مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 09/01/2015

خطبة د. توفيق البوطي: أما آن لنا أن ندرك حقيقة هذه الفتنة؟!


أما آن لنا أن ندرك حقيقة هذه الفتنة؟!
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم:
)قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (
روى الحاكم في المستدرك عن سليمان بن عبيدة عن أبيه عن النبي r قال: "كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها" وقد أذن الله سبحانه وتعالى لنبيه r في زيارة قبر أمه، كما روى ذلك الشيخان في صحيحهما، فقد روى مسلم أن النبي r استأذن في زيارة قبر أمه قال: "و استأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت" قال أبو هريرة t: " فزار قبرها، فبكى صلى وأبكى من حوله" وعن معاذ بن جبل tأنه لما بعثه رسول الله r إلى اليمن خرج معه يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله r يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال: "يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري، فبكى معاذ جزعاً لفراق رسول الله r، ثم التفت فأقبل بوجهه r نحو المدينة فقال: "إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا" وكان رسول الله r فيما رواه مسلم عن السيدة عائشة: يخرج من آخر الليل إلى البقيع –مقبرة البقيع– يزور القبور فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد"
أيها المسلمون ديننا اتباع وعلم، أجل علم واتباع وليس جهلاً وابتداع، هل زيارة القبور بدعة؟ أم إن الله تعالى أذن لنبيه r بذلك حتى لقبور أهل الفترة؟ فأم النبي r لم تلقه نبياً، توفيت وله من العمر ست سنوات، فاستأذن ربه في أن يزور قبرها فأذن له، فأتى قبرها وبكى وأبكى، هذا هو حال النبي r، وأمر بزيارة القبور وتلطف في أمر معاذ بن جبل في زيارة قبره r ذلك لأن زيارة القبور كما قال النبي r تذكر بالآخرة، ولأنها وفاء للميت في شرعنا، والوفاء يقتضي الزيارة كما فعل النبي r تجاه أمه، وكما أمر بلطف سيدنا معاذ بن جبل t .
أيها المسلمون: ما جرى في نوى قبل يومين من انتهاك لحرمة قبر سيدنا الإمام يحيى بن شرف النَوَوي t جريمة في حق ديننا قبل أن تكون في حق إمام جليل من أئمتنا، جريمة في حق رسول الله r، جريمة بكل معايير الإجرام وانتهاك الحرمات والإساءة للأمور المقدسة الطاهرة من معانٍ تجسدها توجيهات رسول الله r في شأن زيارة القبور والوفاء لحق الميت، ولاسيما إذا كان ذا مكانة كسيدنا الإمام يحيى بن شرف النَوَوي tكم زاره من صالحين، وكم تبارك بآثاره من علماء، حتى جاءت هذه العصابة من الأوباش والوحوش البشرية المسلحة بأسلحة أمريكية وإسرائيلية والمنفذة لمخطط صهيوني للنيل من كرامة هذه الأمة ودين هذه الأمة ووحدة هذه الأمة، لتنتهك قبر إمام من أئمتنا وعظيم من عظماء تاريخ أمتنا المجدد لمذهب الإمام الشافعي، والمتوفى سنة ست وسبعين وستمائة، المحدث التقي النقي الورع إمام أهل الشام، وإمام أهل الدنيا في المذهب الشافعي، المدقق في علومه المعروف بزهده، ينتهك قبره! يفجر قبره! بأي حجة وبأي دليل؟ ألأنه يزار، ولو تمكنوا من تفجير قبر النبي r لما ترددوا في ذلك، ولقد دعوا إلى إخراج قبر رسول الله r مؤخراً وقبل ذلك من مسجده، وكبيرهم تحدث عن وثنية وصف بها وجود قبر النبي r في مسجد رسول الله r، ينتقدون أن نقول زرنا قبر النبي r، لا لا قل زرت مسجد النبي، وهل تشرف المسجد إلا بوجود رسول الله r فيه، ويأبون أن يسمى المسجد النبوي؛ يقولون مسجد المدينة لأن بينه وبين رسول الله جفوة، بينهم وبين رسول الله r جفاء، وهذا الجفاء ليس خفياً، بل هو معلن. وهذه البادرة ليست جديدة فهم من أزالوا معالم البقيع كلها، فلم تعد هناك مزية لقبر صحابي ولا لقبر تابعي، ولا لقبر إمام من أئمتنا في البقيع، ولا لقبور آل بيت رسول الله r، وإن سألت واحداً من جاهليهم أين قبر فلان؟ قال لك: امشِ يعترض عليك ويأمرك أن تمشي ولا تبحث عن القبر، ولو تمكنوا من منع زيارة المدينة ومنع زيارة البقيع لفعلوا، إنهم ينفذون مخططا بريطانياً في فصل الأمة عن تاريخها ومقدساتها.
