مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 22/05/2015

خطبة د. توفيق البوطي: إن النصر مع الصبر


إن النصر مع الصبر
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم:) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ( ويقول سبحانه: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ( وقال في كتابه الكريم: )وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ( وروى الحاكم في المستدرك على الصحيحين عن ابن عباس t قال: قال لي رسول الله r:" يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن الخلائق لو اجتمعوا على أن يعطوك شيئاً لم يرد الله أن يعطيك لم يقدروا عليه، ولواجتمعوا على أن يصرفوا عنك شيئاً أراد الله أن يصبك الله به لم يقدروا على ذلك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا، واعلم أن القلم جرى بما هو كائن"
أيها المسلمون، تجاوزنا أربع سنوات ونحن نعاني، الوطن يعاني، والشعب الصابر يعاني، والجيش المتفتت على مائة جبهة أو يزيد ويقدم الشهداء يوماً بعد يوم إزاء حرب كونية شرسة يعاني. أجل كلنا نعاني ولكن وطناً بحجم وطننا وشعب بحجم شعبنا وجيش بقدرة جيشنا المتواضعة يثبت أمام هذه الهجمة الكونية، أمام هذه الحرب الشرسة، لا شك أن هذا الذي نراه، على الرغم من كل ما فيه من مرارة، فيه دلالة على أن الله سبحانه وتعالى مؤيد لهذا الوطن. والأمر يتطلب منا أن نصبر، فإن النصر مع الصبر، وإن مع العسر يسرا. إن هذه الشدائد أقساط ندفعها، وإن تلك التضحيات هي عبارة عن أثمان نشتري بها مصير هذه الأمة ومصير هذا الوطن ليبقى مهما كلف الأمر ولينتصر مهما طال الطريق.
أقف أمام مسألة الصبر، لقد ضاقت الصدور وكاد الصبر أن ينفذ، واشتد الكرب ولم يعد لدى الناس مزيد من التحمل، ولكن وعد الله U هو الذي يمنحنا عزيمة لمستقبل يبتسم لهذه الأمة بإذن الله.
الصبر عزيمة وقوة وثبات وتحمل، الصبر ليس استكانة، الصبر ليس ضعفاً، الصبر صمود، الصبر ثبات، الصبر قوة في مواجهة ما نرى من مخاطر تحدق بأمتنا تستهدف ديننا تستهدف أعراضنا، تستهدف وطننا، تستهدف وجودنا، تستهدف مقدرات هذا الوطن، تستهدف كل شيء حتى الحجارة مستهدفة أيضاً، الصبر سجية يتمتع بها الإنسان بمقدار ثقته بربه، ثقته بالله؛ فالمؤمن هو الذي يثق بوعد الله عزَّ وجل لعباده الصالحين الصابرين، الثابتين على هديه الصامدين في مواجهة الشر وقواه والعدوان وأساليبه، المؤمنين بوعد الله عزَّ وجل )إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ( فتهون عليهم الصعاب ولا يبالون بالشدائد، ولا يتسلل اليأس إلى قلوبهم على الرغم من الأقساط التي تدفعها هذه الأمة من دماء أبنائها من ثرواتها من مقدراتها. إلا أن الأمل بالله عزَّ وجل والثقة بتأييده يجعلنا نرمق في الأفق شعاع النصر وقد أطل على أمتنا، وأسباب الفرج تتحقق بإذن الله تعالى خلال الأيام القريبة.
شهر رمضان شهر النصر، شهر رمضان انتصرت فيه الفئة القليلة على طغيان قريش، شهر رمضان شهد فتح مكة، وسيرى المسلمون إن شاء الله بمقدار صبرهم – وشهر رمضان شهر الصبر، شهر الجهاد، شهر الانتصارات – سنجد فيه بإذن الله تعالى أسباب تثبيت أقدامنا وتجاوز معضلاتنا واقتطاف ثمرات صبرنا بإذن الله سبحانه وتعالى، ولكن أيها المسلمون أخاطب وبين يدي مدنيون، ولكني من خلالكم أخاطب أبناءكم المقاتلين الصابرين على حرب شرسة تدفقت من خلالها عصابات الشر، تستهدف أعراضكم تستهدف وطنكم، تستهدف مقدراتكم، تستهدف مساجدكم، تستهدف مصانعكم، تستهدف كل شيء في هذا الوطن وبدأً من الدين الذي