مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 01/05/2015

خطبة د. توفيق البوطي: لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء


لا تتخذوا عدوي وعدوّكم أولياء
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون ، يقول ربنا جلَّ شأنه في كتابه الكريم:
)يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ( وروى البيهقي في دلائل النبوة بإسناده: أن بني قينقاع كانوا أول اليهود نقضاً للعهد بينهم وبين رسول الله e وحاربوه بين غزوتي بدر وأحد، حاصرهم النبي e حتى نزلوا على حكمه، فقام عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله e حين أمكنه الله تعالى منهم قال: ( يا محمد أحسن في موالي ) – وكان اليهود متحالفين مع الخزرج – فأبطأ عليه رسول الله e، فقال:( يا محمد أحسن في موالي)، فأعرض عنه فأدخل يده في جيب درع رسول الله e، فقال رسول الله e: " أرسلني " وغضب حتى رؤي لوجه رسول الله e ظلال، فقال له:" ويحك أرسلني" فقال: ( والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة إي والله إني لامرؤ أخشى الدوائر ) فقال رسول الله e :" هم لك ". والنبي e في الأصل من خلال مجريات الأمر لم يكن يقصد أن يقتلهم، ولا أن يستأصلهم، ولكن المسألة كشفت هوية هذا الرجل المنافق، وحقده على الإسلام وولاءه لأعداء الإسلام. بينما مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله يوم ذاك – يوم أراد طرد بني قينقاع – وكان أحد بني عوف بن الخزرج، لهم من حلفهم مثل الذي كان من حلف عبد الله بن أبي فخلعهم إلى رسول الله e وتبرأ من ذلك الحلف، تبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم. وفي رأس النفاق نزل قوله تعالى: )فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ( ونزل في عبادة t قوله تعالى: )إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ #وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (
أيها المسلمون، نحن في العام الخامس من محنة اشتد أوارها وأحكمت حلقاتها ضد بلادنا وضد أمتنا، بدأت من بلاد أخرى وحطت رحالها هنا، كما أنها بدأت تشتد على اليمن فيما نراه من أخبار مؤلمة ومؤسفة، مجريات هذه الأحداث بلا شك إذا أصغينا إلى الآية التي قرأناها، وإلى قصة طرد بني قينقاع من المدينة، وردة الفعل عند رأس النفاق والذي يسمى بالمصطلح السياسي المعاصر العميل، والذي أراد أن يخدم اليهود في مواجهة النبي e، واشتد على النبي r وتجاوز الحد الأدنى من الأدب لأنه لا أدب عنده، ولأنه رأس النفاق، فقد كان يظهر الإيمان ويبطن الكفر، أقول إن مجريات الأحداث تدل على تشابه بين ما جرى في عصر النبوة وما يجري في عصرنا. فقد استنسخت في هذا العصر عن عبد الله بن أبي بن سلول نسخ كثيرة، تكرر موقفه وتتحالف مع العدو ضد الأمة وضد الوطن، ضد الأمة التي ينتسبون إليها، يتحالفون مع العدو ليحاربوا أمتهم، ويحاربوا بلادهم، هنا لا بد أن أتساءل، ترى هل الهدف شخص؟ لا والله ليس الهدف شخصاً، فقد قضوا على الشخص في مصر وفي ليبيا فهل انتهت الدوامة، أم إنها ابتدأت عندئذٍ! وقضوا على الشخص في اليمن فهل انتهت الدوامة ؟! أم إنها في تفاقم أكثر فأكثر، الهدف ليس الشخص، الهدف أن تشتعل البلاد بفتنة تقضي عليها، لتعيش إسرائيل في أمان وطمأنينة. الهدف أن تستقر أوضاع إسرائيل، وتتمكن من بيت المقدس كما تشاء، ولكي تستطيع أن تمد سلطانها على المناطق المحيطة بها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، هذا هو الهدف وليس أكثر من ذلك. وطبعاً هذا الهدف لن يتحقق بسهولة؛ هناك مخططات، ويشهد منبر هذا المسجد أن هذه المخططات كان قد تحدث عنها خطيب هذا المسجد الشهيد رحمه الله، عندما نقل عن تقرير لمجلس الأمن القومي الأمريكي، والذي تنفذ بنوده اليوم في توصيات منها: إشغال المسلمين بتناقضات ليحارب كل منهم الآخر للقضاء على قوتهم، عدم السماح للمسلمين بالوصول إلى المواقع الحساسة، عدم إحضار عمالة عربية مسلمة إلى