مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 10/10/2014

خطبة الدكتور توفيق البوطي: أشراط الساعة ليست حديثاً للتسلية


أشراط الساعة ليست حديثاً للتسلية
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: )فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ( وروى الإمام أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد عن أنس بن مالك t، عن النبي r قال: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها" وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي موسى الأشعري t قال: قال رسول الله r:
"لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج، فقلنا: يا رسول الله وما الهرج؟ قال: القتل القتل، قلنا: أكثر مما نقتل اليوم؟ قال: ليس بقتلكم الكفار، ولكن يقتل الرجل جاره وأخاه وابن عمه، قال: فأبلسنا حتى ما يبدي أحد منا على واضحة قال: قلنا: ومعنا عقولنا يومئذ؟ قال: تنزع عقول أكثر أهل ذلك الزمان، ويخلف هنات من الناس يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء، والذي نفسي بيده لقد خشيت أن يدركني وإياكم الأمور، ولئن أدركتنا مالي ولكم منها مخرج إلا أن نخرج منها كما دخلناها"
وروى مسلم عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: "من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة فليس من أمتي، ومن خرج من أمتي على أمتي يضرب برها و فاجرها، لا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي بذي عهدها فليس مني" وروى نعيم بن حماد في الفتن عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: "إذا خرجت الرايات السود فإن أولها فتنة وأوسطها ضلالة وآخرها كفر" وفي أثر عن الزهري قال:( تقبل الرايات السود من المشرق يقودها رجال كالبخت المجللة، أنسابهم القرى، وأسماؤهم الكنى .... الخ
أيها المسلمون: يكثر الحديث اليوم بين الناس عن الكوائن من أشراط الساعة، وإذا كانت بعثة النبي r أول أشراط الساعة، فنحن في غمار تلك الأشراط التي يتسارع أمرها وتظهر الواحدة منها تلو الأخرى، ويحلو للبعض أن يكثر الحديث عن أشراط الساعة، والدافع إلى ذلك رغبة في استشفاف الغيب، وهذا لون من الهوى الذي لا يناسب خطورة الأمر الذي ينبغي الاهتمام به بحسن الاستعداد لما يعنيه من خطر مقبل، ولمعانٍ ينبغي أن نقف عليها إن شاء الله تعالى، إن الحديث عن أشراط الساعة أولاً: لا ينبغي فيه أن نسقط الأحاديث والأخبار على وقائع كما يحلو لنا، فأشراط الساعة تفسيرها حدوثها، وهناك أشراط لا تختفي ولا يختلف في شأنها، كخروج الدجال ونزول المسيح عيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج وغيرها وخروج الشمس من مغربها أمور لا تختلف على الناس، وهناك أمور تجري الناس يسقطون أحاديث على أحداثها وليست كذلك، لذلك ما ينبغي أن نسقط جزماً أحكاماً على وقائع من خلال أحاديث تتعلق بأشراط الساعة، نقول: النبي r قال كذا فهذه هي المسألة الفلانية، هذا ليس أمراً مقبولاً في أمور يكون تفسيرها في الحقيقة حدوثها بشكل لا يلتبس على الناس، ولا يختلف فيها اثنان، والأمر الثاني: لماذا الحديث عن أشراط الساعة؟ إذا كان الحديث عن أشراط الساعة من أجل أن نستشف الغيب ونجلس إلى أناس يسلوننا بما سيكون من أحداث الزمان فهذا هوى سخيف ما ينبغي أن يكون الدافع إلى الحرص عليها. نحن نعاني من أحداث فيها مخاطر ينبغي أن نتلمس من خلال هذه الأحاديث مواطئ أقدامنا، لتكون هذه الأحاديث حافزاً لنا إلى تصحيح مسارنا وتقويم اعوجاجنا وأن تكون حافزاً على التقى والعودة إلى الله عزَّ وجل، أما أن نجلس ونتسامر بمثل هذه الأحاديث لأنها طريفة فعلاً، نستشف بها الغيب فهذا من الحماقة وإضاعة الوقت، نحن أمام أحداث ينبغي أن نعرف الحكم الشرعي إزاءها، ينبغي أن نضبط تصرفاتنا بما تمليه علينا تلك الأحاديث. اهتمامنا لا ينبغي أن يكون من قبيل الطرافة في الأخبار التي تستشف الغيب، وإنما ينبغي أن يكون اهتمامنا بالحكم الشرعي المتعلق بتلك الأحداث، المتعلق بتصرفاتنا إزاء ما يجري أو ما يتوقع أن يجري، أما سمعتم حديث النبي r المذكور آنفاً: "لئن أدركَتْنا مالي ولكم منها مخرج إلا أن نخرج منها كما دخلناها" لا أن ننغمس فيها ونصبح جزءاً من أحداثها، ونكون أداة من أدواتها. بل أن نتجنب مزالق الأقدام، لأن تلك المزالق هي مخاطر حذرنا النبي r منها، وإن ذهبنا نحلل في حقيقة تلك الأحداث فالكثير منها مؤامرات