مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 23/10/2015

خطبة د.توفيق: العاشر من محرم حكم وعبر



العاشر من محرم حكم وعبر
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون ، يقول الله جل شأنه في كتابه الكريم : )وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى# فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ#وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى( روى البخاري عن ابن عباسy قال قدم النبي r المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال : "ماهذا ؟" قالوا : هذا يوم صالح، يوم نجى الله بني اسرائيل من عدوهم فصام موسى، فقال: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه " وروى مسلم عن النبي r أنه قال:" صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبلها "
أيها المسلمون، مما أحمد الله تبارك وتعالى عليه أن الوعي الديني في عصرنا في هذه المرحلة من تاريخنا خير منه في زمن سلف، فالكثيرون يهتمون بالمناسبات الدينية، بيوم عاشوراء ويوم عرفة، وغير ذلك من المناسبات التي يسن الصيام فيها، ويسن التعبد فيها. والاهتمام بمواسم التقرب إلى الله عزَّ وجل في عصرنا هذا هو خير مما كان في أيام سلفت، وها إن دل على شيء، فإنه يدل على أن الوعي الديني على الرغم من كل ما في مجتمعنا من مفاسد هو خير منه مما كان عليه في زمن مضى، ولذلك فإن أرجو أن يتقبل الله صيام من صام يوم عاشوراء وكذلك يوم تاسوعاء، لأن النبي r قال:" لئن عشت إلى قابل لأصومن تاسوعاء " والنبي r يقول فيما صح عند مسلم:" أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبلها " وفي هذا بشارة عظيمة لمن يتطلع إلى عفو الله تعالى ويرجو مغفرته، لذلك أرجو الله تعالى أن يتقبل صيام من صام، وأن يوفق من لم يصم إلى صيام أيام أخرى، أو لعل الله يكتب له أن يصوم في العام القادم، وأن يحرص الجميع على مواسم الطاعات والقربات ليستغلوا هذه الفرصة: وإن في أيام دهركم لنفحات فتعرضوا لها " كما يقول النبي r.
الذي يستوقفني في موضوع صيام يوم عاشوراء أمور أخرى أولها: تلك الصلة فيما بين الأنبياء، وقد تعددت الأحاديث التي توضح قوة الصلة فيما بينهم من مثل حديث أبي هريرة y قال: قال رسول الله r :" أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الأولى والآخرة، قالوا كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: الأنبياء أخوة من علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وليس بيننا نبي " ليس بين سيدنا عيسى وبين سيدنا محمد r نبي، فأقرب الأنبياء إلى النبي r هو سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام، وأقرب الأمم إلى أمتنا هي أمة سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام. طبعاً هذا لا علاقة له في الأمور السياسية التي تربط فيما بين المسلمين والنصارى، فاليوم من يدعون الانتساب إلى سيدنا عيسى من بعض الدول الكبرى هم أشد الناس تآمراً على الحق الذي نحمله؛ بل على سيدنا عيسى نفسه، و هذا الأمر يعني أن العلاقة فيما بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، هي علاقة تصديق وتوثيق، فالأنبياء كلهم بشروا بنبوة سيدنا محمد r وقد أخذ الله عزَّ وجل الميثاق والعهد عليهم جميعاً إذا بعث محمد r أن يؤمنوا به وأن ينصروه، كل الأنبياء مطالبون بأنهم إذا ما بعث سيدنا محمد rأن يؤمنوا به ذلك لأن الأنبياء السابقين كانوا يبعثون إلى أقوامهم خاصة، أما سيدنا محمدr فقد بعث إلى البشرية كلها وإلى الفترة الباقية من حياتها، لذلك فلا نبي بعد النبي r، ولا رسالة بعد رسالة رسول اللهr ، نحن نؤمن بالرسالات السابقة، ولكننا نقول إن هذا هي الرسالة قد نسخت ما قبلها.
