مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 26/12/2014

خطبة د. محمد توفيق البوطي : الاقتداء بالأخلاق النبوية جوهر الاحتفال بالمولد


الاقتداء بالأخلاق النبوية جوهر الاحتفال بالمولد
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم :) مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ( وقال في وصف نبيه r )وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ( وقال: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( وقال: )وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ( كما وصفه بقوله:)فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ( روى البيهقي وغيره عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وروى مسلم عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله r سئل عن صوم الاثنين – كان رسول الله r يكثر من صوم يوم الاثنين فقال: "فيه ولدت وفيه أنزل علي" وقال r :" أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، وخياركم خياركم لنسائه " .
أيها المسلمون: أيام قليلة وتمر بنا ذكرى مولد المصطفى r هذه الذكرى تبعث في قلوب المؤمنين مشاعر البهجة، وتشدهم إلى سيرة المصطفى r إلى شمائله، إلى صفاته السامية، إلى هديه، ذكرى تذكرهم بفضائله، في وقت تشتد الحاجة فيه إلى الأسوة الحسنة، لتكون قبلة ومتجهاً في سلوكنا وفي تصرفاتنا وفي معاملاتنا، والله سبحانه وتعالى يقول )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا( ذلك لكريم شمائله r وعظيم أخلاقه، فقد كان كما وصفه أصحابه، أجود الناس صدراً وأصدقهم لهجة وألينهم عريكة وأكثرهم لطفاَ. ومظاهر البهجة بذكرى مولده r أحد أدلة محبته، ومحبة النبي r أساسٌ من أسس شخصية الإنسان المسلم، وسمة تميز الإنسان المسلم عن غيره. من خلا قلبه عن محبة رسول الله r خلى قلبه عن الإيمان " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين "بل" ونفسك التي بين جنبيك " لماذا؟ نفسك التي بين جنبيك تسول لك معصية الله، وتزين لك أسباب هلاكك وأسباب المعصية التي تودي بك إلى سخط الله وعذابه، بينما النبي r إذا تعلق قلبك به، وإذا التزمت خط هدايته وإرشاداته وصلت إلى السعادة، النفس كما وصفها الله سبحانه وتعالى أمارة بالسوء، ونفسك أشد عداوة لك لو أنك أطعتها، أما إذا صقلت نفسك بمحبة رسول الله r فإن تلك المحبة ستجذبك إلى سبيل السعادة و تجذبك إلى سبيل الرشاد، ذكرى مولد النبي r تحيي في القلوب جميل سيرته، وطيب شمائله مما يجعلنا أشد حباً له وأكثر حرصاً على إتباعه، نعم السرور والابتهاج بذكرى مولده r أمر لا يمكن أن يمر على قلب الإنسان المؤمن إلا وتترك آثارها، هذه الذكرى إذا مرت على قلب الإنسان المؤمن لابد أن تحرك في كيانه مشاعر الحب مشاعر البهجة مشاعر السرور، وهذا ما أشار إليه كتاب الله بقوله ) قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ( ورحمة الله عزَّ وجل تمثلت في رسول الله r ألم يقل الله سبحانه )رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( فكل مظهر من مظاهر الابتهاج المنضبطة بالضوابط الشرعية الخالية عما نهى الله تعالى عنه أمر مطلوب ومستحسن، والنبي r لم يحتفل بذكرى مولده في كل سنة مرة بل في كل أسبوع مرة، ألم نسمع حديث النبي r إذ قال في بيان سبب صيامه ليوم الاثنين " ذلك يوم فيه ولدت وفيه أنزل علي" إن المحطات الزمانية والمكانية تعتبر مؤثراً قوياً في سلوك الإنسان ومحركاً لمشاعره ومجدداً لهمته؛ لأنها تربط ماضيه بحاضره وتربط شخصيته بالأصول التي ينبغي أن ترتبط بها، بالقدوة الحسنة التي ينبغي أن تقتدي بها.
