مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 16/01/2015

خطبة د. توفيق البوطي: الرسوم المسيئة وموقفنا من أحداث باريس


الرسوم المسيئة وموقفنا من أحداث باريس
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:) ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلم بمن ضلّ عن سبِيله وهو أعلم بالمهتدِينَ( وقال سبحانه: )ولَقد استهزئ برسلٍ مّن قبلِك فحاق بالّذين سخروا منهم مّا كانوا به يستهْزؤون( يقول الإمام الطبري في معنى هذه الآية يقول: ذكره لنبيه r مسلياً عنه بوعيده المستهزئين به عقوبة ما يلقى منهم من أذى الاستهزاء به والاستخفاف في ذات الله، يقول: هون عليك يا محمد، هون عليك ما أنت لاقٍ من هؤلاء المستهزئين بك المستخفين بحقك فيَّ وفي طاعتي وامض لما أمرتك به من الدعاء إلى توحيدي والإقرار بي والإذعان لطاعتي، فإنهم إن تمادوا في غيهم وأصروا على المقام على كفرهم نسلك بهم سبيل أسلافهم من سائر الأمم غيرهم من تعجيل النقمة لهم، وحلول المثُلاتُ بهم، فقد استهزأت أمم من قبلك برسلهم أرسلتهم إليهم بمثل ما أرسلتك فيه إلى قومك وفعلوا مثل فعل قومك بك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون، أي نزل بهم عقاب استهزائهم.
أيها المسلمون: هذه الحادثة المفتعلة في باريس أخت تلك الحادثة التي افتعلت في أميركا في الحادي عشر من أيلول، من أجل أن يحشد أعداء الله صفوفهم لمحاربة دين الله، احتشدت زعامات ونعال لتلك الزعامات لتشييع جثامين الذين قتلوا بطريقة ما. أما المجلة أو الصحيفة فهي تلك الصحيفة الساقطة الوضيعة التي سلك رساموها مسلك أوغاد الشوارع يريدون أن يلطخوا الشمس بنعالهم وأن ينالوا وجهها ببصقة عادت إلى صحيفتهم، يريدون أن ينالوا من رسول الله؟ خسئوا في أن ينالوا من تلك القمة السامقة، من تلك الشمس الساطعة، يريدون أن يحجبوا نورها بأكفهم القذرة لن تحجب الشمس بأكفهم القذرة إنما سيحجبون أبصارهم عن تلك الشمس، تلك الشمس الساطعة ستبقى شمساً متألقة في السماء، وسيبقى أولئك الأوغاد أولئك السفلة الوضيعون سفلة وأوغادا وسوقة، ليس لهم في مجال الحوار قدم يمكن أن تصل إلى ميدانه، وليس لهم في مجال المنطق كلمة يمكن أن يقنعوا بها إنساناً، ولكن )وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ (
أيها المسلمون: إنها حرب شرسة ضد إسلامنا. ولكن لابد أن نحلل حقيقة تلك الحرب؛ بادئ ذي بدأ نقول: إن العدو عدو ولا يلام العدو في عدائه، ويتوقع من تلك المجتمعات المتهالكة المفككة التي شاعت فيها الفحشاء وانتشر فيها العداء والإجرام والقذارة الأخلاقية والانحرافات لا يتوقع من تلك المجتمعات الساقطة – وأنا أتكلم عن المجتمعات الساقطة وليس عن المجتمع الغربي كله – لا يتوقع من أولئك السفهاء الوضيعين أن يكونوا أرقى مما وضعوا أنفسهم فيه، العدو لا يلام على عدائه ويتوقع في عدوانه كل شيء، وليست هذه العداوة وليدة اليوم، ولكن الحقد الذي اعتلج في قلوبهم تفاقم، لأن الإسلام قد انتشر في مجتمعاتهم، ولقي القبول من أولئك الذين يعانون من تفسخ مجتمعهم فغدوا يبحثون عن الخلاص من حالة القلق التي استبدت بمجتمعاتهم، من حالة الضياع التي ضاعت فيها قيمهم وأخلاقهم، من حالة التفكك الذي حطم مجتمعهم ودمر أسرهم. غدوا يبحثون عن الحقيقة، مضوا يبحثون عن الهدى، وهذا هو الذي أثار أولئك السفلة، كيف للهدى أن ينتشر، كيف يمكن للنور أن يبدد ظلماتهم، لا يلام العدو على حقده وعدوانه لأنه عدو والعدو لا يستعطف، ولكن ترى لماذا استطاعوا أن يصلوا غلى هذا المستوى من النفوذ ؟
