مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 24/04/2015

خطبة د. توفيق البوطي: ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً


ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون، يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: )وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا # يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا # لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا ( وقال جلَّ شأنه: ) قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ # يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ # أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ # قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ # فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ # قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ #وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ #أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ #إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ # إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ # لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ ( روى البخاري عن أبي موسى الأشعري t قال: قال رسول الله e "إِنَّمَا مَثلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ وَإمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً" وعن أبي هريرة رضي الله عنه فيما رواه الحاكم في المستدرك " الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ ".
أيها المسلمون، شأن العاقل أن يحرص على نفسه من أن تنزلق به قدمه إلى المهالك والانحرافات، شأن العاقل أن يشغل وقته بما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه، وبما يقربه إلى الله. ومن أنفع ما يحقق له السلامة والخير مصاحبة من ينفعنا حاله، يقول ابن عطاء الله السكندري: (صاحب من ينفعك حاله ويدلّك على الله مقاله) الصاحب والمجالس قد يكون إنساناً مثلنا نجلس معه فنتحدث إليه ويتحدث إلينا، فيكون في تبادل الأحاديث ما يؤثر في النفس سلباً أو إيجاباً نفعاً أو ضراً، هداية أو ضلالة. لا بد أن يتأثر الإنسان بمن يجالس وبمن يصاحب، فالإنسان مرآة تنعكس عليها الصور والأصوات والمواقف والآراء. ولابد أن تعطي أثرها بشكل من الأشكال، وليس من العقل ولا من الحكمة ولا من الرصانة أن يتقبل المرء كل ما سمع، وأن يقر بكل ما رأى، كلنا إذا عدنا بذاكرتنا يدرك كم أودى بنا تضليل وسائل الإعلام، ومن يقف وراء تلك الوسائل، حتى ضل من ضل من شبابنا، وهلك من هلك من أبناء أمتنا، وصاروا في مهالك ضلالتهم، كلنا يستطيع أن يعود بذاكرته إلى تأثير ذلك الصديق الذي ابتسم لي طويلا وأضحكني كثيراً، ولكن بعد ذلك كان يضع لي المزالق وينصب لي الشباك ليودي بي وليرمي بي في المهالك، وعندما أقول المجالس لا أعني بالمجالس هذا الإنسان، فوسائل الإعلام مجالس أخطر، والكتاب و المجلة مجالس خطير، نحن ينبغي أن نكون على حذر، فليس كل من لبس عباءة دينية كان مقبولاً، فلربما روى المرء حديثاً عن رسول الله e ويقول لك العلم والشرع: لا تقبل. كيف وهو يروي لنا عن رسول الله !! نعم لا تقبل إلا ما صحت روايته، لا تقبل إلا ما استوثقت من صحة إسناده وتأكدت من أنه فُسِر على الوجه الصحيح فليس كل خبر فسر على وجهه الصحيح، وليس كل خبر صحت نسبته إلى مصدره، كم من الناس من يضلل باللهجة الدينية أو بمظاهر المودة والمحبة أو بدعوى الحرص. لقد طرحت شعارات دينية، وطرحت شعارات وطنية، وطرحت شعارات إصلاحية، وطرحت شعارات الحرية... فماذا جنت بلادنا؟ وماذا جنى أبناؤنا؟ وماذا جنت مجتمعاتنا من تلك الصيحات وتلك العلاقات التي أودت بمن غُرر بهم إلى مهالكهم، نعم، فلربما الكلمة سبباً في ارتداد عن دين الله، و لربما كانت الكلمة سبباً في انزلاق الإنسان إلى الرذيلة والانحراف، ولربما كانت الكلمة سبباً في فساد العلاقة بين زوجين أو بين الابن وأبيه والجار وجاره والصديق وصديقه، فلربما سولت النفوس المريضة للإنسان الساذج البسيط الأمور الفاسدة. وربنا تبارك وتعالى يحذرنا من أن نصاحب من لا ينفعنا حاله ويضر بنا مقاله، ويبين لنا أن مصير من صاحب صاحب السوء أن يودي به، عودوا إلى الآيات التي قرأتها )وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا # يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا # لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا ( والشيطان قد يكون شيطان جن، وقد يكون شيطان إنس، وقد يكون وسيلة إعلام، وقد يكون كتاباً ملئ بالضلالات التي ألبست ثوب العلم أو الدين، كم ممن ارتدى عباءة الدين وهو شيطان رجيم، نعم وليس من اليوم؛ بل منذ فجر تاريخنا علمتنا الأحداث أن هناك من يلبّس على الناس دينهم "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم" ديننا علم وليس خرافة، ديننا علم ليس إفساداً، ديننا نستوثق فيه من مصادره وندرك فيه معانيه ومقاصده ولا نرمي بأنفسنا ولا بأبنائنا ولا بإخواننا إلى المخاطر والمفاسد، كم أودى بشبابنا صاحب السوء فضللهم وأهلكهم، وكم كان استدراج كثيرين إلى مهالكهم فأودت بهم، وكم من صديق في ظاهره عدو في حقيقته، وكم من مرشد في دعاواه مفسد في مقاصده ونواياه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
&nbs


تشغيل

صوتي