مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 17/07/2015

خطبة د. توفيق البوطي: هل حققنا ثمرة صيام رمضان؟


هل حققنا ثمرة صيام رمضان؟
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا # وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ ويقول سبحانه: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ ويقول سبحانه: ﴿ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ ﴾ يقول أيضاً في كتابه الكريم: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ﴾ ويقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾
أيها المسلمون، ودعنا شهر رمضان المبارك وقد أمضى بيننا تسعة وعشرين يوماً، مضى يحمل شهادات لأناس، وشهادات على آخرين، يشهد للمحسنين بما أحسنوا، ويشهد على المسيئين والمقصرين بما أساؤوا وقصروا، شهر لطف الله سبحانه وتعالى فيه بعباده فيسر صيامه، ويسر قيامه واكتظت المساجد بالوافدين إليها بفضل الله سبحانه وتعالى، وكان الاندفاع بفضل الله نحو بيوت الله سبحانه وتعالى والقيام في ليالي هذا لشهر المبارك متميزاً بفضل الله، ولم يبالِ الصائمون بطول نهاره في معاناتهم من الجوع، ولا بطول نهاره وشدة حره في معاناتهم من الظمأ؛ لأنهم كانوا يبحثون عن رضا الله سبحانه وتعالى، ومضى الشهر يشهد على أناس آخرين أحيوا ليلهم على متابعة مشاهد الفسق والفجور بدلاً من أن يحيوا ليلهم بالسجود والركوع والتبتل بين يدي الله جلَّ شأنه، يشهد على أناس انتهكوا حرمته ولم يبالوا بعظيم حدود الله سبحانه وتعالى وأوامره، أمرهم بأن يصوموا يومه ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ أي فرض عليكم الصيام، ربٌ يأمرنا ونحن عبيد، ينبغي أن نكون ممتثلين، ينبغي أن نكون ملتزمين، ولكنهم تمردوا على أمر الله فليتمردوا، إن على الإنسان الذي ظن نفسه متمرداً على أمر الله متأبياً على العبودية لله موعدنا معه يوم يكون مسجى على فراش الموت ، فلينجُ يومئذٍ من قبضة الله عزَّ وجل، من قبضة مَنْ خلقه يوم خلقه دون مشيئته، ويقبضه بالموت دون إرادته. يظن نفسه حراً وكل خلية من جسمه تقول له أنت عبد، وكل عضو من أعضائه يقول له أنت عبد، أفعاله الاختيارية وغير الاختيارية تقول له أنت عبد وعبد ضعيف، فلماذا يستكبر؟ قد يكون مغلوباً على أمره غلبه هواه، وهذا يرجى له أن يعفو الله عنه إن عاد إلى رشده فتاب تاب الله عليه، أما المستكبر فليُرنا نفسَه وليفلت من قبضة الله عزَّ وجل يوم الأجل، ملوك وزعماء وأغنياء وأقوياء داستهم نعال الموت وعركتهم آلامه ثم مضت بهم إلى تلك الحفرة، فإن كان حراً فليرنا حريته عندما يمضي به أحباؤه ليرموه في تلك الحفرة وحيداً ليلقى موقفاً بين يدي الله. أيها المسلمون في نهاية شهر رمضان لنعد فلنتحسس تُرى هل وصلنا إلى ما ينبغي الوصول إليه من النتائج والثمرات، هل تحققت فينا الآثار التي ينبغي أن تتحقق فينا نتيجة هذا الصيام شهراً كاملاً ؟ فلنعد إلى أنفسنا فلنتحسس ولنتلمس، ولنتأمل قول ربنا تبارك وتعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ فهل بلغنا درجة التقى؟ وهل تحققت فينا صفة التقوى؟ والتقوى كما ذكر بعض العلماء في كلام مقتضب لكنه واضح: (تقوى الله أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر) ثلاث صفات الطاعة والذكر والشكر، وكما قال آخرون: (أن لا يجدني ربي حيث نهاني، ولا يفقدني حيث أمرني ) أن أكون ملتزماً بطاعات مجتنباً لمعاصيه، والله تعالى يقول ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ أي علينا أن نبذل وسعنا في تحقيق هذه الصفة العظيمة التي هي مفتاح السعادة في الدنيا وسبب النجاة في الآخرة، ألم يقل الله تعالى ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا # وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ وهي مفتاح المعرفة ألم يقل الله جل شأنه ﴿ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ ﴾ وكذلك مفتاح القرب إلى الله سبحانه وتعالى وسبب مغفرة الذنوب ونحن أحوج ما نكون إلى مغفرتها ألم يقل الله سبحانه: ﴿ومن يتق الله يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾
أيها المسلمون التقوى هي خلاصة هذا الدين هي العمود الفقري لشريعتنا وديننا، ولو أننا عدنا إلى أنفسنا لنتلمس هل بلغنا مرتبةً ما، من صفات التقى، أو هل استطعنا أن نتجاوز ضعفنا وتقصيرنا فخَطَونا في أرض التقى ما يجعلنا أقرب إلى رضاه سبحانه وتعالى وأقرب أن نكون في درب هدايته ؟ علينا أن نعود إلى أنفسنا فنحاسب أنفسنا، أول ميزان لمحاسبة النفس جدير بي وبكم أن نضعه نصب أعيننا، العلماء يقولون: ( إن علامة قبول الطاعة أن يصبح بعدها خيراً مما كان قبلها ) ترى هل أصبحت تقياً بعد شهر رمضان؟ هل تحسنت صلتي بالله ؟ هل تحسنت علاقتي مع الخلق بما أمرني الله؟ هل ضبطت سلوكي فيما أفعل وفيما لا أفعل، فيما أمرت وفيما نهيت بها؟ هل انضبطت بأوامر الله فكنت أحرص على تطبيق ما أمر واجتناب ما نهى ؟ لنعد إلى أنفسنا ولنحاسب أنفسنا، إذاً فالميزان الأول أن يضع المرء في حسابه أن يكون بعد العبادة خيراً مما كان قبلها، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا خير في صلاته، وكم من صائم ليس له من صومه إلا الظمأ، و كم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر، هكذا يقول النبيr، أعيذ نفسي وإياكم بالله من أن نكون من أولئك، وأسأله أن يجعلنا ممن تقبل عملهم وارتقت به نفوسهم إلى المرتبة التي ترضي الله سبحانه وتعالى من التزام لأحكامه واجتناب عن منهياته، هذا أمر أول، وهناك ميزان مستمر علينا أن نضعه نصب أعيننا بشكل مطرد، فأنا كل يوم في في عبادة، أنا في كل يوم مكلف بالصلاة خمس مرات، وفي كل سنة مكلف بالصوم شهراً كاملاً، ومكلف الزكاة، ومكلف مرة في العمر على الأقل بالحج، العلماء قالوا: هذا أمر معروف من خلال الآيات التي أمرتنا عندما يقول ربنا ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ إذاً فالعبادات تسمو بنا إلى الخلق الأقوم والانضباط الأفضل بأمر الله سبحانه تعالى وبعلاقتنا مع الخلق وعلاقتنا مع الحق، ينبغي أيها المسلمون علينا أن نعود إلى أنفسنا فلا يكون يومنا مثل أمسنا بل ينبغي أن يكون أفضل، فالماء الراكد معرض لأن يصبح آسناً، والبقاء على ما أنا عليه تراجع، بقاء نفسي على ما هي عليه على الرغم من أدائي للصلاة ومن أدائي للصوم إذا بقيت على ما أنا عليه هذا يدل على قسوة قلبي، وعلى أني لست على الصفة التي ينبغي، وأن عبادتي تحتاج إلى روح تسري بها لتنهض بهمتي إلى ما يرضي الله سبحانه وتعالى، لذلك ينبغي في كل يوم أن أكون أفضل من الذي قبله، فإن اجتهدت فلم أستطع فلا ينبغي أن أكون أقل مما كنت في أمسي. هذا ميزان، وميزان آخر كم هو أثر هذه العبادات والصوم – موضوعنا – في ضبط علاقتنا مع أهلننا ومع الآخرين، هل صححت صلتي مع أرحامي أخي وخالي وعمي وسائر أقاربي ذكوراً وإناثاً بالطريقة التي تناسب، ومن غير المحارم بالطريقة التي تنضبط بأحكام الشريعة، أن أكون وصولاً لهم محسناً إليهم حسن العلاقة معهم، أن تكون صلتي بوالدي قبل ذلك باراً بهما وعلاقتي مع الناس كلهم، ألم يقل الله تعالى ﴿ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾ ألم يقل رسول الله r:"من غش فليس منا " قال غش لم يقل غش أخاه المسلم، لم يقل أخاه أو أباه الغش وأمثاله من الصفات الذميمة ما ينبغي أن تكون في إنسان مسلم، ينبغي أن يكون شديد الحذر منها، المال الحرام سم ناقع يسري في كيانك، فيُظلِم بسببه قلبك وتشقى بسببه حياتك، فاحذر من اللقمة الحرام أياً كان مصدرها،
ومن الموازين أيضاً أن تكون هناك ليلة تتزايد يوماً بعد يوم وتصبح صلتي بالله عزَّ وجل من واجب أؤديه إلى متعة تغذي قلبي وتنتعش بها روحي وهذا دليل القبول... أن أستمتع بركعتين قبل الفجر على الأقل، وأن أذكر الله بقلب حاضر، أن أكون دائما مع الله، أن أشتاق للحظات الأنس مع الله تعالى، أسأل الله أن يرزقنا ذلك كله، وأهم من ذلك كله هل كان من آثار شهر الصوم أن نجتنب المحرمات، أن نجتنب الاعتداء على الخلق.. الاعتداء على الأموال والأعراض والأنفس والدماء، كم حذرنا ربنا تبارك وتعالى من الاعتداء بكل أصنافه سواء باللقمة الحرام أو بالإيذاء باللسان أو بالإيذاء باليد؛ بل ما ينبغي أن يكون ذلك منسياً. وأخطرها حرمة الدماء ألم يقل الله تعالى ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ ؟ حرمة الدماء عهد أخذه رسول الله r علينا في خطبته في حجة الوداع عندما قال: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا – يوم عرفة – في شهركم هذا – شهر ذي الحجة – في بلدكم هذا – مكة المكرمة – " كيف تستباح الدماء كيف تدمر البلاد؟ كيف تنتهك الأعراض كيف يفعلون كل ذلك وتحت عباءة الإسلام، أي إسلام هذا؟ إنه إسلام صنعته دول الغرب، صنعته أميركا وإسرائيل وليس الإسلام الذي أنزله الله عزَّ وجل، شهر الصوم شهر التراحم وليس شهر العدوان والإثم. أسأل الله أن يردنا إلى دينه ردً جميلاً.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم ل ي ولكم ولسائر المسلمين
خطبة الجمعة 17-07-2015


تشغيل

صوتي