مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 05/12/2014

خطبة الدكتور توفيق: ما هو مفتاح الوصول إلى الحق؟


ما هو مفتاح الوصول إلى الحق؟
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: )وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ( ويقول سبحانه: )أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ( ويقول سبحانه )وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ( وقد صح عن النبي r أنه قال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" ومسلم هنا تعني كل من اتصف بالإسلام ذكراً كان أم أنثى، وروى الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه عن زر بن حُبيش قال: جاء رجلٌ من مراد إلى رسول الله r يقال له صفوان بن عسال وهو في المسجد، فقال له رسول الله r:" ما جاء بك ؟" قال: ابتغاء العلم، قال:" فإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب " ويقول رسول الله r :" من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ".
أيها المسلمون: العلم مفتاح الوصول إلى الحق في المعتقدات، والطريق إلى تصحيح العبادات والمعاملات، والجهل هو الطامة الكبرى، هو المناخ الذي استطاعت به فئات التضليل أن تضلل الكثير من شبابنا فتقذفهم إلى سبل الانحراف والضلالة سواء تمثلت في الانحراف المسلكي الجاهلي الشاذ، أم تمثلت في مواقف التطرف والغلو التي تجلت هنا وهناك، ديننا دين علم وإنما بعث رسول الله r معلماً، والعلم عبادة بحد ذاتها لأنه طريق تصحيح العبادة، ولأنه السبيل الذي من خلاله نعيد بناء حياتنا على أسس صحيحة سواء في علاقتنا مع ربنا سبحانه وتعالى أو في علاقتنا مع بعضنا، وإذا تأملنا كتاب الله عزَّ وجل فإننا نرى أنه يحضنا على العلم ويحكم في المواقف والتصرفات والأفكار العقل، يستنهض العقل ليمارس دوره وأن لا يعطل عن وظيفته التي بها يستطيع الوصول إلى الحقائق إلى الخير إلى السلوك القويم، ولكم ورد في كتاب الله قوله تعالى )أَفَلَا يَعْقِلُونَ( يستنهض فينا التعقل والتدبر والتفكير )إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( )يَتَذَكَّرُونَ( )يَعْقِلُونَ( )يَعْلَمُونَ( على الصف المقابل تجد جاهليةً عمياء مطبقة تشبث بها أصحابها، ونالت عند الغربيين قداسة وقبولاً، خشية أن يملأ فراغها نور الإيمان الذي ينبثق عن هذا الإسلام، إذا ذهبت إلى الغرب تجد أنهم يوجهون عقول شبابهم إلى البوذية والهندوسية والكنفوشيوس؛ إلى تلك المذاهب الضالة لكي لا يبصروا الحقيقة، ولأنهم فقدوا هوية التفكير؛ بل قالوا: أنقذوا الإنسان من مخالب العقل، لأن العقل إذا استعمل استعمالاً صحيحاً وصل بصاحبه إلى هذا الدين، ولذلك نجد أن أكثر الديانات إسراعاً إلى عقول الغربيين وغيرهم من شعوب الأرض هو هذا الإسلام، ومن أجل ذلك تجد الجهود حثيثة في أن لا يدرس الإسلام، لا في بلادهم ولا غيرها، وأن يشوه في صورته، وأن يعطى صورة وحشية همجية على أيدي أدعيائه لكي ينفروا منه ليشمئز الناس منه، ولكي يجدوا فيه الشكل المرعب الذي يبعث على الانصراف والنفور، ولذلك تجد أنهم أيضاً يسعون جاهدين من خلال أدواتهم في بلادنا أن لا نتعلم الإسلام، وأن يبقى الإسلام تقاليد متوارثة، أن يبقى الإسلام كلمات جوفاء لا مضمون لها.
أيها المسلمون ديننا علم ولا يقبل من المسلم إلا أن يكون قد بنى إسلامه على علم، ولذلك نعى ربنا تبارك وتعالى على أولئك الذين عطلوا في نفوسهم منافذ المعرفة والعلم فوصفه بالوصف اللائق بهم، فقال:)لَهُمْ قُلُوبٌ – لا حظوا كيف سمى العقل قلباً، سمى وسيلة الإدراك في الإنسان قلباً لأن أهميته بالنسبة لإنسانيته كأهمية القلب بالنسبة لحياته- لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ – عطلوا منافذ الفهم والإدراك، ولهم أعينٌ يستطيعون بها إدراك الحقائق ومظاهر الحكمة - لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا – لما عطلوا منافذ المعرفة قال: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ( من أجل ذلك تسعى أدوات المبطلين أدوات أعداء الإسلام للصد عن معرفة هذا الدين فيسعون إلى تعطيل مادة التربية الدينية ويريدون أن تصبح أخلاقاً دون دين، أن تتمسك بالأخلاق وهل يمكن أن يكون هناك خلقٌ قويم دون مراقبة ذاتية نابعة عن إيمانك بالله واليوم الآخر، قالوا: عندما تقول عيب تمتنع خوفاً من الناس، ولكن