نعتز به ونتشبث به تستهدف هذه الأمة بكل مقوماتها، أقول: إن النصر لن يتحقق إلا بمقدار ما نتمسك بأسبابه ونتشبث بشروطه، اسمع ما قاله النبي r:"احفظ الله يحفظك" أقول للجندي في جبهات القتال، وأقول للمدني الصابر على اللأواء، وأقول للمرأة والطفل ولكل إنسان في هذا الوطن، احفظ الله يحفظك، احفظ الأمانات، احفظ الحقوق، احفظ شعائر الله، احفظ المقدسات احفظ أوامر الله يحفظك، يحفظ وطنك، يحفظ مقدراتك، يحفظ آثارك، يحفظ مساجدك، يحفظ عرضك، يحفظ أموالك. وتستعيد ما كان قد تعرض لاستلاب أو عدوان، نعم ستعود العزة والكرامة والوحدة والقوة سيعود كل ذلك بإذن الله تعالى، ولكن على يد من أدى الشرط، احفظ الله تجده تجاهك يؤيدك يثبتك يعطيك ينصرك، ويريك المعجزات وبإذن الله عزَّوجل " تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة" قلنا هذا الكلام واليوم نقوله مرة ثانية لنعلم من أين لدغنا، نسينا ربنا في الرخاء فتعرضنا لما نراه من الشدة "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة".
إن ما ينال المرء من الشدائد ومن المصاعب والابتلاءات ما هو إلا مجرد مصاعب في طريق النصر، في الطريق الهادفة إلى النصر إلى الهدف العظيم، وقد يكون ما نراه؛ بل إن الذي نراه نتيجة أخطاء ومعاصٍ نرتكبها، أوَ ما قال ربنا تبارك وتعالى (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) إن بإمكاننا أن نتدارك الأمر، إن بوسعنا أن نستدرك أسباب النصر، أن نستدرك الطريق ونستعيد زمام المبادرة بأن نعود إلى ربنا، وأن تترفع نفوسنا عن الإساءة وعن التقصير بحق الأمة وحق الله، بأن نحافظ على شعائر الله، إذاً سنكون بعون الله عزَّ وجل قد أمسكنا بشروط النصر، وقد تحققت لنا أسبابه بإذنه سبحانه وتعالى، وعندئذٍ بمقدار ما استذكرنا قوله سبحانه)وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ( ونستذكر أيضاً قوله تعالى )وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ( بشر الصابرين الثابتين الذين لا يبالون بالخطر ويقتحمونه ويؤدون الأثمان كاملة؛ إذا سيكون لهم الطمأنينة في الدنيا والفوز في الآخرة )وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ # الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ # أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (
أيها المسلمون، إننا بوعد الله عزَّ وجل )وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا( وبوعده عزَّ وجل لرسوله الذي رواه لنا حبيبه المصطفى إذ قال : " إن الله تكفل لي بالشام وأهله " إننا واثقون بوعد الله لنا بالنصر والفرج، فإن لم يكن ذلك على أيدينا لأننا نقصر فإنه سيتحقق على يد من يختارهم الله عزَّ وجل رجالاً وفوا حق الله عزَّ وجل، ويتحقق على أيديهم النصر وينخذل من انخذل وينتصر عندئذٍ الحق بإذن الله عزَّ وجل )إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ # نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ - في الحياة الدنيا بالتأييد والنصرة والهداية - وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ # نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ # وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(
أيها المسلمون لا يتسللن اليأس إلى القلوب، ولا تدَعوا الشدائد تنال من عزيمتكم تنال من صبركم، فإنني والله لمطمئن إلى وعد الله عزَّ وجل فأما من انخذل فقد خذل نفسه، وأما من ثبت فقد خطا الطريقَ إلى تأييد الله ونصره.
خطبة الجمعة 22-05-2015
لمشاهدة الخطبة على اليوتيوب


تشغيل

صوتي