مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 20/02/2015

خطبة د. توفيق البوطي: من صفات النبي صلى الله عليه وسلم


من صفات النبي صلى الله عليه وسلم
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم في الثناء على نبيه المصطفى r: )وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ( ويقول جلَّ شأنه: )فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ( ويقول سبحانه ممتناً على هذه الأمة ببعثته r )لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ( الثناء على النبي r بما حباه من محاسن الأخلاق وشريف الشمائل أمر كثر ذكره في كتب السلف الصالح، وخصص بعضهم كتباً برمتها في معرض بيان شمائله r وكريم صفاته، ويطول حديث لو أننا استقصينا أو ذكرنا الكثير منها في مجلس واحد فهي كثيرة، وقد ذكرت بعضاً منها في خطب ماضية، وسوف أختار من حديث رواه البيهقي عن كلٍ من سيدنا الحسن والحسين t ريحانتي رسول الله r وسبطيه، عندما سأل الحسن خاله هند بن أبي هالة t عن حلية رسول الله r وصفاته، وكان مما سأله صف لي منطقه، قال: "متواصل الأحزان دائم الفكرة، ليست له راحة، لا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتح الكلام ويختمه بأشداقه – لا يتكلم من طرف فمه شأن المتكبرين – يتكلم بجوامع الكلم – كلمات قليلة ذات معانٍ كثيرة وكبيرة – كلامه فصل لا فضول ولا تقصير - ليس بموجز إيجازاً يخل ولا طويل طولاً يمل - دمث ليس بالجافي ولا المهين يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئاً، لا يذم ذواق – الطعام الذي يمكن أن يقدم له، إن أحبه أكله وإن كرهه تركه، ولم يعبه فهو نعمة من الله عزَّ وجل والناس أذواق، ولا يلام المرء على ما يستحسنه ومالا يستحسنه، ولكن أن يذم نعمة الله عزَّ وجل فذلك أمر قبيح – قال: ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها – لا يغضب لأمر الدنيا – وإذا تعوطي الحق – أي إذا تعدى إنسان على أمر الحق وحدوده -لم يعرفه أحد – أي تجاوز كل الموجودين ولم يقبل في الحق مساومة أبداً - ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر للحق - لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها – إذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث اتصل بها فيضرب باطن راحته اليمنى بباطن إبهامه اليسرى، إذا غضب أعرض وأشاح وإذا فرح غض طرفه، جلُّ ضحكه تبسم، ويفتَرّ عن مثل حب الغمام، قال الحسين:" سألت أبي – علي t- عن دخول رسول الله r، قال: كان إذا دخل بيته جزأه ثلاثة أجزاء، جزءاً لله تعالى وجزءً لأهله وجزءاً لنفسه، ثم جزء جزأه الذي اختص نفسه به بينه وبين الناس – بمعنى أنه يعطي الناس من خاصة نفسه – فلا يعتذر عن قادم ولا يرد سائلاً، وإذا تكلم مع الناس فنصح كان يقول:" ليبلغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إبلاغه إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة" وكان r يخزن لسانه – يمسك لسانه، إلا مما يعنيهم ويؤلفهم ولا يفرقهم، أو لا ينفرهم، يكرم كريم كل قوم، يحترم وجوه الناس وينزلهم منازلهم، ويولي خيرهم عليهم، كان يتعامل مع الناس بالبشر مع كون ذلك لا يمنع أن يكون على حذر، يحترس منهم من غير أن يطوي عن أحدهم بشره، دائم البشاشة حتى وإن كان على حذر، فهو يحذر ولا يحقد، ويبتسم وليس بغافل ولا بجاهل ما قد يكون من المرء من إساءة، يتفقد أصحابه ويسأل عمن غاب منهم، يحسّن الحسنَ ويقويه، ويقبّح القبيح ويهينه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل عمن حوله مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، لا يوطن الأماكن – لا يجعل مكانا ما من المسجد أو من المجالس مختصاً به، ويكره أن يختص إنسان بمجلس، كان يجلس حيث انتهى به المجلس ويأمر الناس بذلك - ويولي كل جلسائه اهتمامه، فيشعر كل فرد منهم أنه موضع اهتمامه، لا يفرد أحدهم بالاهتمام عمن سواه، ولا يغفل أحداً ممن حوله إحساناً ولطفاً وإيناساً، من سأله حاجة لم يرده إلا بحاجته أو بلطيف من الكلام وميسور من القول، وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أباً وصاروا عنده في الحق سواءا، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترتفع فيه الأصوات يتفاضلون فيه بالتقوى متواضعين يوقرون فيه الكبير ويرحمون الصغير، يؤثرون ذوي الحاجة ويحفظون الغريب، قلت: كيف كان سيرته في جلسائه؟ قال: كان رسول الله r دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخَّاب في الأسواق، ولا فحاش ولا عيّاب ولا مزّاح، يتغافل عما لا يشتهي – عندما يرى أمراً لا يستحسنه يتغافل عنه، ولا يؤيس منه راجياً ولا يخيب، قد ترك نفسه من ثلاثة أشياء، المراء، أي: الجدال الذي لا فائدة منه، والإكثار أي المبالغة، ومالا يعنيه، وترك الناس من ثلاث – أعفى الناس من نفسه من ثلاثة أشياء - كان لا يذم أحداً ولا يعيره، ولا يطلب عورته يبحث عن عيوبه – لا يرضى بأن يبحث عن عيوب الآخرين، ولا يشتهي، ولا يؤيس منه راجيه ولا يخيب، إذا تكلم r أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير أدباً معه r، وإذا سكت تكلموا.
روى مسلم عن النبي r أنه قال:" إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي، يختصر من صلاته، مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه "- r - وإن كان الأعرابي ابن البادية الجافي القاصي يأتي النبي r يطلب منه بغلظة وخشونة وقسوة فيبتسم له النبي r يقابل قسوته بابتسامة ولطف ويعطيه، ولربما غضب الصحابة من سوء تصرف بعض الأعراب، فيقول النبي r:" ألا إن مثَلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت فاتبعها الناس، يريدون أن يمسكوها ليردوها إلى صاحبها، فلم يزيدوها إلا نفوراً، فناداهم صاحب الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها وأعلم، فتوجه لها صاحب الناقة بين يديها وأخذ لها من قمام الأرض فردها هوناً هوناً هونا حتى جاءت واستناخت وشد عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال – قسى الأعرابي على النبي r- فقتلتموه دخل النار " هذه أخلاق حبيبنا المصطفى r بها فتح القلوب، بها أضاءت الدنيا ابتساماً وسرواً لدعوته، فخلف من بعدهم خلف ضيعوا محاسن الأخلاق، وسلكوا مسالك العنف والغلظة والشدة، فنفّروا بدلاً من أن يبشروا، وعسّروا بدلاً من أن ييسروا، لا لأن إسلامنا هكذا، ولكن لأنهم كلفوا بمهمة من أعداء الإسلام أن ينفروا عن الإسلام بذلك، أمروا أن يصوروا الإسلام بهذه الصورة المنفرة لكي يشوهوا ديننا ويسيئوا إلى قيمه ومفاهيمه، أقبل الناس على الإسلام إقبال المصاب بالظمأ في يوم شديد الحر على ماء عذب بارد، فوقف هؤلاء حاجزاً بين الناس والإسلام يشوهونه وينفرون الناس منه، الإسلام أخلاق لطيفة، ومعاملة طيبة، وسريرة صافية وابتسامة تؤنس، لا تقطيباً يوحش وينفر، الإسلام محبة وعفو ورحمة، قال تعالى )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ(
قبل أن أختتم الحديث أريد أن ننظر إلى أنفسنا اليوم، وإلى تعاملنا مع بعضنا في ضوء حديث من مسار آخر، يقول النبي r في الحديث الصحيح:" أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وحج، ويأتي وقد ضرب هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا وشتم هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، حتى إذا فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم ثم طرحت عليه ثم طرح في النار "
أسأل الله أن يرزقنا حسن الخلق وحسن إتباع رسول الله r
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 2015-02-20


تشغيل

صوتي