مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 10/07/2015

خطبة د. توفيق البوطي: جوائز رمضان


جوائز رمضان
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون ، يقول الله جلَّ شان في كتابه الكريم: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ # وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ # لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ # تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ # سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ ويقول سبحانه: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r قال: " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانً و احتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " وفي البخاري أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالاً من أصحاب النبي r أروا ليلة القدر في السبع الأواخر فقال النبي r: " أرى رؤياكم تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر" وفي رواية عن عائشة t:" تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر" في الحادي والعشرين والثالث والعشرين والخامس والعشرين والسابع والعشرين والتاسع والعشرين.
أيها المسلمون، العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك هي الجائزة التي يكرم الله تعالى فيها عباده المؤمنين بجائزة عظيمة أو بجوائز كريمة، في مقدمتها ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، ليلة واحدة تعدل في عبادتها عبادتك في ثلاثة وثمانين عاما، فكأنك تعيش في كل سنة أربعة وثمانين عاماً من العبادة إن شاء الله إذا ما أحييتها بالعبادة والطاعة، العشر الأواخر هي الدليل على أنك قد اكتسبت ثمرة الصوم أو لم تكتسب، أوَلم يقل ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ إن الجائزة التي ينالها العبد في هذا العشر هي أن تنشأ في قلبه أو تتوطد في قلبه ومشاعره صفة التقوى، والتقوى هي الدرجة المتقدمة بعد الإيمان، التقوى هي التزام الطاعات واجتناب المعاصي، التقوى أن يكون القلب مفعماً بمحبة الله و خشية الله والحياء من الله، فمحبة الله وخشيته وإيمان العبد به هو التقى، والتقى يمكن أن نتعرف على أثره في قلوبنا بأن نفوسنا عزفت عن موائد الشيطان وأقبلت إلى موائد الرحمن، اشمأزت من موائد الشيطان وشِراكه التي ينصبها شياطين الإنس والجن لكي يحبطوا ثمرة صيامك ويبطلوا أثر قيامك؛ بأن يفسدوا عبادتك بكثير من الموبقات التي يضعونها أمامك لكي تنزلق قدمك فيها فتحبط بذلك ثمرة صيامك وقيامك، أن تقوم الليل بالعبادة والذكر بالتضرع إلى الله والالتجاء إليه أن يفرج الله عن الأمة أن يكشف عنها البلاء والغمة، أن تلتجئ إلى الله أن يغفر لك ما مضى ويعصمك فيما بقي، أن تلتجئ إلى الله أن ينمي قي قلبك مشاعر الإيمان والتقى، هذا الأمر ينبغي أن يكون قد تنامى في قلبك خلال العشرين يوماً المنصرمة لكي تظهر آثارها في العشر الأواخر التي مضى منها ثلاثة أيام نسأل الله تعالى القبول.
أيها المسلمون، إن ابتداء حياة جديدة نقف فيها عند حدود الله نلتزم فيها أوامره ونعرض فيها عن معصيته ونلتزم فيها بما يرضي الله ونتجنب فيها كل ما يسخط الله، أمر مهم في غاية الأهمية من ثمرات شهر رمضان المبارك، نعم إن شياطين الإنس ينصبون شراكاً وأفخاخاً لنا لكي نقع فيها فنخسر كل بركة شهر رمضان وغنائمه، ذلك يتمثل في تلك الشاشة القذرة الصغيرة بما تبثه من موبقات تدمر الأسرة وتفسد الشباب وتفسد الزوج والزوجة وتجعل حياتك كلها بعيدة عن الله وسبباً لسخطه عزَّ وجل، شياطين الإنس يأبون إلا أن ينفقوا العام كله من أجل إفساد صيامك في رمضان وأثر قيامك في رمضان، استعدادات هائلة إكراماً لشهر رمضان بمسلسلات قذرة تبثها وسائل الإعلام المختلفة لكي تجهض أثر صيامك وقيامك، فهل استيقظ قلبك وهل راقبت ربك في هذه الأيام التي ينظر الله فيها إلى عباده القائمين الصائمين نظر رحمة نظر عطاء نظر مغفرة نظر استجابة، ليقول لهم اذهبوا فقد غفرت لكم، ولعله يقول لنا أيضاً وقد استجبت دعاءكم، نحن اليوم لا نملك مفتاحاً من مفاتيح للنصر وسبباً من أسباب الفرج بعد البلاء الذي نعاني منه إلا الالتجاء إلى الله، كلكم يرى كيف تشتت جيشنا هنا وهناك ليقاتل العصابات المجرمة في كل جزء من أجزاء وطننا، أولئك الشذاذ الوافدين إلى بلادنا لكي يدمروا ويقتلوا ويفسدوا في الأرض، خمس سنوات تقريبا والأمة تعاني من هؤلاء المجرمين، تعاني من نتائج التآمر على ديننا وعلى وطننا، أبِقوة السلاح نستطيع أن نتغلب عليهم؟ هم أكثر هم عدداً أكثر وعدة أكثر، نعم هم عدداً وعدةً أكثر ، ولكننا والله أقوى إذا كنا مع الله، إذا التجأنا إلى الله إذا تبنا إلى الله، ولكننا الأضعف والأقل والأذل إذا عصينا ربنا ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ﴾ ﴿ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ﴾ إن كنا قد تخلينا عن الالتجاء إلى الله تعالى من الذي سينصرنا، إن المصالح الدولية تقف عند حد لمصالحها، أما نحن أما وطننا أما ديننا فإنه لا يمكن أن ينهض بنا وننهض به إلا بأن نعود إلى ربنا سبحانه وتعالى ونلتجئ إليه.