أيها المسلمون: البدعة هي مخالفة السنة، أما اتباع السنة فهو دين، وأما مخالفة السنة بالنهي عن زيارة القبور فهي البدعة المنكرة التي قام بها هؤلاء المجرمون، أنا لا أدري ماذا ينقمون على إمامنا الإمام النَوَوي رحمه الله تعالى، وكتابه رياض الصالحين في كل مكتبة من مكتبات المسلمين، بل إن مساجدهم مساجد هؤلاء جميعها يقتصر مجلس العلم فيها على قراءة حديث من رياض الصالحين رأيت ذلك بنفسي، فما الذي ينقمون على إمامنا الإمام النَوَوي رحمه الله تعالى ورضي عنه – أزالوا معالم قبور الصحابة في البقيع، وأزالوا معالم قبور أهل بيت رسول الله r فيه، وأزالوا أيضاً كثيرا من معالم تاريخ النبوة، أما معالم تاريخهم تاريخ ثورتهم الفاسدة فيجب أن تظل باقية، أزالوا معالم النبوة وابقوا معالم الصهيونية، حصن كعب بن الأشرف لا يزال ماثلاً حتى الآن بجانب المدينة المنورة بأمر ملكي، يجب أن يبقى ويجب أن يصان؛ أما معالم النبي r في المدينة فيجب أن تمحى ويجب أن تزال لأنها شرك، أما معالمهم فتوحيد، الإمام النَوَوي قبره ليس مجصصاً ولم يعد أصلاً هناك معالم قبر، مجرد شجرة في ذلك المكان يأتي الناس لزيارة الإمام النَوَوي عندها وليتذكروا فضل هذا الإمام على أمة الإسلام.
وبعد أيها المسلمون أما آن الأوان ان تدركوا حقيقة هذه الفتنة التي سميت زوراً وبهتاناً ثورة؟ أما آن لنا أن ندرك أنها مؤامرة على ديننا قبل أن تكون مؤامرة على وطننا؟ أما آن الأوان أن نستيقظ ونركل هذه الشعارات القذرة التي دمرت بلدنا؟
كنت أريد أن أستفتح خطبة الجمعة بكلمة أعتذر فيها منكم لبرودة الجو في هذا المسجد، وبرودة جو هذا المسجد في الحقيقة إنما هي إحدى ثمرات هذه الثورة العفنة – أجل هل تركوا محطة كهرباء لم يدمروها؟ هل تركوا خط إمداد للنفط لم يدمروه؟ هل تركوا مشفى لم يستهدفوه؟ هل تركوا مسجداَ لم يستهدفوه؟ هل تركوا مقدساً من مقدساتنا لم يستهدفوها؟ أوَ لا يزال في مخيلة البعض أن هذه الثورة للإصلاح؟ أم إنها جريمة تستهدف تشويه ديننا باسم ديننا، وتأبى الدوائر التي أرسلتهم إلا أن تصفهم بالإسلاميين ، وتسمي دولتهم الدولة الإسلامية، أي إسلام هذا؟ أي إسلام هذا الذي ينتهك الحرمات؟ أي إسلام هذا الذي يقتِّل فيه الأبرياء؟ أي إسلام هذا الذي تنتهك فيه الأعراض؟
نحن اليوم ننعم بنعمة السماء بنعمة الله عزَّ وجل إذ تهطل علينا ثلوج ستكون مُدَّخرات إن شاء الله لسقيا هذه البشرية، نعم نحن نقول الحمد لله ولكننا نقول في الوقت ذاته اللهم اجعلها سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ما الذي يذكرنا به هذا الأمر؟! أنين المشردين الذين شردتهم هذه الفتنة، أنين الأطفال الذين تجمدوا بسبب هذه الفتنة، والذين شردوا هنا وهناك بسبب هذه الفتنة التي يسمونها ثورة، ولا تزال بعض العقول العفنة تسميها ثورة، وبدلاً من أن يستيقظ الناس بعقولهم ويرعَووا ويعودوا إلى رشدهم، ويقولوا نستغفر الله مما مضى ويفكروا في أن يعيدوا الأمور إلى نصابها، و يعيدوا لحمة هذه الأمة إلى تماسك وتوادد وتعاطف لكي نمسح الماضي بجديد يكتسب لأبناء هذه الأمة ولهذا الوطن، يوغلون بأوامر خارجية في مستنقع هذه الفتنة النتنة بمزيد من سفك الدماء وبمزيد من انتهاك الحرمات وبمزيد من تدمير هذا الوطن وتمزيق هذه الأمة.
