مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 18/03/2016

خطبة د. توفيق البوطي: كفران النعمة والاستكبار أخطر منزلق


كفران النعمة والاستكبار أخطر منزلق
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( ويقول سبحانه: ) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا(ويقول تعالى: ) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا # وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ( )وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا( ) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا( وصح عن النبي r أنه قال: «لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا –ثلاثاً- ويشير إلى صدر، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه». روى البخاري عن أبي هريرة t قال: جاء رجل إلى النبي r فقال: «من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أبوك»
أيها المسلمون أمام هذا المنعطف الذي تمر به البلاد لا بد أن نستذكر أن سبيل الخلاص من معاناتنا وآلامنا، وسبيل الخروج مما نحن فيه، أن نخرج من حيث دخلنا، أن نخرج من دخلنا فأودى دخولنا إلى ما نعاني منه، أعني، أن سبب ما أصابنا إنما هو ذنوبنا، إنما هو جرأتنا على حدود الله، إنما هو أمور جرت في أمتنا كانت سببا في مصائبها، فإن أصلحنا ما بيننا وبين ربنا صلحت أحوالنا، وإن خرجنا من حيث كان وضعنا مودياً بنا إلى هذه المصائب فإن ذلك يبشر بأننا بإذن الله سنتجاوز الأزمة إن شاء الله، أقول: ما أصابنا أصابنا بسبب ذنوبنا وهذا مصداق قوله )وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ( ولعل ما عانينا منه من أشدها وليس أشدها، فالابتلاء هناك ما هو أشد منه، وغيرنا عانى أشد مما نعاني، وأشدُّ منه مالم نذق من الابتلاء والشدائد، إنما علينا أن نستعيذ بالله ونلتجئ إليه.
أيها المسلمون، كفران النعمة والاستكبار أخطر منزلق يؤدي بنا إلى ما هو أشد مما نعاني، كفران النعمة جحود ما أكرمنا الله عزَّ وجل به من نِعَم في صحتنا في عافيتنا في بلادنا في نباتاتنا في مائنا في شرابنا فيما نتمتع به، في نسبة الأمن التي لا زلنا نتمتع بها، أقول ينبغي أن لا نجحد نعمة الله علينا، ينبغي أن نتذكر فضل الله سبحانه أن كانت الابتلاءات بهذه الصورة ولم تكن بأشد منها، نحن نسمع ونعي ما تعاني أمم أخرى أيضاً، وقد بين لنا ربنا تبارك وتعالى سبيل الخلاص، فقال: )من يتق الله يكفر عنه، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا # وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ( يجعل له من هذا الضيق الذي يعاني منه مخرجاً ومنجاة، فهل بحثنا عن المخرج والنجاة، إنه التقوى، إنه الوقوف عند حدود الله، إنه الالتزام بأوامر الله، إنه الاجتناب لنواهي الله، إنه الوقوف عند الأوامر والنواهي بالانضباط بمقتضاها. على أن التقوى ليست مظهراً، إنما المظهر دليلٌ على وجودها، التقوى كما وصف النبي r التقوى هاهنا، حالة من الخشوع حالة من الوجل حالة من الخشية، تستقر في قلب الإنسان المؤمن فتنعكس على سلوكه وتصرفاته وأخلاقه، الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه )وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا( إذا كنا نعاني من عسر وشدة وضيق وضنك ،فإن هذا نتيجة وليس مرضا، المرض الحقيقي ضعف الوازع الديني في حياتنا، ألم يقل الله سبحانه )وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا( والأخطر من ذلك )وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى # قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا # قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى(
أمام هذا المنعطف يتساءل المرء، هل استيقظ ضمير العالم بعد سبات؟ حتى غدا يبحث عن مخرج من أزماتنا؟ أم إن نار فتنتهم قد أحرقت بيوتهم وأجسادهم فشعروا بالخطر الذي أوقدوا ناره وقد تسلل إلى بيوتهم و بلادهم وأجسادهم، أقول: حتى وإن كان بعض الأقزام التافهين لايزال ينفخ بنار الفتنة وهو قابع في فندق ما فارهٍ يضيق صدره بأن تحقن دماء أمتنا، يضيق صدره بأن يعود الناس فيصطلحوا بعد خصومة، وأن تغمد السيوف، وتتوقف أصوات المدافع والرصاص، يضيق صدره بهذا كله فيحاول أن يسعر نار الفتنة مرة أخرى. هؤلاء أتفه من أن نقف عندهم، لأنهم هم الذين سوف يداسون بنار هذه الفتنة بحصيلة الأمر، يضيق صدر هؤلاء أن تحقن دماء الفتنة بين أبناء أمتنا، فيضطرب، ويغضبه أن يصطلح المتخاصمون فيرفع عقيرته محرضاً. لهؤلاء نقول كفى ما نالت أمتنا من آلام يتمت أطفالاً ورملت نساء ودمرت وطناً ومنشآته، وشردت الناس تحت وطأة فتنة لم يستفد منها إلا العدو، فإن كانوا هم أدواته فليداسوا تحت النعال، ولابد أن يداسوا تحت النعال. لم يستفد منها إلا العدو الرابض على مقدساتنا وأذنابه من خدمة بلاطه.
آن الأوان أيها المسلمون أن ندرك أن ما أصابنا إنما أصابنا بذنوبنا فلنتب إلى الله، لنتب إلى الله جميعا أفراداً وجماعات، لنتب إلى الله جميعا مدنيين وعسكريين، لنتب إلى الله جميعاً ولنعلم أن باب الله هو أعظم باب لنصر أمتنا وأعظم باب لكشف غمتنا.
المخرج إنما هو بالرجوع إلى الله، وما يجري من جهود سياسية ونحوها إنما هو مظهر من مظاهر لطف الله بهذه الأمة، ولكن ليس هو السبيل إلى خلاصها، على الأمة أن لا تسمح بأن تعود إلى الدوامة التي أودت بها إلى مصيبتها، وأن نبحث عن المخرج بالصلح مع الله. في مراجعة أنفسنا، وتلمس مواطن الخلل من حياتنا، إذ ثمة قانون يحكم حياة هذه الأمة. لو أننا راجعنا التاريخ فنظرنا: هذه المعادلة أو هذا القانون، بمقدار ما يكون التزامنا وانتظامنا جاداً بمقدار ما يرتفع شأن أمتنا وتعز تقوى وتنتصر. وبمقدار انحرافها وجنوحها وضلالها تذل وتسام ألوان المصائب والعذاب. عودوا إلى التاريخ وتأملوا في فترات قصير أو في مراحل مديدة، صدق الصحابة مع النبي r فانتصروا في غزوة بدر، وعصوا رسول الله فهزموا في غزوة أحد، صدق المسلمون في تمسكهم فانتصروا على دولتين طاغيتين: دولة الروم ودولة الفرس، مالوا وجنحوا إلى الرفاهية وغير ذلك من أسباب الدعة والرفاهية والمعاصي فأصيبوا بالنكبات إثر النكبات، حتى تجرأ الصليبيون فاحتلوا بلادنا هذه، أعاد صلاح الدين ومن قبله نور الدين زنكي رحمهما الله تعالى هذه الأمة إلى طريق الرشد من خلال إنشاء مدارس تنهض بأبنائها إلى خط الهداية والرشاد، فانتصروا على قوى الغرب في معارك حطين وغيرها، وطرد الصليبيون من أرضها. عد إلى هذه المراحل وتأمل تاريخنا، بمقدار ما نكون ملتزمين بديننا يرتفع شأننا، وبمقدار ما


تشغيل

صوتي