إن الجائزة الأخرى التي أكرم الله تعالى بها المسلمين في شهر رمضان المبارك وهي جائزة خالدة؛ لأننا نحن من ثمراتها، إنها فتح مكة الذي جرى في أواخر شهر رمضان المبارك يوم خرج النبي r بجيش يزيد على عشرة آلاف مقاتل بعد أن خرج منها مهاجراً طريداً معه صاحبه أبو بكر الصديق تتبعه جلاوزة قريش وصناديد الشرك لكي تقتله وتقتل لدعوة بقتله، مضى إلى المدينة المنورة، وصبر وثبت، وذكر الله كثيراً كما قال الله تعالى ﴿ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا ﴾ إلى أن جاء ذلك اليوم الذي عادت فيه مكة إلى الإسلام، وطهر المسجد الحرام من الأوثان ورجس الأصنام، طهر من الشرك وطهرت مكة كلها من الشرك، نتيجة صبر دام سنوات ونتيجة عبادة وتقرب إلى الله سبحانه وتعالى جعل الله أحد جوائز شهر رمضان أن يكرم الله الأمة بفتح مكة بعد معاناة طويلة، إننا لنرجو أن يكون لنا من تلك الجائزة نصيب بمقدار صدق التجائنا إلى الله وثباتنا على المنهج الذي يرضاه بأن نكون على الخط الذي رسمه رسول الله r لنا بأن نكتسب صفة التقوى، كما قلت، وبأن نلتزم حدود الله وبأن ننبذ موائد الشيطان ونركلها بأقدامنا وبأن نجعل توجهنا إلى طاعة الله عزَّ وجل وإلى النهوض بأمر هذه الدعوة حتى وإن كثر الناعقون المنتقدون لها، نقول نحن أمة أعزها الله بالإسلام فمهما ابتغت العزة بغير ما أعزها الله أذلها الله، فليبحثوا عن أساب عزتهم عند أصنامهم، ونحن نبحث عن أسباب عزتنا على باب ربنا تبارك وتعالى، نحن نبحث عن أسباب عزتنا وأسباب انتصارنا وأسباب نهضتنا من خلال التزامنا بمنهج ربنا تبارك وتعالى، أجل شهر رمضان شهر الانتصارات، أجل شهر رمضان شهر ليلة القدر شهر المكرمة شهر المغفرة، شهر استئناف حياة ننضبط فيها بأوامر الله ونعود فيها إلى منهج مرضاة الله عزَّ وجل، منهج طاعة الله سبحانه وتعالى، ولا تنزلق أقدامنا بنا إلى حيث يخطط لنا الشيطان ويرسم لنا مزالق أقدام من وقع فيها سقط في هاوية الهلاك.
أسأل الله سبحانه أن يكرمنا في هذا الشهر بالقبول والمغفرة والعتق من النار وأن يكرمنا بفرج قريب بإذنه تعالى، إنه سميع مجيب للدعاء.
فريضة أمر الله سبحان وتعالى بها المسلمين من خلال ما وجهنا إليه النبي r على كل مسلم ملك كفايته وكفاية من تجب عليه نفقتهم ليوم العيد وليلته، إذاً شرط وجوبها أن يكون لديه ما يكفيه من مسكن لائق حتى لو كان بالأجرة، ونفقة تفي بحاجته وحاجة أهله ليوم العيد وليلته، فإن زاد على ذلك وجب عليه أن يدفع صدقة الفطر، نسمع من أصحاب الفضيلة العلماء أن صدقة الفطر تقدر بالليرة السورية بكذا وكذا، لماذا نلجأ لهذا الأسلوب؟ تيسيراً للناس وتسريعاً؛ بتقدير قيمة صدقة الفطر. إلا أن صدقة الفطر مقدرة وإذا كنا في هذا العصر. قالوا من غالب قوت البلد، وإذا كان قوت البلد عندنا القمح إلا أن الناس لن يستفيدوا من القمح مباشرة في وقتنا الحاضر؛ لأنه يعطى كما هو، دون أن يكون مطبوخاً أو معداً، إنما القوت الثاني بعد القمح إنما هو الرز، والواجب على المسلم إخراج صاع من غالب قوت البلد، وقوت البلد مما يمكن الانتفاع به في بيوتهم اليوم إنما هو الرز، ومقدار الصاع في التحقيق الذي قام به بعض العلماء لا يزيد على 2كغ، ولمن تورع أن يزيد قليلاً وذلك من النوع الوسط في السوق، السعر يمكن أن يتبدل في كل عام بل أحياناً في الأسبوع الواحد، لذلك إما أن تخرج الطعام وهو مذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة والمالكية ، وإما أن تخرج قيمته في ذلك اليوم الذي تخرج فيه صدقة الفطر، ويمكنك أن تخرج صدقة الفطر طيلة شهر رمضان تعجلاً، ولكنها إنما تجب على من يكون موجوداً عند غروب شمس آخر يوم من رمضان، فمن مات قبلها سقطت عنه ومن ولد بعدها لا تجب عنه، ومن ولد قبل غروب شمس ذلك اليوم وجب على وليه أن يخرج عنه صدقة الفطر، ومن توفي بعد غروب شمس ذلك اليوم وجب أن تخرج عنه صدقة الفطر، صدقة الفطر تجب عنك وعمن تنفق عليهم لكل فرد صاع من طعام بالتقدير الذي ذكرت.
خطبة الجمعة 10-07-2015


تشغيل

صوتي