تستهدف وجودنا تستهدف حياتنا تستهدف ديننا تستهدف عقيدتنا، فما ينبغي أن نتعامل معها إلا بالحذر وأن نعد لها عدة مناسبة من إيمان راسخ وعقيدة متينة والتزامٍ جادٍ بالضوابط الشرعية، يقول النبي r هذا الحكم، يذكر علامة من علامات الساعة ثم يقول: "من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات مات ميتة الجاهلية، ومن قاتل تحت راية عمِّية" لا يدري من يقوده، ولا إلى أي جهة يسير به، يقف أمام مجهول ما ينبغي أن نسير في غياهب أنفاق مظلمة لا ندري إلى أي جهة تسير بنا وإلى أي نتيجة تؤدي بنا، هذا من الحماقة في الموازين العقلية، ومن الانحراف بالموازين الشرعية من الانحراف والمخالفة لهدي الله تعالى، أما قال النبي r: "تركتكم على محجة بيضاء نقية ليلها كنهارها" ليس أمام ألغاز ولا أمام مجهول ولا أمام أسماء حركية وغيرها؛ بل أمام ضوء الشمس تحت ضوء الشمس نتعامل وأمام الحقائق الساطعة نمد أيدينا لنصافح الحق البين، لا لنصافح المجهول، قال: "ومن قاتل تحت راية عمِّية يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة –للفئة للجماعة للانتماء للحزب– فليس من أمتي، ومن خرج من أمتي على أمتي –ليتهم كانوا قد خرجوا ليقاتل العدو الذي يربض في فلسطين أو ليقاتلوا أعداءنا الذين حشروا قواعدهم في البحر والبر، ولكنهم يقاتلون إخوانهم وأبناء أمتهم ولربما قاتل الأخ أخاه وشقيقه– من خرج من أمتي على أمتي يضرب -أياً كانت الإصابة وأياً كان الهدف، لا وإنما يقتل بدون هدف وبدون تمييز– يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي بذي عهدها فليس مني" ليس من هذا الدين، ليس من رسول الله، تبرأ رسول الله r منهم، هذا الذي ينبغي أن يهتم أحدنا به عندما يقرأ أحاديث أشراط الساعة والفتن، ينبغي أن ينظر إلى الحكم الشرعي، لا أن يجلس في متعةِ استشفاف الغيب والأمور المتوقعة وغير ذلك، هذا من الغباء؛ أن أتحدث عن جغرافية ما، وهنا توجد وحوش وهنا توجد الضواري وهنا توجد الوديان وأقرؤها على سبيل الاستشفاف وأنا أمشي في غياهبها، اسمع أنت عندما تقرأ يجب أن تتعامل مع ما تقرأ، لتبني تصرفاتك بالحذر مما هو خطر، وبالإقبال على ما هو صحيح سليم، تعامل بعقل.
الأمر الآخر: نعم قد يكون ما يجري هذا مقدمات لأمور أخطر، وقد يكون هذا متوقعاً، ولا أستطيع أن أجزم لكنه مجريات الأحداث تشير إلى أن الأمور تتوالد من خطر إلى ما هو أخطر، هل هذا الأمر مدعاة لليأس؟ هل هو مدعاة للإحباط؟ هل هو مدعاة لأن نقبع في بيوتنا ونشل فاعلية الخير في حياتنا، النبي r يقول لنا ما هو أعظم من ذلك "إذا قامت الساعة – وليس أشراطها – إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة – غراس شتل – فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها" وفي رواية "فإن له بها أجرا" أنت تفعل الخير لأنه خير، ولأنه بناء ولأنه إصلاح ولأنه بدافع أنك قد أُمِرتَ أن تفعل الخير، أما من قد يستفيد منه فهذا من شأن رب العزة جلَّ شأنه. زرعوا لنا فأكلنا ونزرع نحن فنؤدي بذلك عبادة، وقد يأتي الجيل الذي من بعدنا فيأكل، وقد لا يأكل. لكن الأجر قد كتب لنا، كلمة الخير سنتابع نشرها، والنصح سنتابع توجيهه، والدعوة إلى الله سنتابع مسيرتها، مهما كانت الأحداث ومهما كانت الأخطار، وتوجيه النصح إلى الناس وتحذيرهم من الشر ودفعهم إلى مسالك الخير واجب علينا مهما كانت الظروف، حتى وإن قامت الساعة وكنتُ قادراً على أن أتكلم بكلمة حق أوجهها للناس فما ينبغي أن أصمت عنها وعلي أن أوجهها، فمن أطاع فهذا شأنه، ومن عصى فذلك أمره إلى الله، الدعوة إلى الخير لا تموت، والعمل الصالح لا يتوقف؛ حتى وإن وجدنا الساعة قد ادلهمت ظلماتها وأحدقت بنا أخطارها، فإن دوافع الخير لدى الإنسان المسلم لا تتوقف ولا تشل ولا تتعطل، بل إنه دائما يسعى في سبيل نشر الخير، وفي سبيل بناء ما هو إصلاح للمجتمع، وما هو إصلاح للأمة وما هو خير.
على أننا نقول: إن كلمة الحق يجب أن تبقى مجلجلة في الأرض والانهزاميون لا يهزمون كلمة الحق وإنما يهزمون أنفسهم، وكلمة الحق ستبقى شاء من شاء وأبى من أبى، ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله " فإن شئت أن تكون من أولئك الذين اختصهم الله عزَّ وجل بشرف نشر الخير والرسالة والحق فتبوأ ذلك الموقع، وإن شئت أن تكون من أولئك المخلفين فذلك شأنك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المؤمنين.
خطبة الجمعة 10-10-2014


تشغيل

صوتي