مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 21/11/2014

خطبة الدكتور توفيق البوطي: وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون


وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ويقول سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ *أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) روى البخاري عن النبي r فيما رواه أبو هريرة عنه أنه قال : (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) وفي رواية مسلم: (يا أيها الناس توبوا إليه واستغفروه، فإني لاستغفر الله في اليوم مائة مرة) وعن أنس رضي الله عنه قال: قال r : (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائيين التوابون)
أيها المسلمون: الإنسان ضعيف وقد تزل منه القدم، وقد ينسى وقد يقع في ذنب تدفعه إليه نفسه الأمارة بالسوء، ولكن من كانت له صلة بالله وكان مدركاً لموقف لابد أن يؤول إليه بين يدي الله إذا آمن بأنه مهما عاش فإنه ميت ومهما عمل فلا بد أن يجني نتائج عمله أعتقد أنه سيستيقظ. التوبة أيها المسلمون صحوة قلب ويقظة عقل ووجدان، وإدراكٌ لخطورة الحياة التي يعيشها الإنسان والتي مهما امتدت لابد أن تنتهي إلى أجل، لابد أن تختتم هذه الحياة ولكن لن تختتم بمعنى أنه سينتهي النهاية المطلقة؛ بل سينتقل من مرحلة إلى أخرى، من مرحلة العمل إلى مرحلة الجزاء، وأول مراحل الجزاء سؤال القبر الذي يلخص حياته ويختصر شخصيته إن كان مؤمناً أو كان ضالاً جاحداً، أما المرحلة الثانية فمرحلة الموقف بينهم يدي الله يوم تبدوا السريرة علانية (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) يوم يقال: (هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) يوم يقال: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) التوبة يقظة في القلب والعقل يراجع الإنسان فيها نفسه بعد حالة من الضعف في إرادته والضعف في نوازع الخير لديه، من حالة من الغفلة أنسته أنه إنسان وأنه لابد أن تنتهي حياته إلى موت وأنه لابد أن يحاسب على الصغيرة والكبيرة، وأنه ))فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)
أيها المسلمون
نحن ضعفاء ونقر بضعفنا، ولكن لا ينبغي أن نضيف إلى ضعفنا غطرسة حمقاء ولا كبرياء خرقاء تودي بنا إلى الهلاك، ولا ينبغي أن يكون ضعفنا سبباً لتسويف ينسينا أننا على موعد مع الأجل، والأجل لم يحدد الله لك موعده؛ بل نبهك إلى أنك في كل لحظة ينبغي أن تكون مستعداً له، التوبة اصطلاح مع الله، صلح يعقده الإنسان مع ربه، يقظة تعود به إلى الله عزَّ وجل ليرتمي على أعاتبه: يا رب ظلمت نفسي واعترفت بذنبي وها أنا ذا قد تبت لك فاغفر ذنبي وأقِلْ عثرتي واغفر سيئاتي يا أرحم الراحمين، هذه هو الحال الذي ينبغي أن نكون عليها، وهذا ما ينبغي أن نكون عليه جميعا وأبدأ بنفسي، وأقول لكل واحد منا متى تستيقظ؟ متى تعود إلى الله؟ متى تردع نفسك عن الغواية؟ متى ترعوي؟ أيغرك مالٌ كثير بين يديك؟ أم يغرك فرصة من الحياة لا تدري متى تنتهي؟ أيغرك منصب أم يغرك جاه؟ ماذا يغرك حتى تتمادى في مخالفة أمر ربك. والمعاصي أنواع؛ من المعاصي ما هو بينك وبين الله عزَّ وجل، لم تعتدِ فيها على إنسان، ولم تعتدِ على حق أخٍ لك في هذه الدنيا، أنت فيها مجرد إنسان ضعيف زلت قدمه، قصر في واجب أو ارتكب المخالفة، والأمر بينك وبين الله لم تعتدِ فيه على أحد، نحن في هذه الحالة نحن أمام الصورة الأولى من الذنوب: ذنوب تتعلق بحقوق الله، وذنب آخر يتعلق بحقوق الخلق، فالخلق الذين هم من حولك، لهم عليك حقوق، وينبغي أن تكون حريصاً على تلك الحقوق، حقوق تتعلق بأرحام وبوالدين، أن تصل رحمك وأن تبر والدين، وأن تعطي من فضل مالك لمن يستحق ولمن هو بحاجة.