أما آن لنا أن نرفض هذه الشعارات العفنة التي خبأت وراءها أنواعاً من المفاسد وأنواعاً من الفتن؛ كلما قيل انتهت تمادَّت لأن دعماً لها يأتي من هناك، مِمّن أبوا إلا أن تكون رؤوسهم نعالاً للصهيونية ونعالاً لأمريكا، أما آن لنا أن نستيقظ ونعلم أن هذا الذي جرى في سوريا كان حرباً لدين الله، وحرباً لكم أنتم أيها المسلمون، كم من الأبرياء قتلوا؟ وكم من شبابنا زجوا في مهالكهم وذهبوا ضحية هذا التضليل؟
قلت وأقول مرة أخرى: إن كل إنسان كان ضحية هذه الفتنة سواء من هؤلاء أو من هؤلاء هو خسارة لأمتنا وخسارة لوطننا وخسارة لديننا أيضاً. كم ضللوا من شباب، وزجوا بهم في أتون فتنة عمياء فمضوا ضحايا رخيصة، ولو أنهم مضوا وانتهى الأمر لقلنا للنفوس آجالها، ولكنهم مضوا تاركين جرحاً عميقاً وأحقاداً لا تنتهي في قلوب هؤلاء وقلوب هؤلاء. عرفوا كيف يغرسون الحقد ويؤججون نار الكراهية في أمة كانت معروفة بالتوادد والتعاطف والتحابب والتعايش، عشنا قروناً على اختلاف ألواننا وأطيافنا نتعايش ونتعاون، والأمور كانت سائرة على خير ما يرام. والإصلاح له طريقه، وللإفساد أيضاً طريقه، فهل سلكوا سبيل الإفساد أم الإصلاح؟ الإصلاح دائما يكون نابعاً من الذات لا يكون بأوامر خارجية، لا يكون بوصاية من تلك الدولة وهذه الدولة، لا يكون بوصاية من جهة غربية. عشرات الدول زجت بمن يسمون مقاتلين مسلمين مضلِلين أو مضلَلين ليجعلوا من هذه البلاد ناراً تتأجج ودماراً ينتشر، أما آن لنا أن ندرك الحقيقة؟ أما آن لنا أن نعرف أن ما جرى كان مؤامرة على دين هذه الأمة وعلى شباب هذه الأمة وعلى اقتصاد هذه الأمة وعلى البنية التحتية لهذا الوطن؛ لكي نعود قروناً للوراء ولكي تعود خراباً بعد أن كانت عماراً، ولتعود فساداً بعد أن كانت صلاحاً، ولتعود ذليلة ومهانة بعد أن كانت عزيزة ورفيعة القدر.
إذا كانوا يراهنون على أن تسقط هذه البلاد بجرائمهم فليعلموا أن الله تكفل بالشام وأهله، وأن ما جرى كان يمكن أن يزيل هذه البلاد برمتها وأن يطيح بأسباب الاستقرار فيها وبأسباب البقاء فيها، ولكن الله غالب على أمره، هو الذي تكفل بهذه البلاد وبأهلها "إن الله تكفل لي بالشام وبأهله" سوف نرى إن شاء الله نهاية هذه الفتنة ورؤوسها يداسون بالنعال، سنرى كيف تداس هاماتهم بنعال أبناء هذه الأمة الذين مزقت قلوبهم حزناً على أولادهم وشبابهم ممن غُرروا أو ممن قاوموا.
لا مكان في هذه البلاد لهذا الرجس الذي استورد من هنا وهناك والذين صدرتهم الدوائر الصهيونية وصنعتهم لتدمر بلادنا ولتفسد مجتمعنا ولتنشر الأحقاد فيما بين أبنائه، لا مكان لهم في هذا الوطن ولا مكان لهم في هذه البلاد، فالشام الملائكة باسطة أجنحتها عليها، الشام موضع كفالة الله عزَّ وجل )وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ(
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 2015-01-09


تشغيل

صوتي