الخليج العربي والاكتفاء بالعمالة الأسيوية غير المسلمة، ليكون في ذلك تأثير على البنية السكانية وعلى الثقافة التي يتمتع بها أبناء تلك المنطقة، تغيير النظم الحكومية الرافضة للسير في الفلك الأمريكي، توظيف الذين درسوا في الغرب وأعطوا ولاءهم له، خلق العداوات بين التيارات الإسلامية، القضاء على كل الفعاليات الإسلامية والحيلولة دون وصولها إلى الإعلام. نعم هذا هو المخطط، وفي تقرير نشرته مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية عام (1992) يجب تقطيع جسور التواصل والتضامن بين الدول العربية، في هذا العصر تضامنوا على أن لا يتضامنوا، تضامنوا على أن يقتل بعضهم بعضاً، تواطؤوا على تمزيق جسدهم بحربة إسرائيلية أُعطُوها ليُعمِلوها في أجسادهم، يجب تقطيع جسور التواصل والتضامن بين الدول العربية، العمل على إيجاد أكبر قدر من التشاكس والخصومة والصراع بين شعوب المنطقة وحكامها، إيجاد تناقضات بين الحكام والشعوب، لأن هذا يؤدي إلى عدم الاستقرار، وعدم الاستقرار يؤدي إلى ضعف الأمة وتخلفها وانتهائها، والعمل على إيجاد أكبر قدر من التشاكس بين شعوب المنطقة وحكامها حتى يسود العنف والقلق والاضطراب، هناك يهودي اسمه (برنارد لويس) مؤرخ شيخ هرم، لكنه لم يهرم حقده، يضيف إلى ذلك المخطط: تفكيك المنطقة من خلال إثارة الفتن الطائفية.
أتساءل اليوم: هل تلون المنطقة بألوان متعددة من الطوائف هل هو أمر جرى في عام(2001، أو في عام2010) أم إنه موجود منذ فجر تاريخ المنطقة؟ هل المسيحيون حديثو عهد بهذه المنطقة ؟ هل هم شيء طارئ ؟ هل وجود سنة وشيعة وغير ذلك من فئات هل هو أمر جديد طارئ على المنطقة؟ أم هو أمر موجود منذ القدم تعايش معه الأجداد وأجداد الأجداد ، وعاشوا وهم يبنون العلاقة فيما بينهم على أساس الحوار، ولم يجرِ أن تكون العلاقة قائمة على أساس سفك الدماء وإثارة التناقضات. ولقد مرت بنا تجربة يعيها من يعيها امتدت حتى الثمانينات من القرن الماضي، يوم قامت الفتنة في لبنان، فماذا حصدت تلك الفتنة غير سفك الدماء، رجعوا إلى المربع الأول ليعيشوا بعد ذلك تجديد أسباب تلك الفتنة مرة أخرى، لعل اللبنانيين يعون ذلك جيداً. ولعل كل عاقل يدرك مدى خطورة بقاء هذا التشاكس والصراع الإثني فيما بين أبناء المنطقة وإلامَ يهدف، أجل يهدف إلى شيء واحد إضعافكم وتمكين تلك الدويلة القذرة من مقدساتكم ومن مصالحكم في المنطقة.
أيها المسلمون، هناك من يمد يده إلى أميركا يستجدي منها ضرب سورية، وهو يحمل اسماً مسلماً وعربياً، وينتسب إلى بلادنا، أي بلد كان سوريا مصر ليبيا أياً كان، استجدوا من العدو ضد الوطن والصديق، فماذا جنوا وماذا سيجنون؟ ألم يحذر الله تعالى من أن نتخذ العدو ولياً لنا وصديقاً )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ( لا،لم يعد هناك موجب للسر أصبحت هناك وقاحة – لا أقول إعلان – أصبح الولاء بكل صفاقة ووقاحة، ألم يكن موقف عبد الله بن أبي بن سلول أن يسارع في ولائه لأعدائه يقول نخشى أن تصيبنا دائرة؟ الصورة متكررة، هناك مستنسخ عن عبد الله بن أبي بن سلول، ترى ماذا سيجني هؤلاء من عدونا والذين تحالفوا معه؟ شيء معروف أن الذي يخون أمته لن ينال ثقة عدوه، العدو يستعملهم إلى أن يستنزفهم ثم يركلهم إلى الجحيم، لم يكن العدو يوماً وفياً لعملائه، بل لم يكن العدو يوماً وفياً بوعوده، اتفاقية السلام مع مصر ماذا حققت لمصر؟ وكم كان اليهود الأعداء أوفياء لتلك الاتفاقية؟ إنها مجرد تنازلات للعدو من أجل بقاء الكرسي لصاحبه.
أيها المسلمون إنما هو امتحان إلهي، لينكشف مدى الإخلاص والوعي أو مدى الخيانة والغباء، أما ما سوف يكون: أيها المسلمون، لن يكون هناك أشد مما كان، الحق سينتصر بنا أو بغيرنا، نقول للنفوس المريضة اركعوا واسجدوا لعدوكم ما طاب لكم الركوع والسجود، وستبيض وجوه عرفت الحق وأخلصت له، وستسود وجه تجاهلت الحق وخانته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 2015-05-01
لمشاهدة الخطبة على اليوتيوب


تشغيل

صوتي