مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 07/11/2014

خطبة الدكتور توفيق البوطي: لهذا نتمسك بالتربية الدينية


لهذا نتمسك بالتربية الدينية
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله U في كتابه الكريم: )ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ( وقالU: )وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(، وقال سبحانه وتعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(، ويقول سبحانه :) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى(، روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول اللهr:"مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم بالمضاجع".
أيها المسلمون: يعاني مجتمعنا أو المجتمع الإسلامي عامة من فساد وأمراض خطيرة، كانت التربة التي هيأت لوقوع كثير من المصائب التي نعاني منها بشكل مباشر أو غير مباشر. ومنشأ هذه الأمراض الخطيرة تقصير المجتمع في إصلاح ذاته، وغزو ثقافي وإعلامي خطير معادٍ تمكن من ساحة التأثير في نفوس أبناء هذا المجتمع وبناته، وساحة هذا التأثير تتمثل أشد ما تتمثل في وسائل الإعلام وشبكات التواصل العنكبوتية، وتتمثل أيضاً في المؤسسة التربوية، إلا أن تأثير هذه الوسائل إنما ينال الأمة عندما لا يكون لدى الأمة مناعة ذاتية تتحقق لها، وهذا بسبب خلل في البناء التربوي والبناء السلوكي. الدوائر الأجنبية ووسائلها في بلادنا سدنتها وخدمها تسعى جاهدة لنشر الفساد التربوي في مؤسساتنا ومجتمعاتنا وإعلامنا من خلال نفوذها، ومن خلال من يعمل لصالح برامجها، فهناك الكثيرون ممن رهنوا أنفسهم لتطبيق وتنفيذ تلك البرامج بمقابل أو بغير مقابل، على الأقل لينال شهادة تزكية منها وقبول وحسن سلوك، عندما نتأمل واقع مجتمعنا اليوم، عندما نجد حالة الضياع التربوي في شبابنا والتفسخ الأخلاقي الذي بدأ يتفشى في أوصاله، الكذب في الحديث، الغش في التعاملات المالية، إلى جانب ما أفرزته الأزمة أو المحنة التي نعيشها من أوضاع كلكم يراها، حيث تنكر الإنسان لمجتمعه؛ تنكر للقيم الأخلاقية التي عرفناها وربينا عليها، تنكر للأم وللأب، وتنكرت الزوجة للزوج والزوج للزوجة، تنكرنا لحق الجوار ولحق الرحم، واعتداء على الحقوق المالية والحقوق الاجتماعية، لقد قست القلوب وتقطعت أوصال الأرحام حتى لم يعد الأخ يبالي بآلام أخيه، ولم يعد يكترث الابن لآلام أبيه، تقطعت الأواصر يعيش أحدنا في بحبوحة وترف وأخوه أو ابن عمه أو من يلوذ به يعيش في كرب وضائقة، وليس ثمة من يبالي أو يكترث، حقوق الناس التي ضاعت بسبب الحالة التي نعاني منها استباحها البعض، وهنا أقول استباحها البعض من كلا الفريقين، من الفريق المعتدي ومن الفريق الموالي، كلاهما اشتركا في التعدي على الحقوق المستباحة من أموال وأعراض وغير ذلك، مشكلات خطيرة في دوائرنا في مدارسنا في مؤسساتنا التربوية، لو أننا بحثنا عن جذورها لوجدنا أنها تتمثل في عدم وجود الوازع الأخلاقي الوازع الذي يحول بين الإنسان والظلم، بين الإنسان والأنانية، بين الإنسان والغش والخيانة، بين الإنسان والروح العدوانية، لقد وصف النبي r المجتمع الإسلامي بقوله: "مثل المؤمنين في تواددهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" ونحن غدونا أشلاءً لا يبالي جزٌ منها بآخر، ولم يعد يتألم الأخ لألم أخيه، ولم يعتد يكترث أحد بمسؤوليته عن حقوق الآخرين، تعدينا على الحقوق، غششنا في التعامل،كذبنا في الحديث والأمور كلها واضحة والخلل يبدأ منذ متى وكيف؟ أليس علينا أن نراجع وبشكل ملح ضرورة تنشئة الجيل وإعداد الفرد ليكون عضواً نافعاً صالحاً بناءً في المجتمع، بدلاً من أن يكون عضواً ضاراً مفسداً هدَّاماً في المجتمع، يشترك في المسؤولية عن هذا الوضع كل مؤسسات المجتمع بدأً من المنزل ) قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ( أنت مسؤول عن أسرتك أنت لست متعهد أسواق لبيتك، أنت عليك أن تؤمن لبيتك ما يلزمه، ولكن المسؤولية الأكبر عليك أن ترعى هذا البيت وتحميه من المؤثرات السلبية التي تفد إليه عبر وسائل الإعلام وعبر أصدقاء السوء وغيرهم، نحن مسؤولون )وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ( سنُسأل عن هؤلاء وهؤلاء، سنسأل عن أولادنا وعن زوجاتنا وعن جيراننا وعن أرحامنا، سنُسأل مسؤولية كاملة )وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ( نحن مسؤولون عن تربية أولادنا، أما أن نعهد بتربية الأولاد إلى الشارع فإن النتيجة معروفة؛ هي الضياع هي الإجرام، وأول ضحايا الإجرام هي أنت، أنت أول ضحية لجريمة ابنك ومن حولك مجتمعك الذي سيكون الضحية الثانية، والضحية أنت مرتين عندما تفقد ولدك في الدنيا ومرة عندما يسألك الله عنه يوم القيامة، عندما يسألك عنه كيف ضيعت الأمانة؟ ولدك هذا أمانة وزوجتك أمانة، إذاً البيت هو في الدرجة الأولى، والبيت ليس وحده في ساحة المسؤولية، المؤسسة التربوية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن رعاية الجيل وأبنائه وبناته عن رعاية هذا المجتمع منذ المراحل الأولى في إعداده وتربيته، ونحن نقول: إن على المؤسسة التربوية أن تعد الجيل الصالح لا الجيل المتفسخ، لا الجيل الذي يحسن الرقص وأداء الأنغام الموسيقية، بل الجيل الذي يحسن خدمة هذا الوطن ويتحمل مسؤولية البر بوالديه وحسن التعامل مع جيرانه والآخرين، إعداد الجيل ليصبح جيلاً بناءً لا جيلاً هداماً، جيلاً أخلاقياً لا جيلاً متفسخاً، ما دور المؤسسة التربوية الآن؟ إن من المهم جداً أن يعاد النظر في الهيكلة التربوية وفي المناهج لتكون بناءة تُعد هذا المجتمع ولتقيه من الغزو الثقافي من التفسخ الأخلاقي من الانحراف من الضياع الذي أودى بشبابنا إلى محنة أحرقتهم، ولا شك أن من قصر في ذلك من المؤسسة الدينية أو المؤسسة التربوية يتحمل كامل المسؤولية عن ذلك، الذين ضللوا شبابنا ممن يحملون الصفة الدينية مسؤوليتهم بين يدي الله عظيمة جداً ومسؤوليتهم أمام الوطن عظيمة جداً، على أن هذه المسؤولية مشتركة بين المؤسسة الدينية والمؤسسة التربوية والمنزل والمؤسسة الإعلامية فكلهم شركاء في صناعة الجيل، كلنا شركاء في صناعة هذا المجتمع.
