مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 24/06/2016

خطبة د. توفيق البوطي: من شروط النصر 2


من شروط النصر 2
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ #وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ # لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ # تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ # سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ( وقال جلّ شَأنُهُ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيم: )وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ويقول: )وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ( روى مسلم في صحيحيه عن ابن عمر t قال: قال رسول الله r:"التمسوها _ أي ليلة القدر _ في العشر الأواخر، فإن ضَعُفَ أحدكم أو عجز فلا يُغلبنّ على السبع البواقي" وروى الشيخان عن ابن عباس t قال: " كان رسول الله r أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسولُ الله rحين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة".
أيها المسلمون؛ كنت قد بدأت بشروط النصر في الأسبوع الماضي، وتزدحم الأمور في هذا اليوم فنحن مقبلون على العشر الأخير من شهر الرحمة من شهر البركة من شهر القرآن من شهر رمضان، ومع هذا العشر الأخير ينبغي أن نشمر عن ساعد الجد ونضاعف بذل جهودنا في التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بشتى وجوه التقرب، مستذكرين شروط النصر في وقت نحن فيه بأشد الحاجة إلى النصر، وأقف عند شروط اختصرتها الآية التي قرأتها: )وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ َ( التزام طاعة الله تعالى وطاعة النبي r فيما أمر أو فيما نهى بالتزام الأوامر واجتناب النواهي هو شرط مهم في شروط النصر، فمن توخى النصر عليه أن يلتزم طاعة الله ورسوله، الأمر الآخر )وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ( العدو يريد تمزيق أمتنا، يريد تفتيت وطننا، يريد بث مشاعر الكراهية والفتنة بين أبناء مجتمعنا، وإن شرط النصر دائما أن تكون أمتنا واحدة متماسكة قوية، أقوى من المؤامرة، أقوى من محاولات التفتيت والتمزيق التي يبذل العدو الجهد كله في سبيل القضاء علينا من خلالها، فينبغي أن نستبدل بالفرقة الوحدة، وأن نجعل شعارنا التحابب بدلا من التباغض، والتعاطف بدلا من التخلي عن بعضنا، أن يحب بعضنا بعضا، أن يعطف يعضنا على بعض أن نشد بأزر بعضنا، أن نتراحم أن نتماسك. فأمة يرحم بعضها بعضاً لن تنهزم، وأمة يتخلى أبناؤها عن بعضهم لا تملك شروط النصر ولا أسبابه، وديننا هو الرصيد الذي يجعل هذه الأمة يعطف بعضها على بعض، أما الشرط الثالث فهو: واصبروا، نحن في ضائقة نحن في شدة نحن في صعوبة، كيف لا؛ وقد تألبت قوى الطغيان في الدنيا علينا؟ على أمتنا على بلادنا حشدت كل ما في وسعها من كيد ومن قوى من أجل ضرب هذه الأمة وتمزيق هذا الوطن، ولن يكون الرد فاعلاً إلا إذا واجهنا ذلك بالصبر، والصبر قوة إيجابية وليس قوة سلبية، الصبر قوة إيجابية تجعلنا نثبت في المواقف ونثبت في المواقع، ونقابل الصعوبة بتجاوزها، ونقابل الأهوال باقتحامها ونقابل الأخطار بالدوس عليها، نقابل عوامل التمزيق والتفريق بالتماسك والتلاحم فيما بيننا، يريدون أن يكره بعضنا بعضا! فليحب بعضنا بعضاً؟، لن تؤمنوا حتى تحابُّوا هكذا يقول النبي r ينبغي أن تكون مشاعر المحبة في قلوبنا نابضة متوثبة قوية متماسكة نعم، نحن ينبغي أن نصبر على اللأواء ونصبر على كل ما يمكن أن يعترضنا من صعوبات، ونقابل المؤامرة بنقيض أهدافها.
نعم نحن على أبواب العشر الأخير من شهر النصر، من شهر الفرج، من شهر غزوة بدر وفتح مكة، والتي أسأل الله تعالى تلك الذكريات متجددة في هذا الشهر، تبعث في نفوسنا الأمل ونرى بإذن الله تبارك وتعالى ثمرتها في هذا الشهر إن شاء الله تعالى، نحن على أبواب العشر الأخير ولذلك علينا أن نغتنمها بمزيد من الإقبال على الله سبحانه وتعالى، فهذا العشر هو عشر العتق من النار، هو العشر الذي فيه ليلة تختزل عمرك كله في ليلة واحدة، ليلة هي خير من ألف شهر، ولم توضح هذه الليلة لتجعل هذا العشر كله اندفاعاً إلى طاعة الله، تنفق هذا العشر كله في التقرب إلى الله، و للتقرب إلى الله عزَّ وجل صور لا يغني بعضها عن بعض، كثرة قراءة القرآن، قيام الليل، الصيام، بطبيعة الحال نحن إن شاء الله تعالى صائمون، بالإضافة إلى هذا وذاك، نحن في موسم الزكاة والصدقة، فلنضاعف البذل ولنقاسم الفقير رغيفنا، ووالله لئن فعلنا ليباركنّ الله في رغيفك، ولنقدم له فلئن قدمت له ستجد أن الله يعوض ما قدمت أضعافاً، فالنبي r يقول:" ما نقص مال من صدقة " لا تظنن أن ما تبذله سينقص من مالك بل سيبارك في مالك وستجد البركة فيما بقي لك من مالك، وستجد أن ما بقي لك من مالك سيضاعف في أدائه وفي أثره في حياتك، وستجد أن الله سبحانه وتعالى قد فتح لك من أبواب البركة مالم تكن تحتسب ومالم تكن تتوقع. نعم، بمقدار زيادة الإقبال على الطاعات... على القيام... على تلاوة القرآن...على الذكر على الاستغفار على التبتل لله سبحانه وتعالى في ليالي هذا العشر، بمقدار صدق توجهك إلى الله سيكون صدق بَذْلِك لأخيك، أما سمعتم قول النبي r في الحديث الصحيح: " كان رسول الله r أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل" لأنه يتنزل عليه القرآن يدارس القرآن وهذا الشهر شهر تلاوة القرآن فبمقدار ما تكثر من تلاوة القرآن تتوثب نفسك للبذل والعطاء، إذا كان القرآن حياً في قلبك؛ فينبغي أن يكون ذلك دافعاً للبذل من يدك وللعطاء، لأن يكون قلبك متوقدا بالرحمة تجاه إخوانك.
نحن في أزمة، نحن في شدة فرضت علينا ولكننا قادرون بإذن الله تعالى على هزيمة هذه الشدة وعلى أن نقف في وجهها بقوة، وأن نتغلب عليها بمقدار تراحمنا وبمقدار تعاطفنا وبمقدار الإحسان إلى بعضا، بمقدار ما نبذل نجد أن التيسير قد حصل، وأن الفرج قد تحقق وأن النصر قد تنزل، وأن هزيمة أعدائنا قد تحققت، وأن البركة في معرفتنا أيضاً قد تحققت، إذا أردتم للبركة أن تتحقق فلنتعاون، ولنتراحم ولنبذل، ولنقدم ولنؤثر على أنفسنا، هكذا وصف الله تعالى أهل المدينة المنورة عندما أتى إليهم إخوانهم من المهاجرين، ماذا قال؟ قال: )وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ( أهل المدينة فقراء أهل أرض زراعية، لكن فقرهم لم يكن ليمنع من البذل، شاطروا إخوانهم المهاجرين البيت والمال وكل شيء، والمهاجرون كانوا متعففين، فاجتمعت العفة مع الكرم والسخاء )وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ(


تشغيل

صوتي