مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 06/02/2015

خطبة د. توفيق البوطي: إسلامنا رحمة رغم أنف المجرمين


إسلامنا رحمة رغم أنف المجرمين
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شانه في كتابه الكريم: )وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ #يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ # فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ # وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ # أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ( وقال سبحانه: )وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ # وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ # وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ( وقال سبحانه: ) وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا( روى البخاري عن عبد بن عمرو بن العاص t أن النبي r قال:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " وقال r:" من روع مؤمناً لم يؤمن الله روعته يوم القيامة " وقال r:" لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً " وروى البخاري عن سيدنا علي بن أبي طالبt قال: قال رسول الله r:" يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، بقولون من قول خير البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قلتهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة ".
أيها المسلمون: لو عدنا إلى هدي رسول الله r في المواقع التي خاضها ضد المشركين وضد الكفرة، وهو رسول الله، وهم كفرة، ماذا كان النبي r يوصي من يرسلهم لمقاتلة أولئك الكفرة؟ كان يقول:" بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله r، لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان " خلال الأيام القليلة الماضية حدثت أمور جسيمة وخطيرة، إحراق ذلك الرجل الأردني بصورة وحشية لا يتخيلها الإنسان في الوحشية والهمجية، بل إن الوحوش لتتعوذ بالله من فظاعة ما جرى، وجرى أمرٌ آخر كلنا عشناه، أن تقصف دمشق بسكانها وأهلها ومساجدها ومدارسها وسائر أطرافها، المشكل في الموضوع. هذا أمر يجري عندما تقوم سياسة الحرب والقتال، ولا سيما في عصر لا ضوابط أخلاقية فيه، هذا أمر معهود، ففي الحربين العالميتين قتل عشرات الملايين ودون أن يكون الهدف محدداً، وإن كان في غالب الأحيان يستهدف المواقع العسكرية بشكل رئيسي، لكن الذي جرى في هذه الأيام يجب أن نعود فيه إلى خلفياته، وندرسه دراسة متأنية تحلل طبيعة الحدث، أنا لن أربط بين ما أصاب اليهود في شبعا من هزيمة وقتل لأولئك المجرمين من مقاتليهم، لن أربط بين هذه وذاك فالرابط موجود وهو في ذهن كل إنسان عاقل، إسرائيل ثأرت لقتلاها بعد أن وكلت من يتولى عنها الرد، لن أتحدث عن هذا الجانب، فهذا الجانب لا يحتاج إلى تحليل، ولكن الأخطر من ذلك أننا نجد ربط العمل الوحشي الهمجي الشرس بكلمة الإسلام، إنه مخطط صهيوني أمريكي يراد منه أن يُحارب الإسلام باسم الإسلام، وأن يشوه الإسلام تحت راية تدعي الانتساب إلى الإسلام، فذاك يسمى جيش الإسلام، وأولئك يسمون أنفسهم دولة الإسلام، وكلاهما مرتبط ببرنامج خارجي يقصد منه أمران اثنان، تدمير هذا الوطن، وتشويه الإسلام بالذات، يقصد منه استهداف الإسلام بالذات.
ترى ماذا في مسجد بني أمية من هدف عسكري ليستهدف بقذائفهم! وماذا في كليات جامعة دمشق والمدارس وغيرها من هدف عسكري ليقصد بهذا العمل الهمجي! و أين تجد في أخلاقيات القتال في أي شكل من الأشكال ومع ألد الأعداء المشهدَ الذي أروه عن أنفسهم للعالم كله تحت اسم دولة الإسلام! إنها حرب تستهدف الإسلام، أما أنها تستهدف سوريا فهذا أمرٌ لم يعد خفياً، وعندما نقول تستهدف سوريا؛ أجل هي تستهدف سورية أولاً شعباً، يوم أوجدت شرخا في وسط هذا الشعب فصار بعضه يكره بعضاً وبعضه يقتل بعضاً، وفرت إسرائيل دماء أبنائها، نحن متكفلون بأن يقتل بعضنا بعضاً وبأن نوفر لإسرائيل دماء أبناءها، نحن نكفيهم المؤنة، فنحن نستطيع أن يرمي بعضنا بعضاً وأن يقتل بعضنا بعضاً. إنها خطة شيطانية خبيثة، جعلت البيت الواحد يكره أبناؤه بعضهم بعضا، هل هذا عهدنا بدمشق أو هذا عهدنا بسوريا بأبنائها بعوائلها بأحيائها بسكانها؟ عهدنا بهذه البلدة التي نعيش فيها أن فرح بيت يعم البيوت كلها، وأن حزن بيت يعم البيوت كلها، وأن الإنسان المعوز في أي بيت من البيوت ينسى عوزه لأن أهل المنطقة كلهم يد تمتد إليه بالعون والعطف والمحبة دون أن تشعره بأي مهانة. عهدنا بهذه البلدة أنه عندما تعرضت لبنان للعدوان فتح أهلها بيوتهم وشاطروا اللبنانيين أموالهم ونفقات هذه البيوت، حماية لهم من سطوة العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان، وكلكم يذكر ذلك لمن كان يتذكر، ضيّق سكان دمشق وما حولها، ضيقوا على أنفسهم بيوتهم وأتاحوا المجال ليسكن أولئك مكرمين في بيوتنا. نعم هذا الذي جرى، ما عهِدنا أن يكره الأخ أخاه هذا موالٍ وهذا معارض، الأمور السياسية تعالج بطرق معروفة، وليس عن طريق إثارة الفتنة في البلاد وقتل الناس بعضهم بعضا. منتزهات دمشق الآن أصبحت خراباً يبابا، موارد الرزق أصبحت معسكرات لوحوش بشرية استوردت من هنا وهناك، وتحت راية ماذا؟ تحت راية الإسلام، أي إسلام هذا الذي يستعطف كيري .. ويخطط له بين برنارد هنري ليفي؟ أي إسلام هذا الذي سينهض تحت حماية الغرب المعادي للإسلام والمسيء لرسول الإسلام سيدنا محمد r ؟ أي إسلام هذا الذي يستنجد لقصف دمشق بأميركا؟ كبير دجاجلتهم استعطف أميركا لتقصف دمشق، وكلكم يذكر ذلك، أي إسلام هذا أن يحرق الإنسان وتحت راية اسم الإسلام؟ هذا ليس الإسلام، هذا إسلام أمريكي هذا إسلام صهيوني، و ليس الإسلام الذي أنزله الله عزَّ وجل، أي إسلام هذا الذي يستمطر دمشق بالقذائف ليقتل الأطفال في الشوارع في ساعة انطلاقهم إلى مدارسهم )وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا - مؤمناً واحداً وليس بلدة كاملة، ليس مدينة برمتها- وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ( أرني في كتاب الله عزَّ وجل وعيداً أشد من هذا الوعيد، أي إسلام هذا الذي يدفع بهم إلى قتل العالم وهو على منصة درسه ومعه المئات ليستشهد منهم أكثر من خمسين رجلا؟ أي إسلام هذا الذي يدَّعونه والذي ترعاه دول البغي والعدوان؟ أي إسلام هذا الذي يجعل الأحياء بعض سكانها ضد بعض، ويجعل القرى بعض سكانها ضد بعض؟ أي إسلام هذا أن تجوع الغوطة كلها تحت وطأة الاستغلال والجشع والظلم والبغي والعدوان؟ أهذا هو الإسلام؟ (ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافراً يبع دينه بعرض من الدنيا قليل) ولكن هذا العرض لن يبقى، وسيتسولون حيث التجؤوا وسيتسولون أذلاء صاغرين حيث باعوا وطنهم وباعوا دينهم وباعوا شعبهم. أما آن لنا أن نستيقظ ونعرف العدو من الصديق؟ أما أن لنا أن نعود إلى ربنا؟ أما آن لنا أن نسمع قوله تعالى )إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ( علينا أن نتحسس مواطئ أقدامنا، وأن نراجع أحكامنا، وأن يعانق المتخاصمون بعضهم ليكونوا يداً واحدة في مواجهة الخطر الذي يواجه وطننا وديننا، ليلقوا السلاح، ليكن السلاح في جهة واحدة فقط، في جهة إسرائيل في جهة العدو الخارجي وليس في جهة الأخ والصديق والقريب، لنعد إلى رشدنا لنعد إلى ما أمر الله به عباده المؤمنين )وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ( تقول لهم تعالوا لنتفاوض ونتحادث.. وجوابهم: لا ، لماذا لا؟ ومن هو الذي يقول لا؟ عميل أجير هو لا ينطق باسمه هو عبارة عن أداة تنطق باسم غيره، لا يفر من الحوار إلا الجبان الذي يخشى أن تكشف أوراقه وأن تكشف عمالته وأن تكشف خيانته لشعبه ولأمته ولدينه، أما إننا نرفض أن يقتل بعضنا بعضاً، نرفض أن يوصم الإسلام بهذه الجرائم القذرة تشويها لهذا الإسلام، وسائل الإعلام الأجنبية كلها تركز على ربط هذا الأمر تحت شعار الإسلام، ولكن نقول: إسلامنا الله أنزله ولن يؤثر فيه ولا في سطوع شمسه تلك الأدخنة القذرة التي تثيرها حرائقهم.
أسأل الله أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً وأن يعيد لهذه الأمة أمنها وأمَانها، وأن يعيد إليها حبها وألفتها، وأن يعيد إليها وعيها ومعرفتها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم ولكم فيا فوز المستغفرين.


تشغيل

صوتي