صيحات تصدر اليوم من قبل رعاع يريدون تنحية التربية الدينية لا أدري ترى ما الذي يضيرهم من التربية الدينية؟ هل هي العقيدة التي يبنيها الإسلام على أساس علمي طريق الوصول إليها البرهان العلمي والحوار وليس الإكراه ولا القهر؟ أم الأخلاق؟ هل يضيرهم في التربية الدينية تلك الأخلاق السامية التي تدعو إليها التربية الدينية؛ من صدق في الحديث وأمانة في التعامل ووفاء للعهود وبر بالوالدين وحسن الجوار وصلة الرحم؟ أم يضيرهم فيها تلك الصلة الراقية بين الإنسان وخالقه التي تقوم على أساس المعرفة والوفاء لحق العبودية، ومن ثم تلك العبودية التي تسمو بالعبد إلى أسمى مراتب الحرية، عبوديتنا لله عزَّ وجل هي أعظم ثوب يسمو بنا إلى أعلى درجات الحرية، فالجبهة التي تسجد لله ترفض أن تسجد لأجنبي وترفض أن تسجد لأي إنسان مهما كان شأنه، أما النفوس المريضة التي تخنع لعبد وتنأى بنفسها عن السجود لله فإنها تسجد لكل من اشتراها وتخضع لكل من اشتراها، حرية الإنسان منوطة بعبوديته لله عزَّ وجل، والباحثون عن الحرية من خلال ما فعلوه في ببلادنا هم يبحثون عن عبودية مهينة للأجنبي وللعدو وللمصالح الأنانية، يدعون الحرية وهم عبيد، عبيد لشهواتهم عبيد لأجنبي عبيد لمخططات تدمير هذه الأمة.
الإسلام في العبودية لله عزَّ وجل يزرع في نفوس الناس أسمى معاني الاعتزاز بإنسانيته والترفع عن أن يكون عبداً لمخلوق مهما كان شأنه، ترى ما الذي يضرهم في التربية الدينية؟ ألأنها تنشئ الطفل على الفضائل وعلى الطهارة؟ بعض التربويين حذف من المناهج كلمة الطهارة فذكرني بقول قوم لوط )أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ( نعم، يضيره أن ننشئ الجيل على الطهارة،كلمة هي مصطلح ديني )إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ(، ) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ( يضيره أن يقال وثيابك فطهر، يضيره أن يقال أخلاقك فطهر، يضيره أن يقال ضميرك فطهر، يريد ضميراً قذراً ممتلئ بالأنانية وسوء الأخلاق، وكم تمرد على بر الوالدين في توجيهاته هذا الذي أحدثكم عنه، وأراد أن تغرس في نفوس الأبناء معنى الاستعلاء حتى على الأبوين، ومن استعلى على أبويه استعلى على المجتمع كله. يحتجون بوجود غير المسلمين في مجتمعنا – يا مرحباً- مجتمعنا منذ نشأته الأولى احتضن المسلمين وغير المسلمين، ونحن نقول مرحباً بوجود غير المسلمين في مجتمعنا، والذين يتمتعون بحرية ممارسة شعائرهم منذ اليوم الأول لدخول الإسلام لهذه البلاد ولسائر البلاد وبحماية كنائسهم، ومن حقهم أن يعلموا أولادهم شعائر دينهم، وليس ثمة ما يقتضي منعهم من ذلك، وهناك مادة للتربية الإسلامية ومادة للتربية المسيحية، لكنهم يريدون أن لا تبقى هناك تربية أصلاً يريدون الضياع وهذا أمر يرفضه المجتمع الواعي الذي يريد المناخ الصالح للفضيلة، الصالح للوطنية، الصالح للطهر، الصالح للعدالة، الصالح لعيش كريم بين أبناء المجتمع، يريدون تفسخاً وخيانةً وضياعاً في العقيدة والأخلاق والسلوك والمعاملات .
إن الإسلام لم يضق ذرعاً بغير المسلمين في مجتمعه؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لنصارى نجران أن يصلوا صلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم، هذا الذي نحن تعلمناه في ديننا، يتحدثون عن الاعتراف بالآخر ويريدون إلغاء المجتمع كله، نحن نقول: الاعتراف بالآخر واحترام الآخر يبدأ من منطلق أن تحافظ على قيم تضمن احترام الآخر والاعتراف بالآخر .
خطبة الجمعة 07-11-2014


تشغيل

صوتي