مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 26/06/2015

خطبة د. توفيق البوطي: حذاري مما يذهب أجر صيامك


حذاري مما يذهب أجر صيامك
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون ، يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ، والتقوى تلك الثمرة العظيمة للصوم هي مفتاح كل خير ، فقد قال تعالى :﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾، وقال : ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ، وقال جل شأنه ، ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا # وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ وقال جلَّ شأنه : ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ ما الصوم ؟ وما التقوى ؟ ولماذا كان للتقوى تلك الآثار الجليلة في حياة المسلم ؟ ، أما الصوم – ولعل الحديث مكرور الآن ولكن بحاجة لأن نتذكر جوانبه – الصوم إمساك عن المفطرات من طعام وشراب ومعاشرة زوجية وغير ذلك من المباحات التي حظرت على الصائم ، فإذا كان الصائم يمسك عما أحل الله في نهار صومه يمسك عما أحل الله له في سائر الأوقات إرضاء لله وعبودية له ، ولعل الصائم يكون في بيته منفرداً ليس هناك من يراه إلا الله ، ويعطش ويشتد به العطش ويجوع ، ويرى من حوله الماء العذب النمير والشراب الطيب والطعام الشهي ، وغير ذلك من المفطرات ، ولكنه مع ذلك يمسك عن كل ذلك إرضاء ًلله و طاعة له وعبودية له ، فإن كان الناس لا يرون فإن الله يراه ، كيف لا وهو معكم أينما كنتم ، يمنعه من مشتهياته ومرغوباته وحاجاته حبه لله وحياؤه منه ومخافته من سخطه ، إذاً فالصوم قد أيقظ في قلبه تلك المشاعر ، مشاعر الحياء من ربه والخوف منه ، فإذا كان يمسك طاعة لله وحياء منه ومخافة منه عمَّا أحل الله له في سائر الأيام ، فجدير به أن يمسك عما حرم الله عليه من المعاصي والآثام ، نعم جدير به أن يكون أشد تباعداً وحياء من الله من أن يقترف ما حرمه الله من المعاصي ، وقد حذر الله الصائم من المعاصي وقال : "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر "، هذا هو الصوم ، الصوم إمساك عن بعض المباحات تقوى لله وحياء منه ورغبة إليه وطاعة له ، إذاً فما التقوى التي يثمرها الصوم ؟. يقظة القلب والعبودية لله والحرص على طاعته ، التقوى أن لا يجدني الله حيث نهاني ، ولا يفقدني حيث أمرني ، التقوى التزام الطاعات واجتناب المعاصي والمنهيات ، الصائم إذا كان يمسك عن الطعام والشراب فجدير به أن يمسك بصورة أدق وأحرص عن الغيبة والنميمة والسب والشتم ، أن يكون أشد حذراً من الكذب والافتراء ، أن يكون أشد حذر من الكلام الذي يؤذي الآخرين أو عن الكلام الذي نهاك الله عزَّ وجل عنه جملة وتفصيلاً ، وقد سأل سيدنا معاذ بن جبل النبي صلى أوَ نحن مؤاخذون بما نتكلم ، أجابه النبي r :" ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس على وجوههم أو مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم " . وقد حذرنا من الكلمة السيئة من الكلمة وكم هي مخاطرها عندما قال r :" إن أحدكم ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً تقذف به في النار سبعين خريفاً " ، أمور يطلق المرء لسانه فيها لا يأبه لها تمس عقيدته أو يؤذي بها أخاه أو يحدث بها فتنة ، أو يؤدي بتلك الكلمة إلى نتائج سيئة في المجتمع أو في الأسرة ، هناك من تكلم بكلمة فأشعل بها أقطاراً بنار الفتنة ، فأراق بها الدماء ودمر بها البلاد وأهلك بها العباد ، كلمة ، أباح بها ما حرم الله عزَّ وجل ، إنها الكلمة وخطورتها ، والتقوى أن يمسك لسانه عن تلك الكلمة ، عن أي كلمة يتجاوز فيها الإنسان حدود الله عزَّ وجل ، ويتجاوز بها ما أحل الله سبحانه يؤذي بها إنسان ، عليه أن يجعل لسانه مفتاح خير ، أن يجعل لسانه للصلح للكلمة الطيبة لرأب الصدع لإصلاح ذات البين للأمر بالمعروف للنهي عن المنكر للسلام والتحية ، أوَ ما قال ربنا تبارك وتعالى ﴿ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾ ، قال للناس لكل الناس حتى ولو كانوا كفرة ، الكلمة الطيبة مفتاح للقلوب توصل إلى النتائج الطيبة ، كما أن الكلمة الخبيثة توصل إلى النتائج الخبيثة ، التقوى أن أمسك يدي عن أن تمتد إلى الحرام من أذى وضرب وإساءة وسرقة وأي معاملة نهى الله سبحانه وتعالى عنها ، فاليد أداتك إلى خير تعطي بها تساعد بها تنهض بها الضعيف ، وهي أيضاً أساس الشر تؤذي بها وتجرح بها وتقتل بها وتسفك الله بها ، يدك اتق الله بها ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ يدك هذه ستكون شاهد لك بما استعملتها من خير أو شاهد عليك بما استعملتها من شر ، هل أعطيت بها الفقراء والمساكين ؟ هل بذلت بها المعروف ؟ أم أنك آذيت بها الناس ومدتها إلى الحرام من حقوق الناس ومن أموال الناس ؟؟ ترى ورجلك كذلك الأمر تمشي بها إلى المساجد وتقوم بها مصلياً ، وقد يسعى بها الإنسان أيضاً إلى منازل الشر والخنى والفجور ، إلى قطيعة الرحم إلى الإساءات ، التقوى أن تستعمل جوارحك فيما يرضي الله وأن تكفها عما لا يرضي الله سبحانه وتعالى ، التقوى التخلق بتلك الأخلاق الكريمة ، من صلة للرحم وبر للوالدين وحسن للجوار ، أوَ ما سمعنا حديث رسول الله r سئل عن الكبائر فقال :" الإشراك بالله ، قال ثم أي ؟ قال عقوق الوالدين " عقوق الوالدين قرين للشرك ، إذا كان ربنا تبارك وتعالى قد حرم عليك أن تقول لوالديك كلمة التضجر المؤلفة من حرفين ( أف ) فكيف تعقهما وكيف تهجرهما وكيف تمنعهما من حقوقهما من العطاء والبذل ، حق الوالدين ينبغي أن يراعى ، وبر الوالدين مفتاح سعادتك ، وعقوق الوالدين مفتاح شقائك ، أما في قطع الرحم وصلة الرحم ، فقد صح عن النبي r فيما رواه مسلم :" لا يدخل الجنة قاطع رحم " ، أرأيت كم قاطع إنسان أخاه وخاله وعمه وابن أخيه وخاله ، فيم ؟؟ خلافات مادية تافهة تكون سبب لحرمانك من دخول الجنة ، هذا الذي تتنازع عليه مع قرينك أتفه من أن يحرمك من رضوان الله عزَّ وجل ، ولعلك بحسن معاملتك له وتجاوزك عن إساءاته تكون قد ملك أسباب سعادتك ورضوان الله عزَّ وجل ، ألا يا أيها الصائم هل راجعت نفسك في هذه الأمور كلها ؟؟ التقوى أن تضع هذه الأمور كلها في اعتبارك ، والصوم دورة تدريبية على التقوى تنتقل من شهر رمضان إلى ما بعده وقد تسلحت بسلاح التقوى ، وقد لبست لباس التقوى ارتديت هذه الأخلاق القويمة وهذه الالتزامات السامية التي تسمو بك إلى رضوان الله وتكون سبباً لدخولك جنته .
أجل مما حذر منه النبي r سوء الخلق ، ومما أمر الله تعالى به وأمر به النبي r حسن الخلق ، بل إن مدار ديننا كله على حسن الخلق ، اليوم أيها المسلمون وفي شهر رمضان وبعد رمضان وقبل رمضان ، نحن بأمس الحاجة لأن نؤكد هوية إسلامنا ، هوية إسلامنا بالتمسك بالفضائل وتطهير أنفسنا من الرذائل ، هوية المسلم أن يكون وقافاً عند حدود الله ، فكلمة مسلم أي المذعن المطيع الخاضع لله سبحانه وتعالى ، واليوم الإسلام يشوه ويحارب ممن يرتدون لباسه مما يفعلونه من سفك للدماء واعتداء على الحرمات و اغتصاب للأموال وتدمير للحضارة وتقويض للبناء وقصف للمساجد والمشافي وباسم الإسلام يدمر الإسلام ، فلنكن نحن المظهر الصحيح للإسلام ، إذا كانت الدعوة باللسان أمراً مطلوباً فإن الدعوة أفعل وأجدى عندما تكون بالتنفيذ والعمل ، فكم كان الإنسان بالتزامه داعية أقوى منه بكلامه ولسانه ، عندما تطبق الإسلام بأخلاقك بصلتك لرحمتك بحسن جوارك بأخلاقك مع الناس ، عند إذن تكون خير داعية للناس حتى وإن لم تلق في الناس محاضرة أو درساً أو تكتب كتاباً أو تنشر مقالاً ، الدعوة بالحقيقة أن تترجم الإسلام بسلوكك ، النبي r كان خلقه القرآن ، جمع بين الخلق والكلمة ، فلنكن كذلك .
أقول : بالصوم تتحرك مشاعر الرحمة في القلوب تجاه الفقراء وما أكثرهم ، الذين دفعت بهم الفتنة إلى الفقر بعد الغنى وإلى التشرد بعد الاستقرار والأمان ، هؤلاء هم من خيرة الناس وهم من أعف الناس ، فما ينبغي أن ننساهم ، هم كالمهاجرين بالنسبة للأنصار عندما شاطرهم المسلمون البيت والمال وكل شيء ، فلنكن لهم كما كان الأنصار للمهاجرين ، ليكون ذلك جواباً ورداً على الجرائم التي ترتكب هنا وهناك ، وسبيلاً نستمطر به رحمة الله عزَّ وجل لكي ننال فضله وإحسانه والراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، وعندما يرحمنا الله تزول الغمة ، وعندما نتق الله يجعل لنا مخرجا ويرزقنا من حيث لا نحتسب .
خطبة الجمعة 26 -06 -2015

تحميل



تشغيل

صوتي