الأمر الآخر، كثيراً ما نقرأ آيات تعيب على الأمم السابقة معاصيهم، وتفضح سوء تصرفاتهم وتكشف عدوانهم على الأنبياء والمرسلين وعلى الأقوام الآخرين، ولاسيما بنو اسرائيل، فلقد أفرد كتاب الله عن بني اسرائيل الكثير من الآيات والسور التي بينت تنكرهم لفضل الله ونعمه، فما أن نجوا من فرعون حتى عبدوا العجل، وما أن أكرمهم الله بنبي كان سببا في تخلصهم من طغيان فرعون حتى آذوه فقد آذوا موسى عليه الصلاة والسلام واتهموه ونالوا منه، وهم قد تجلت في التاريخ مواقفهم ، فهم تاريخهم ملطخ بالدماء لأنهم قتلة الأنبياء الذي ينبغي أن نتوقف عنده، أن آيات القرآن بينت مثالب تلك الأمم كبني اسرائيل وغيرهم، هل بنو اسرائيل نالهم ما نالهم لأنهم أبناء اسرائيل؟ اسرائيل نبي، هو سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام ، وأبناؤه أخوة سيدنا يوسف الذين غفر الله لهم، فليست المسألة مسألة نسب، إنما المسألة مسألة سلوك، فما حاق ببني إسرائيل من لعنة ومن سخط الله عزَّ وجل ومن طرد من رحمة الله سبحانه وتعالى يمكن أن ينال أي أمة فعلت أفعالهم. ولم يذكر الله تعالى تاريخهم ومثالبهم وجرائمهم إلا ليحذر أمتنا من أن تسلك مسالكهم فيحل بهم ما حل ببني إسرائيل، لاحظوا الآية القرآنية ) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ# كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ( الجريمة التي كانت سبباً في إلحاق اللعنة بهم على ألسنة الأنبياء أمران، ذلك بما عصوا وذلك بسبب عدوانيتهم، المعصية والعدوانية هي سبب ما حاق بهم، بالإضافة إلى منكر هو أشد )كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ( ينتشر المنكر فيما بينهم فيتغاضون عنه، ويسكتون عن تفشيه، والمنكر إذا انتشر في الأمة يوشك أن يدخل إلى بيتك فيصاب به أهلك، وتصاب به ابنتك وابنك وزوجتك وذريتك، فما لم نكن حذرين من تفشي المنكر في مجتمعنا بالإنكار وبالحيلولة دون انتشاره فلابد أن يشيع وينتشر، ولابد أن يعقب ذلك كثير من المصائب في الأمة التي نعيش فيها. وما شاع المنكر في بلد ولم ينكره أهله إلا كان ذلك سبباً لسخط الله الذي نزل على بني اسرائيل بسبب ذلك، نعم علينا أن نأخذ من سير الأمم السابقة العبرة والعظة، لم يحق ببني اسرائيل ما حاق بها إلا بسبب انحرافها وليس بسبب نسبها، ليس لأنهم بنو اسرائيل؛ ولكن لأنهم فعلوا ما فعلوا، هم قتلة الأنبياء هم صدوا عن سبيل الله، هم انحرفوا عن نهج الله، هم كذبوا على كتاب الله هم حرفوا كتاب الله، هم تآمروا على حياة سيدنا عيسى بن مريم، وقتلوا سيدنا يحيى عليه الصلاة والسلام، فقتلة الأنبياء وقتلة الدعاة إلى الحق هؤلاء سيحيق بهم من العذاب ما حاق ببني اسرائيل بسبب جرائمهم وبسبب سوء فعالهم.
الأمر الآخر الذي يستوقفنا في مسألة صيام عاشوراء، فرعون كان يظن نفسه إلهاً، وكانت له سطوة وملك، وللفراعنة تاريخ خلدته آثارهم فلهم جنود ولهم جيوش ولهم قوة ولهم إمكانات، وقف في وجه فرعون موسى عليه الصلاة والسلام، الذي كان من بني اسرائيل، أمره الله عزَّ وجل بأن يذهب إلى فرعون ) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي# وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي# وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي# يَفْقَهُوا قَوْلِي( ثم ألحق به سيدنا هارون قال: )اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى# فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى# قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى# قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى# فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى( هكذا قالا، فماذا كان من أمر فرعون؟ أرغد وأزبد، وطغى وتجبر وقارعه موسى بالحجة بالمعجزة، إذ أبطل سحر سحرته، وأظهر أن ما يجري على يديه إنما هو تأييد إلهي، مما دفع بالسحرة أن يذعنوا لموسى عليه الصلاة والسلام ويؤمنوا به، وعندما استكبر فرعون وأراد أن يقتل السحرة وأن يعتدي على بني اسرائيل الذين لحقوا بموسى مضى موسى عليه الصلاة والسلام فأتبعهم فرعون بجنوده، جيش عرمرم، يتبع موسى وتلك المجموعات من بني اسرائيل، مجموعات كانت مضطهدة في مصر مستعبدة، أتبعهم فرعون بجنوده ومضى موسى عليه الصلاة والسلام إلى البحر )فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ( كالجبل الأشم، ومضى موسى يمخر عباب البحر وهو بر بين جبال شاهقة فأتبعهم فرعون بجنوده، كان ذلك تأييداً لموسى وليس لفرعون، فلما وصل موسى إلى الطرف الآخر من البحر عاد البحر بحراً وغرق فرعون وجنوده


تشغيل

صوتي