الدكتور محمد توفيق رمضان
الخطيب:
التاريخ: 11/07/2014
خطبة د.توفيق: وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون
وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله سبحانه وتعالى:
[شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ]
ويقول سبحانه: [اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ]
روى ابن ماجة عن عبد الله بن عمر قال: كنا قعودا عند رسول الله، فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله وما فتنة الأحلاس؟ قال: "هي هرب وحرب، ثم فتنة السراء، دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني، وليس مني، وإنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كوَرِكٍ على ضِلَع. ثم فتنة الدهيماء، لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، فإذا قيل: انقضت تمادّت، يصبح الرجل فيها مؤمنا، ويمسي كافرا، حتى يصير الناس إلى فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده "
وروى مسلم عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العبادة في الهرج كهجرة إلي"
أيها المسلمون: هاهو ذا رمضان يمضي سريعاً كما هي الحياة، ويوشك أن نراه قد ارتحل فلا نضيعنَّ فرصة عظيمة جعلها الله لنا فرصة للإقبال عليه والتقرب إليه لننال مغفرته وننال الأجر العظيم عنده، ولكي يكرمنا الله عزَّ وجل بنور في قلوبنا يقوم حياتنا وسلوكنا، ولكي تكون لنا ذخرا غداً إذا وقفنا بين يدي الله عزَّ وجل.
أيها المسلمون الحياة فرصة والأجل لاشك قادم واستثمار الحياة في صالح الأعمال هو مقتضى العقل وأداء لواجب، وشهر رمضان فرصة من فرص الحياة العظيمة قد لا تتكرر، فكثيرٌ ممن شهد رمضان المنصرم الماضي لم يشهده هذه السنة ولعل كثيراً منا ممن شهد هذا الشهر قد لا يبلغ به الأجل إلى السنة القادمة، [وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوت]ُ لذلك جدير بنا أن نحرص على الأيام المتبقية من هذا الشهر، والليالي المتبقية منه، فنستثمرها في طاعة الله في عبادة الله في التقرب إلى الله، بدلاً من أن نضيعها في لهوٍ لا فائدة منه؛ بل في لهوٍ فيه الوبال والدمار وفيه الخسارة، قال الملاحدة: (الدين أفيون الشعوب) والدين إنقاذ للشعوب، الكرة أفيون الشعوب، وهذه الأجهزة التي تحمل اليوم أنواع المفاسد الأخلاقية لتقوض الأسرة وتدمر الأخلاق وتفسد المجتمع هي أفيون الشعوب، هي التي أهلك أمتنا ودمرت الأسرة، وأفسدت الشباب والفتيات، وانعطفت بمجتمعنا إلى هاوية الهلاك نتيجة متابعته لما يجري في تلك الشاشة أو هذه، سواء كنا نتابع على شاشة الإعلام أم على شاشة الاتصالات والشبكة العنكبوتية، لم تحمل هذه الشاشة أو تلك –وللأسف في كثير من الأحيان- إلا المفاسد التي من شأنها أن تدمر مجتمعنا وتفسد جيلنا وتهلك أمتنا، علينا أن نستيقظ فنحن محاسبون [مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] حركاتك محصية ونظراتك محصية وما تسمعه مسجلٌ عليك، وما تنظر إليه مسجل عليك ، فإن كنت وحدك كان الله معك، وإن كنت بين الخلق فاتق الله فيما أنت فيه، وانظر فيما يمكن أن ينفعك غداً إذا قام الناس لرب العالمين، والحديث في هذا يطول .
