعيد موقعها كأمة تعلم لا مجرد أمة تقلد.
كان علي اليوم أن أعود فأتحدث عن الأمر الثاني الذي نفتقر إليه لتجاوز الأزمة التي نعيشها؛ وهي قضية العلم قضية الفقه، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. ما وقعنا فيما وقعنا فيه إلا بسبب الجهل إلا بسبب التزوير لحقائق ديننا. عندما وصفت الفتنة بأنها ثورة، ووصفت العمالة بأنها إصلاح، ووصف التخريب بأنه عملً جهادي ونضالي؛ أجل إن الحاجة إلى العلم ليتميز لدينا الحق من الباطل أمر في غاية الأهمية، وطلب العلم فريضة. لقد صاحوا عبر وسائل الإعلام المنحرفة المضللة لتضليل أمتنا بعمائم مزيفة ولحىً مزيفة لكي يدفعوا بأمتنا إلى الواقع الذي نعاني منه اليوم، وسبب ذلك أننا زهدنا في العلم. ولقد كان الناصح الأمين يتسنم المنبر ويوضح بالأدلة الشرعية والنصوص الفقهية وبكلام الأئمة ضرورة الالتزام بما يضمن سلامة هذه الأمة من البعد عن مسالك الفتنة وطرقها ووسائلها وأساليبها والحذر منها، وكان الطرف الآخر لا يستعمل إلا أساليب التحريض والتأجيج والإثارة للإيقاع بهذه الأمة. ولقد جرى ما جرى فهل لنا من عودة؟ سأتحدث عن ضرورة العلم في الأسبوع القادم إن شاء الله
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين


تشغيل

صوتي