أيها المسلمون المؤامرة متكاملة، أريد بكم أن تعودوا بالذاكرة لسنوات قليلة يوم أرسلوا إلى سوريا، يوم حركوا الفتنة في سوريا أججوها وزودوها بالإعلام والسلاح والمال. فعلوا كل ما في وسعهم لمحاربة هذا البلد لأنه مصدر إشعاع الهداية للعالم كله شاء من شاء وأبى من أبى، هذا البلد عرف بأنه مصدر علم مصدر معرفة مصدر هداية، فحقدوا عليه وسلكوا في حقدهم مسالك شتى، آخر مسالكهم أن يثيروا فتنة عمياء في بلدنا هذا، وتولى كِبر تلك الفتنة خارجياً أميركا وفرنسا وليست بريطانيا وألمانيا أقل منهما، الغرب الأوربي والأمريكي تولوا جميعاً كبرَ تأجيج تلك الفتنة في بلادنا وتغذيتها، وكانوا يرسلون - وسبق أن تحدثت عن هذا الأمر – يرسلون من عندهم مسلمين صنعتهم مراكز وهابية متطرفة أثارت في قلوب أولئك الجهلة معاني الحقد وقالوا لهم اذهبوا إلى الجنة عن طريق سوريا، اسلكوا عن طريق سوريا السبيل السريع للوصول إلى الحور العين، أثاروا الحقد في قلوبهم، وظنوا أولئك أنهم أتوا إلى هذه البلاد ليفتحوها ويعيدوها إلى الإسلام، فشاعت فينا تلك الفتنة ونسب لها من يؤججها ويستثير نارها، وجد فيهم أكلة الأكباد والإنتحاريون القتلة الذين لم يفرقوا بين امرأة ولا رجل، ولا بين مسجد ولا منزل، استباحوا البلاد كلها بطولها وعرضها فدمروا وأفسدوا وعاثوا في الأرض فساداً، وكانوا يأتون إلى بلادنا ومعهم وفود إعلامية تصور جرائمهم وتوثق وحشيتهم ثم تُعرض تلك الصور في وسائل الإعلام الغربية لتقول هذا هو الإسلام، إسلام صنعوه هم ليشوهوا به الإسلام، إسلام صدروه وسلحوه ليحاربوا به الإسلام، هذه المرحلة الأولى، والمرحلة التي تليها أن يفجروا الفتنة باسم الإسلام في بلادهم، لكي ينفروا الناس الغربيين الذين يئنون من فساد مجتمعهم لكي ينفروهم من الإسلام ولكي يجففوا منابع الهداية في بلادهم وليوقفوا المد الإسلامي المنتشر في بلاهم، ترى هل هذه الصور واضحة؟ ألم تعد الصورة الآن بينة الملامح واضحة المراحل؟ أرسلوا إلينا من يمارس أعمال وحشية تُصَور وتُعرَض في وسائل إعلامهم لتقول هؤلاء هم المسلمون، ثم يستعملون وسائلهم لإحداث مثل تلك الحوادث في بلادهم ليقولون هذا هو الوحش الضاري قد غزى بلادكم فأوقفوه عند حده.
العدو عدوٌ لا يُستعطف ولا يُلام في عدوانه، والمنظمات الدولية هي جزء من هذا العدو، والهيئات الدبلوماسية العالمية هي جزء من هذا العدو، هم ينتعلون تلك المنظمات لتبرير قرارات جائرة، ولكن ربنا تبارك وتعالى أوجد نوعاً من التوازن في الكون، ومن مظاهر هذا التوازن أن تكون هناك قوى تريد أن تعيث فساداً، وقوى تخاف من ذاك الفساد وتمنعه، هم يتترسون بمنظماتهم الدولية مادامت تلك المنظمات تشرعن وحشيتهم وجرائمهم، فإذا ما حيل بينهم وبين الوصول إلى قرارات فعالة تجاوزوا تلك المنظمات. فالديمقراطية عبارة عن نعل يلبسونه متى شاءوا ويخلعونه متى شاءوا، وحقوق الإنسان عبارة عن شعار يتسترون به من أجل تبرير حماية أوغاد الصهيونية، وكذلك حقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق الإنسان كلها شعارات يخفون تحتها تدمير المجتمعات الإنسانية، وهي إذا قَلَبْتَ لفظها أعطتك مدلولها، نعم، ولكن ما مقصودهم من إثارة ذلك بالنسبة لنا؟ المراد أن تثور فينا ردود الفعل، والتي يهيئون الأجواء لها، ويسلطون الأضواء على من قد تثور ثائرتهم بردة الفعل غير المنضبطة الغوغائية الطائشة؛ من أجل أن يقال هؤلاء هم المسلمون، سبق أن صدرت رسوم في الدنمارك، وجرى ما جرى بعدها، يقال بأن من رسم تلك الرسوم عندما تمت محاورته دخل في الإسلام واستغفر ربه وأناب – أنا لم أره، ولكن وصف لنا ذلك - والمتوقع لو أننا حاورنا بإنصاف وعلم ومنهجية صحيحة، وعرضنا صورة الإسلام بصورة سليمة لن يكون لهؤلاء الأوغاد سوق من القبول، ولن يروا قبولاً في المجتمعات، ولكن تهيأت الأجواء لقبول تلك السفالة التي ظهروا على العالم بها، فصارت سفالتهم مسوغة بالمنطق العدائي الحاقد. الآن وبدلاً من أن تثور فينا ردود الفعل فنتظاهر ونخرب القنصليات والسفارات ونفجر ونضرب وغير ذلك، تعالوا بنا نعيد قراءة الحلول الصحيحة، نحن مجتمع اعتدنا على أن يكون تحركه دائما ردود فعل، وردود الفعل عبارة عن حالة آنية ما تلبث أن تهدأ وينسى أصحابها المشكلة التي كانوا قد ثاروا من أجلها. ينبغي أن يكون لنا ولاء لديننا ومعرفة بنبينا وإيمان مبني على أسس علمية صحيحة لعقيدتنا، ينبغي أن نعرف من هو محمد r، وبعد أن نعرفه نتمثل أخلاقه ونقتدي بهديه، بعد أن ندرس سيرته وشمائله وأخلاقه وهديه وسنته، نتعلمها بحرص لأنها ديننا، لأنها منهج حياتنا ولأنه نبينا الصادق المصدوق من أرسله الله رحمة للعالمين، من به وجدت هذه الأمة وارتفع لها شأن في التاريخ، من إذ تمثل سلفنا أخلاقه فذهبوا إلى شرق الأرض بتلك الأخلاق فعشق الشرق هذه الأخلاق فآمنوا دون أن يصل إليهم جندي واحد، آمنوا بالأخلاق النبوية التي حملها أهل بيت رسول الله r من تجار حضرموت، فلما رأى أهل إندونيسيا وبلاد أرخبيل الملايو لما رأوا تلك الأخلاق عشقوا هذا الدين أحبوا هذا الدين تمسكوا بهذا الدين، ما بالنا اليوم نجهل من هو رسول الله r، نعرض عن قراءة سيرته وشمائله وأخلاقه لنعرف هويتنا التي تنتسب إليه لنعمق ولاءنا وهويتنا من خلال التمسك بهديه، ينبغي أن نعرف أولادنا وأهلنا على سيرة المصطفى r وهديه وشمائله الطيبة المباركة وأن نلتزم منهج القرآن في الدعوة إلى الله ) ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ ( ما قال بالعنف ولا قال بالقتل ولا قال بالتفجير قال: )بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ( وقال:) وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ( لأن ديننا رحمة للعالمين وليس تفجيراً ولا تدميراً، نعم.. هم هؤلاء المعادون لنا ) وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ( هم الذين أحدثوا الفعلَ وردّةَ الفعل، وبرمجوا للمسألة من أجل أن تصل إلى الأهداف المرسومة ولكن هل من مستيقظ؟ إن جوابنا على ما نرى هو أن نعود إلى هويتنا فنعمق جذورنا في هذه الهوية، ونؤكد على انتمائنا لأنها هوية مبنية على أسس علمية وأخلاقية، على أسس سامية راقية لا ترضي السفاهة ولا تهبط إلى تلك المستويات الوضيعة؛ بل ترقى إلى مستوى إنساني رفيع )وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ( هم الغربيون الذين عرفوا الإسلام حقيقة – للأسف أقول – يدافعون عن الإسلام أكثر من أدعياء الإسلام، ارتضى البعض أن يكونوا أداة لأولئك الأوغاد في تشويه الإسلام في بلادنا وغيرها من البلاد. وانظروا إلى ليبيا أهذا هو الإسلام! انظروا إلى المجازر، انظروا إلى الحضارة كيف تدمر، وإلى الدين كيف يشوه.
أقول لنعد إلى هدي رسول الله r إلى سيرته العطرة، إلى دينه القويم فنتعلمه وهذا هو الرد على سفاهة السفهاء وانحراف المنحرفين وشتائم الشاتمين، لا ينبغي أن نتوقع من عدو أن يكون محب لنا فهو عدونا.
خطبة الجمعة 2015-01-16


تشغيل

صوتي