مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 12/06/2015

خطبة د. توفيق البوطي: الاستعداد لشهر رمضان


الاستعداد لشهر رمضان
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: )شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( وقال سبحانه:) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ( روى البخاري عن أبي هريرة t عن النبي r قال:"من صام رمضان إيماناً واحتساباً ،غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" وروى أحمد والدارمي في سننه t عن النبي r أنه قال:" كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ –وفي رواية إلا الجوع والعطش- وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر" وروى البخاري عن أبي هريرة t قال قال رسول الله r: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" أي لن يستفيد من صيامه، وروى الطبراني عن محمد بن مسلمة قال قال رسول اللهr:"إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن تصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً"
أيها المسلمون، مع قدوم شهر رمضان المبارك يكون الاستعداد لاستقباله بمراجعة المرء لحاله مع ربه، وحاله مع الخلق بالعودة إلى نفسه ليحاسبها، كم قصر في حقوق الله وكم أدى منها، وكم سوّف فيها وكم بادر إليها، وفي حقوق العباد، لذلك عليه استعداداً لهذا الشهر وحتى ينال من بركاته أن يصلح فيما بينه وبين ربه، ويصلح فيما بينه وبين الناس، فينال بذلك رحمة الله عزَّ وجل، يصل رحمه، يبر والديه، يصحح علاقته مع جيرانه، يرد لأصحاب الحقوق حقوقهم، ويعلن لربه التوبة النصوح بشروطها من إقلاع عن الذنب وندم على فعله، وعزم على عدم العودة ورد الحقوق. مع قدوم شهر رمضان المبارك يوطن الإنسان نفسه ليجعله شهر عبادة، شهر طاعة، شهر إقبال على الله عزَّ وجل، فنهاره صيام وليله قيام، وبصدق النية مع الله عزَّ وجل والإخلاص له يغدو نوم المرء استعانة على العبادة عبادة، ويغدو سعيه في رزق وكسب قوت عياله ابتغاء مرضات الله عزَّ وجل أيضاً عبادة يتقرب بها إلى ربه سبحانه وتعالى. فالإخلاص هو السر الذي يجعل العادة عبادة، وغياب الإخلاص يجعل العبادة عادة، مع قدوم شهر رمضان الذي رأينا أن الآيات القرآنية ربطت بينه وبين القرآن )شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ( وقد كان جبريل عليه السلام يدارس النبي r القرآن في شهر رمضان، وفي السنة الأخيرة من حياته دارسه القرآن مرتين، وشهر رمضان وارتباطه بالقرآن حافز لنا أن نوثق صلتنا بكتاب الله عزَّ وجل ونزيد من إقبالنا على تلاوته بالتدبر، إلا أن من المهم أن نلفت النظر إلى شيء وهو أن تلاوة القرآن إنما تكون بالتعلم، والتعلم إنما يكون بالتلقي، ومجالس القرآن في بلادنا عامرة بفضل الله تعالى للصغار والكبار، وللنساء وللرجال، فما ينبغي أن نضيعها، فالنعمة إذا أهملت فقدت.
مع قدوم شهر رمضان تستنفر شياطين الإنس والجن لإفساد رونق هذا الشهر عليك، وإضاعة بركته لتفقدها. ولكي لا تكتسب من أنوار هذا الشهر، وذلك بجهد يستمر طيلة السنة من أجل برامج رمضان، وإكراماً لشهر رمضان تداس حرمة رمضان، وتمزق حرمة شهر رمضان، ببرامج قذرة يبتغى بها إفساد الشاب وإفساد الفتاة وتقويض الأسرة وتدمير المجتمع، ونشر المباذل والموبقات، وهذا شأن دوائر الشيطان في شتى أنحاء العالم؛ تحرص على أن تفسد علينا رونق شهر رمضان، ألا فلنقاطع نوافذ الشيطان التي تضخ أنواع السموم والمفاسد ابتغاء تضييع بركة شهر رمضان وإفساد شبابنا وفتياتنا؛ بل إفساد الأسرة بكل أبنائها كباراً وصغاراً من خلال تلك البرامج القذرة التي تضخ عبر كل القنوات، هذه القنوات ليست لنا، هي علينا، ولذلك فلنكن حذرين ولا نستجلب سخط الله عزَّ وجل علينا، ولقد علمنا أن رحى الفتنة إنما دارت في بلادنا بعد أن بثت برامج تنتهك فيها حرمة هذا الشهر، ويستهزأ فيها بكتاب الله عزَّ وجل، ولقد حذر الإمام الشهيد رحمه الله من سموم تلك البرامج ولكن قدر الله أن تبث لكي نرى أثر سمها في حياتنا ولا نزال نرى.
أيها المسلمون، علينا أن نقاطع موائد الشيطان التي يراد أن يصدونا بها عن سبيل الله، ولا أدري كيف يسعى بعض أبناء وطننا على ترويج مثل تلك القذارة ووطننا يعيش على آلام ومصائب دخلت كل بيت، وأصابت كل شبر من وطننا ونالت من كل أسرة، أفيرقصون على جراحنا !!! لذلك فإن خير رد على ذلك أن نوصد نوافذ الشيطان دوننا ودون أسرنا، وأن نجعل بيوتنا بيوت تلاوة للقرآن بيوت ذكر بيوت طاعة بيوت إقبال على الله عزَّ وجل، نقوم في صلاة التراويح ونعود إلى بيوتنا لنستعين بالنوم على يوم جديد نصلي فيه الفجر في المسجد إن تسنى لنا أن نتهجد ركعات فذلك هو الخير والأفضل، أما أن نفسد صيامنا وقيامنا بسموم تلك البرامج فما ينبغي لنا أن نكون على مثل ما وصف الله عزَّ وجل )كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا (.
أسأل الله سبحانه أن يبارك لنا في شهر رمضان، وأن يجعله شهر انتصارات لا شهر هزائم، شهر توبة لا شهر معصية، شهر صحوة لا شهر انتكاسة، شهر إقبال على الله لا شهر إعراض عن الله.
أقول قولي هذا وأستغفر اله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 12-06-2015
لمشاهدة الخطبة على اليوتيوب


تشغيل

صوتي