عندما تقول حرام تمتنع مخافة من الله، إذا غاب الناس فإن كلمة عيب وكلمة ممنوع وكلمة محظور وكلمة مخالفة كلها تلغى، ويصبح سلطان النفس والهوى والشهوة هو رائد السلوك والموجه إلى التصرفات، ولذلك عندما انقطع التيار الكهربائي في أرقى دولة في العالم في أمريكا أرقى مادياً ولكنها الأحط أخلاقياً والأحط مسلكياً وحضارياً، عندما تعطل التيار الكهربائي فانطفأت الأضواء لمدة وجيزة من الساعات وقعت الجرائم بلا عد ولا حصر؛ من قتل إلى اغتصاب إلى سرقة إلى ما لا يعد ولا يحصى؛ لأن الوازع عن الجريمة هو رقابة القانون والحياء من الناس إن بقي الحياء عندهم، حتى الحياء لم يعد شيئاً مقبولاً عندهم، بل أصبح شيئاً قديماً بالياً.
ديننا أيها المسلمون يقوم على العقيدة وتحريض العقل على التدبر والتفكير، فأنا عندما أرى مظاهر النظام أومن بأن هذا النظام لم يحدث تلقائياً، لأن المصادفة والتلقائية لا تبني نظاماً، أنا عندما أرى نظاماً في آلة أو في شكل أو في نبات أو في إنسان فإن مقتضى العقل أن أبحث عمن نظّم وعمن أحكم وعمن رتب، وإذا وصلت إلى أنه لابد له من منظم وخالق فإن عليَّ أن أبحث عن هذا الخالق وحقوقه علي وواجباتي نحوه. الإنسان السوي إذا أكرمته بشيء بسيط من الإكرام يفترض أن يشكرك، وأنت غارق في نعم الله عزَّ وجل فمالك لا تشكره؟ ما لك لا تقابل إحسانه إليك بعبودية صحيحة نحوه؟ مالك لا تنضبط بأوامره اختياراً كما تنضبط بنظامه اضطراراً، أنت خاضع لله عزَّ وجل شئت أم أبيت، أنت خاضع في ولادتك وفي تنفسك وفي هضمك وطعامك وشرابك وتوسّف خلاياك وفي نبضات قلبك وفي خلايا دماغك أنت خاضع لله، لهذا الإله المدبر العظيم، بقي هذا الجانب السلوكي الذي هو محط التكليف وأنت من بين المخلوقات من تميز بأدوات التكليف؛ بالعقل وبالاختيار، أنت من شرفك الله عزَّ وجل بالخلافة في هذه الأرض )إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً( وأعطاك مؤهلات لهذه الخلافة. إنهم وللأسف يُلبِسون جاهليتهم ثوب العلم، ويصِمون ديننا الذي هو العلم حقيقة بالميراث الديني، لعلهم يصفونه بالتخلف أيضاً، وما رأيت مظهراً للتخلف إلا في أولئك الذي تجردوا عن إنسانيتهم حتى عن مستوى البهيمة وانحطوا في سلوكهم وأخلاقهم وتصرفاتهم وهمجيتهم إلى تلك المستويات المنحطة.
أيها المسلمون: لتنهضوا بالعلم ولتعتزوا بدينكم، برسالة الله إليكم، بالوظيفة التي عهد بها سبحانه وتعالى إليكم، العلم الذي يصل بكم إلى معرفة الله إلى معرفة أنفسكم إلى معرفة وظيفتكم إلى معرفة مفهوم العدالة مفهوم الحق مفهوم الخير فتسلكوا إلى ذلك كله السبيل التي رسمها من رسم لك نظام حياتك، السبيل التي رسمها من أودع فيك فطرتك، من خلق السموات والأرض وبوأك هذا الموقع العظيم. زهدنا بالعلم فأتت تلك العصابات المرسلة من الجهات الأجنبية بشكل مباشر أو غير مباشر ونادت غوغاءنا ليتبعوهم وليسيروا في ركابهم ليصوروا لنا إسلاماً ما أنزل الله به من سلطان، إسلاماً ينفر، إسلاماً فيه الوحشية والهمجية. سبب ذلك جهلنا، جل أبنائنا تتخلف مدارسنا عن تعليم ديننا، تخلف مؤسساتنا الإعلامية عن إظهار الإسلام الصحيح، تخلف مجتمعنا عن معرفة هذا الإسلام. كلنا مسؤولون، الأب مسؤول في بيته أن يتعلم دينه وأن يعلمه أولاده، والأم كذلك، والمدرسة كذلك، ووسائل الإعلام كذلك، كلاً ينبغي أن تتضافر جهودنا لننهض بأمتنا فلا يجد أولئك الذين شوهوا إسلامنا بإسلام صنعته جهات معادية للإسلام، بسلوكها المنحرف وبوحشيتها وهمجيتها وتصرفاتها المنفرة التي أعطيت في وسائل الإعلام الغربية والعربية اسم الإسلام. واسم الدولة الإسلامية – الله أكبر- أي دولة إسلامية هذه! دولة الجاهلية والكفر، فهي صناعة أنتجتها منظمات الكفر ودول الكفر لتشوه الإسلام، ولتقضي على أمة الإسلام في دار الإسلام، ذهبنا إلى الغرب ورأينا العالم الغربي ورأينا كيف أنهم يريدون أن يفهموا الإسلام. إسلامنا علم، إسلامنا حضارة إسلامنا عدالة إسلامنا رحمة )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( إسلامنا ليس همجية، إسلامنا ليس تخلفاً، إسلامنا واضح لكن ترى من الذي يغار على الإسلام ؟
أسأل الله أن تستيقظ عقولنا وقلوبنا، وأن نعود إلى ربنا وأن نفهم العلم بصورته الصحية، وأن نفهم إسلامنا بصورة صحيحة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 05-21-2014
لمشاهدة الخطبة على اليوتيوب


تشغيل

صوتي