أيها المسلمون في هذه المناسبة أقول: لقد قست قلوبنا مع أن كل ما في ظروفنا يقتضي منا أن تذوب قلوبنا رقة على بعضنا، قست القلوب وتبلدت الأحاسيس حتى رأينا الرحم يقطع رحمه ويحرمه، وهو قادر على أن يصله ويعطيه، كم سمعنا عن إنسان عنده فضل مال زائد وكثير أمسك به وشح وضاقت به نفسه أن يساعد رحمه وأخاه وجاره وذلك الفقير، في وقت ينبغي أن تستيقظ فيه القلوب، نحن في محنة نحن في شدة نحن في بلاء يحرك القلوب رقة ورحمة ببعضنا، ولكن قست القلوب فقطع الرحم رحمه، حرم الخير عن جاره وعن أخيه وعن ابن عمه وعن أقاربه، متسع من البيت أستطيع أن أجعل قسماً منه لأخي فيحرمه من ذلك، سعة من الرزق أستطيع أن أقتطع منها شيئاً فأعطيها لابن عمي، ولكن نفسه تمنعه من ذلك بخلاً وشحاً وأنانية، هذه الظاهرة ظاهرة مرضية خطيرة ينبغي أن نتوب إلى الله منها، وأن نعيد النظر في سلوكنا مع بعضنا وأن نتراحم فالراحمون يرحمهم الرحمن، المتعاطفون يجدون الرحمة الإلهية تنهمر عليهم، أما قسات القلوب فويلٌ للقاسية قلوبهم، ويل لهم لأنهم حرموا إخوانهم وأقرباءهم وجيرانهم من حق ألزمهم الله عزَّ وجل به وهو سائلهم عنه فالله تعالى قال: (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) أنت مؤتمن على هذا المال ولست سيداً له، هذا المال اكتسبته من رزق الله من أرض خلقها الله لك، وسماء أمطرت من فضل الله على هذه الأرض فجنيت من بركات سماء الله عزَّ وجل وبركات الأرض التي خلقها الله عزَّ وجل لك رزقاً تجنيه لكن هذا الرزق ليس لك هو أمانة بين يديك (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) وقارون عندما قال مغتراً بنفسه أنه قد وصل إلى هذه الثروة الهائلة ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، قال إنه جناه بتعبه وعلمه وجده ونشاطه ومهارته، مسكين هذا الإنسان؛ لذلك خسف الله به وبماله وببيته الأرض وأهلكه، ما ينبغي أن نكرر قصة قارون في أنفسنا، فلكم سُلِب بساطُ النعمة من إنسان استكبر بالنعمة، ولقد رأينا أمماً لا أفراد فقط كانوا في أعلى درجات الثراء في لمح البصر خلال فترة بسيطة جداً إذا هم على لا شيء، ولا أريد أن أذكر الأمثلة فالأمثلة في حياتنا اليوم على ذلك كثيرة.
أقول: التوبة مراجعة للذات وأوبة إلى الله واصطلاح معه، يقول فيها العبد: يا رب ظلمت نفسي، أيها الإنسان: أنت لم تظلم الناس أنت قبل أن تظلم الناس ظلمت نفسك، لأن الناس سيتولاهم الله عزَّ وجل، ولكنه كلفك وائتمنك أن تتعاون مع إخوانك، فأنت لست فرداً أنت جزء من مجتمع وأنت مسؤول عن هذا المجتمع، أنت لست واحد منعزلاً عن الناس، كل ما تكسبه إنما تكسبه من هذا المجتمع، وكل ما تنفقه إنما يعود إلى هذا المجتمع. واعتزال عن المجتمع أمر محال إلا إذا أردت أن تعيش في أعالي الجبال وبمنأى عن الناس. وهذا من شأن الوحوش وليس من شأن البشر.
أقول: أيها المسلمون مراجعتنا لأنفسنا وإعادة النظر في سلوكنا وفي تصرفاتنا وفي علاقاتنا وفي معاملاتنا للآخرين أمر واجب فرضه الله علينا عندما قال (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وعندما قال لمن استيقظ قلبه بعد شدة وقسوة: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ) اليأس مرض يضاف إلى المعصية فيكرس لبقاء المعصية، لا تيأس من رحمة الله، ولكن ربنا تبارك وتعالى علمنا صفتين في ذاته فقال: (نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ) وإذا تتبعنا كتاب الله لم نجد آية فيها وعد إلا ووجدنا بعدها آية فيها وعيد؛ ليعيش الإنسان في حالة من الاستقامة، لا ييأس من رحمة الله ولا يطمع طمعاً يتمادى فيه في معصية الله، الإمام النووي في كتابه رياض الصالحين بين شروط التوبة، وهي شروط متفق عليها، يقول: الشرط الأول الإقلاع عن الذنب؛ أما أن أستغفر وأنا غارق في أوحاله فهذا هزل وليس توبة، وهذه سخرية يستحق صاحبها السخط بدلاً من استحقاق المغفرة، بل إن الشرط الأول هو الإقلاع عن الذنب. والشرط الثاني: إذا كنتُ قد اصطلحتُ مع الله وإذا كنت قد استيقظت بعد غفلة فعلي أن يكون هناك ندم صادق في قلبي على ما فرط مني وعلى ما قد ارتكبت، الندم على فعله، لأنه يتصور نفسه وقد وقف بين يدي الله وقد حمل أثقالاً من الذنوب، واخجلتاه، أنت بين يدي من أكرمك وأعطاك وأولاك، فأتيته بدلاً من أن تأتيه بالشكر على نعمه وبالطاعة لأوامره وبالاجتناب عن نواهيه تأتيه مثقلاً بالذنوب والأوزار؟ لذلك فالندم على ما كان قد فرط منه أو جرى منه، والثالث: أن يعزم عزيمة صادقة بجد وصدق على عدم العود، النادم يقول بلسان حاله لن أعود إلى هذا الأمر إذا كان صادقاً في ندمه، وإذا كان الذنب بينك وبين الخلق فإن عليك أن تعتذر وترد الحقوق إلى أصحابها، وأن تبدل حالك مع الخلق إلى الوضع الصحيح، فمن قطع رحمه وصلها، ومن عق والديه جاء معتذراً ملتمساً منهم الرضا حريصاً على برهما، ومن أساء وآذى جاره كف أذاه واعتذر عن ظلمه وبغيه وصحح سلوكه، ومن غش في معاملته وكذب في حديثه وكسب مالاً من حرام رد المال إلى صاحبه، فالمال الحرام سم زعاف يودي بك في الدنيا إلى الضنك والشدة، ويودي بك في الآخرة إلى النار والجحيم.