ينكر بعض الجهلة الاهتمام بذكرى مولد المصطفى r حتى إنهم ليكفّرون ويبدّعون ويتهمون من يحتفل بذكرى مولد المصطفى r بشتى الاتهامات المقذعة، يصفون من يحتفل بذكرى رسول الله rبأنهم مجوس وبأنهم يهود، وبأنهم ... أجل هذه الفئة الضالة – أسأل الله لها الهداية - أسأل الله أن يردها إلى رشدها، لأن القلب الذي خلا عن محبة رسول الله r خلا عن أي ذرة من الإيمان، فدليل الإيمان وجود محبة النبي r ومحبة النبي r عندما تسكن في القلب تحرك فيه مشاعر الابتهاج بذكر اسمه، وبرؤية معالم سيرته، أنت إذا وصلت إلى أحد فرأيت جبل أحد حرك فيك محبة النبي r، أنت إذا وصلت إلى حراء فنظرت إلى حراء حرك في قلبك هذا الغار ذكريات رسول الله r حيث كان يتعبد، حيث هبط عليه جبريل عليه السلام لكي تشرق أنوار الهداية من هناك فتعم البشرية كلها، كيف لا يحرك في قلبك ووجدانك مشاعر محبة النبي r ويشدك إلى شخصيته وإلى تلك الأيام العظيمة التي صبر فيها رسول الله r وجاهد وتحمّل لكي يصل صوته ونور هدايته إليكم الآن في هذا العصر، المحطات الزمانية لها أهميتها في شخصية الإنسان المسلم بل في شخصية كل إنسان، الزمان والمكان يحرضان في الإنسان مشاعر المحبة ويجددان في شخصيته معاني القدوة الحسنة في النبي r، بمولد النبي r أشرقت هدايته، وانتشرت دعوته فكنا ممن استضاء بتلك الأنوار، هناك خط يصل بيننا وبين النبي r، هو ليس مجرد نصوص ميتة الآن نقرأها جامدة؛ بل إنها لتربط أفئدتنا به r حباً وشوقاً وتلهفاً وعندما نقرأ سيرته وشمائله تتنامى في قلوبنا مشاعر المحبة نحو النبي r، النبي r هو القدوة الحسنة، أعظم ما وصف به الله سبحانه وتعالى شخصية النبي r )وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ( هذا الخلق هو الذي جعل النبي r موضع محبة من أصحابه جميعاً، وموضع تقدير من جميع الناس الذين كانوا من حوله، كانوا يحبونه ولا يملكون إزاءه إلا المحبة والإجلال والتعظيم، أما أعداؤه فقد حجبوا عنه بالحقد، حجبوا عنه بالعناد، ولئن كشفت عن دخيلة قلب أحدهم ووجدانه لوجدت أنه مقر بفضل النبي r .
نقول، إن أميز ما وصف به الله تعالى به النبي r هو الأخلاق فقال)وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(، والنبي عليه الصلاة والسلام يبين لنا أن حجر الزاوية في دعوته إنما هي الأخلاق، ألم يقل "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"؟ وإن الأزمة التي نعيشها اليوم في حقيقتها تمثل حالة إنفصام بيننا وبين الهدي الذي بعث به النبي r، حالة الانفصال هذه التي نعاني منها تتمثل في شيئين، الشيء الأول بعدنا عن دراسة شمائل وسيرة النبي r والتي تغذي في أفئدتنا وفي قلوبنا محبة r، فمن درس سيرته ودرس حياته، ونظر إلى صبره وحسن معاملته وإلى حكمته وأخلاقه الرفيعة التي كان يعامل بها العدو والصديق والقريب والبعيد لا يملك إلا أن يحب النبي r، عندما ننظر إلى صفح النبي r عن خصومه وأعدائه، إلى عفوه إلى سعة صدره إلى حلمه إزاء أعدائه. عندما نرى شفقته على أصحابه، وعندما نرى وصف الله تعالى له )حريص عليكم بالمُؤمنين رؤوف رّحيم( عندما نرى أنه مفعم القلب با


تشغيل

صوتي