مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 22/04/2016

خطبة د. توفيق البوطي: ولكن لا تحبون الناصحين


ولكن لا تحبون الناصحين
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول الله سبحانه وتعالى في سيدنا صالح مع قومه: ) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ # فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ # فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ( وقال سبحانه عن مؤمن آل فرعون: ) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ # تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ # لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآَخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ # فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ( ورى الدارمي في سننه قال مر سليمان بن عبد الملك في المدينة وهو يريد مكة فأقام بها أياماً، فقال: هل بالمدينة أحد أدرك أصحاب رسول الله r فقالوا له: أبو حازم، فأرسل إليه فلما دخل عليه قال له: يا أبا حازم ما هذا الجفاء، قال له أبو حازم: وأي جفاء رأيت مني؟ قال: أتاني وجوه أهل المدينة ولم تأتني، قال: يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما عرفتني قبل هذا اليوم ولا أنا رأيتك، قال: فالتفت سليمان إلى محمد بن شهاب الزهري، قال: أصاب الشيخ وأخطأت، قال سليمان: يا أبا حازم، مالنا نكره الموت؟ قال: لأنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم الدنيا، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب، قال: أصبت يا أبا حازم، فكيف القدوم غداً على الله سبحانه، قال: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه، فبكى سليمان، وقال: ليت شعري مالنا عند الله ؟ قال اعرض عملك على كتاب الله، قال وأي مكان أجد قال:) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ # وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ( قال سليمان: فأين رحمة الله يا أبا حازم؟ قال أبو حازم: إن رحمة الله قريب من المحسنين، قال له سليمان: يا أبا حازم فأي عباد الله أكرم قال: أولي المروءة والنهى، قال له: يا أبا حازم فأي الأعمال أفضل؟ قال: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم، قال سليمان: فأي الدعاء أسمع؟ قال: دعاء المحسَن إليه للمحسِن، قال: فأي الصدقة أفضل؟ قال: للسائل البائس وجهد المقل ليس فيها منٌ ولا أذى، قال: فأي القول أعدل؟ قال: قول الحق عند من تخافه أو ترجوه، قال: أي المؤمنين أكيس؟ قال: رجل عمل بطاعة الله ودل الناس عليه، قال: فأي الناس أحمق؟ قال: رجل حط في هوى أخيه وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره، قال له سليمان: أصبت."
أيها المسلمون، النصح كلمة طيبة تخرج من قلب مخلص مشفق على الآخر، في أي موقع كان أحدهما، وفي أي موقع كان الآخر، فنصح ولي الأمر للرعية شفقة منه وإخلاص، ونصح الرعية لولي الأمر شفقة منهم وإخلاص، وأحق الناس بالنصح من يعم خيره أو ينتشر شره، والنصيحة ديننا، ألم يقل النبيr الدين النصيحة، ومنهجنا ورؤية شرعية يبتغى بها الخير لمن ينصح، ولذلك فإنه جدير بالناصح أن يكون حاله أبلغ في النصح من مقاله، لا أن يكون ثمة ازدواج بين حاله ومقاله، حاله في واد ومقاله في وادٍ آخر، بل أن يكون مقاله ترجمة لحاله، لن يكون للنصح أي أثر إلا عندما يتجرد الناصح عن غرض دنيوي لنفسه، وقد وصف الله تعالى بعض من نصحوا على لسان صالح عليه الصلاة والسلام عندما تحدوه وكذبوه وأعرضوا عن نصحه فهلكوا، قال:) لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ( العاقل هو من نظر إلى النصح فاتعظ به وتأمل صدق النصيحة فأخذ بها، لا الذي يتأثر بتملق المتملقين ومديح المادحين وثناء المثنين، المخلص لك هو من أراك عيوبك بينك وبينه، وليس من شأن الناصح أن يفضح، ولا أن يتبجح بنصحه. الناصح هو من كان ملء قلبه الشفقة وكان منطلقاً عن علم، وكان لا يريد إلا الخير للمنصوح، الناصح الحق هو الذي يريد الخير العاجل والآجل لصاحبه عن معرفة وعن علم سواء كان المنصوح رعية أم راعياً.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا صدق الكلمة والإصغاء لكلمة الحق والعمل بمقتضاها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 22/04/2016


تشغيل

صوتي