ترى هل نستيقظ بعد غفلة؟ هل نندم بعد تمادٍ في الخطأ ترى هل نعود إلى ربنا؟ أقول أخطر الذنوب ذنبان: ذنب استكبر فيه صاحبه هو لم يكتفي أنه أذنب واستكبر بعد أن أذنب فكانت كبرياءه مانعة من أن يعتذر أو أن يتوب، والمتكبر باب الرحمة الإلهية دونه مغلق. هما طرفان قد عصيا إبليس عصى وآدم عصى، لكن آدم عليه الصلاة والسلام سرعان ما تاب إلى ربه وعاد إلى الله عزَّ وجل نادماً أن أكل من الشجرة بعد أن حذره الله تعالى ونهاه عنها، فمضى هو وزوجته يناجيان الله سبحانه وتعالى: (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وما كان من الله عزَّ وجل إلا أن تاب عليهما، والتائب من الذنب لا أقول فقط كمن لا ذنب له، ربنا وعد التائب بالصدق من ذنبه قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) أي كرم هذا؟ أي رحمة هذه؟ عندما يرى ربنا سبحانه وتعالى منك الصدق في التوبة إليه، الصفحات التي كانت مسودة بالمعاصي يقلبها ربنا تبارك وتعالى إلى بيضاء ناصعة فيها الحسنات التي كانت قد انقلبت عن سيئاتك إذا صدقت، فهل من صدق؟ هل من صدق نأتي به على الله عزَّ وجل ونقف فيه بين يدي الله مذعنين له صادقين في التوبة إليه خجلاً نحني الرأس بين يديه ليقول لنا قد تبت عليكم فامضوا إلى جنة عرضها السموات ولأرض، هذا ذنب وذنب آخر أخطر هو الإصرار على الذنب مع معرفتك أنه ذنب، وهذا متصل بقضية الكبر. أولئك الذين أخطأوا بحق هذا الوطن، وكانوا سبباً في الفتنة فيه والتمادي في الاستكبار عن العودة إلى الصواب والرشاد، فرهنوا أنفسهم لجهات خارجية مصرين على أن يتمادوا في الفتنة في هذا البلد وعلى أن يخربوا ويدمروا هذا الوطن ويقتلوا أبناءه، أولئك جريمتهم أكبر من أن تتسع لها أبواب المغفرة إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحا وندم على ما فعل وصرح بندامته.
( قيل لأحدهم أما تبين لك أنك على خطأ؟ قال والله ما كنا نقدر هذه النتائج، قال: أما أولى بك أن تعلن للناس أننا كنا مخطئين فأغمدوا أسلحتكم وعودوا إلى محبتكم و إخوانكم عودوا إلى حب الوطن، قال إيش نقول للناس؟ ) نسي الله وأصبح يبحث عن كلام الناس، فلتنفعه الناس، تكبر على أمر لله إرضاءً للناس ومن طلب رضاء الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، هؤلاء أجدر بأن يعودوا إلى رشدهم من أجل أنفسهم قبل أن يكون لشيء آخر، لا أقول من أجل أن يعودوا إلى الوطن فهذا أمر لا يتعلق بهذا الباب، ولكن من أجل أنهم إن خسروا دنياهم فلا يخسروا آخرتهم، خسروا دنياهم وخسروا وطنهم فلا يخسروا آخرتهم ليتوبوا إلى ربهم ليعودوا إلى رشدهم أما أن يسودوا جرائهم بالاستكبار على الله عزَّ وجل والتمادي في تأجيج الفتنة، فتلك جريمة من أقذر الجرائم.
أسأل الله أن يوقظ قلوبنا ويردنا إلى رشدنا ويتوب علينا ويصلح أحوالنا إنه سميع مجيب.
خطبة الجمعة 21-11-2014


تشغيل

صوتي