أيها المسلمون: تطوف بأمتنا في هذه الأيام فتن جسام خطيرة لعل لها ما بعدها، والعاقل من استمسك بحبل الله وادخر لهذه الفتنة مزيداً من الاعتصام بحبل الله، والتمسك بحبل الله والالتجاء إلى الله، وجعل من طريق الهدى وطريق الرشاد والالتجاء إلى الله عز وجل سبيلاً إلى النجاة من الفتن التي تطوف بهذه الأمة، طافت ببلادنا فتنة مضى عليها ثلاث سنوات ونيف، ونحن اليوم أرجو الله عزَّ وجل أن نكون في أواخرها، زلزال خطير طاف ببلادنا؛ والأخطر من ذلك أن يكون لهذا الزلزال قواعده من منتسبي الدين ومرتكزاته من دول تدعي الإسلام أو العروبة، واليوم فلسطين الجريحة المغتصبة تُعمِلُ دولة الإجرام دولة الطغيان دولة العصابات الإرهابية في شعبنا في فلسطين وفي غزة آلة القتل والتدمير الوحشية الهمجية التي لم يسجل التاريخ أقذر منها ولا أحط منها أمام عين العالم ومسمعه. وهو أمر متصور منهم، فهم المجرمون وهم أداة الإرهاب في الأرض، هم المفسدون ؛ بل عرفوا بأنفسهم أنهم المفسدون في الأرض في عبارة لأحدهم، قال: [نحن لسنا إلا سادة العالم وجلاديه، وناشري الفتن فيه ومفسديه]. بهذا وصفوا أنفسهم، وهو وصف مطابق لواقعهم، وهو أمر متوقع منهم، أما أن تكون مؤسساتنا الدولية العالمية التي تدعي الحرص على السلام وحقوق الإنسان، والمنظمات الإسلامية كتلك المنظمة المقبورة التي تسمى منظمة التعاون، وما يسمى بجامعة الدول العربية، كل هؤلاء يغمضون العين عن الجرائم الرهيبة التي تجري في فلسطين وترتكبها آلة الإجرام والقتل وتعجز عن اتخاذ أي قرار أو تنديد بحق شعب يذبح ويقصف وبمقدسات تدمر، بينما استطاعوا وخلال أربع وعشرين ساعة أو نحوها أن يتخذوا أشد القرارات في تاريخهم بحق بلدنا عندما طاف بها فتنة تستهدف حياة أمة ووجود وطن، لتنفيذ مؤامرة رسمتها دوائر أصبحت مكشوفة وغير خفية، للأسف أن نجد مشايخ الفتنة تنادوا للجهاد في سوريا وجلبوا لها من آفاق الأرض من ينشر فيها الموت والدمار، والآن وفلسطين تحترق، وفلسطين تشتعل نجدهم إن طافت الحماسة بهم إن استيقظ ضمير فيهم تنادوا للدعاء على إسرائيل وسوريا. لن يستجيب الله لهم، إنما سيستجيب لبكاء الثكالى، واستغاثة اليتامى، وأنين الأرامل الذين أحرقتهم نار العدوان في فلسطين ونار الفتنة في سوريا والعدوان الكوني عليها، لن يستجيب الله لهم، وهي حجة الله عليهم [وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ]، أما نحن فعلينا أن ننأى بأنفسها عن فتنة أرادوا أن نكون وقوداً لها في بلادنا، وأن تتوجه منا البنادق وكل الأسلحة إلى جهة واحدة، جهة العدو الرابض في فلسطين الذي يُعمل آلة القتل والذبح والتدمير في شعبنا هناك في غزة وغيرها، آن الأوان لمن هم عندنا أن تستيقظ عقولهم وأن تنتبه نفوسهم إلى أن يغمدوا أسلحتهم عن صدور إخوانهم وأن يوجهوا أسلحتهم إلى جهة واحدة: جهة العدو الذي اغتصب المسجد الأقصى، والذي يقتل أبناء الأمة في غزة بوحشية وهمجية. أما أن نرتمي في أحضان دول تآمرت على أمتنا تآمرت على شعبنا تآمرت على ديننا فشوهت ديننا وعرضته بصورة منفرة مرعبة لكي تكون سببا في تنفير العالم عن هذا الإسلام، أقول: هذه الدول وهذه المجتمعات يتوقع منها ذلك، أما أبناء وطننا فآمل أن يستيقظوا وإن استيقظوا متأخرين فخيرٌ لهم من أن لا يستيقظوا، أما أولئك الذين جلبوا إلى هذه الأرض فستكون هذه الأرض مقبرة لهم، لن تكون لهم في هذه الأرض التي تكفل الله بها قرار، هذه أرض قال فيها رسول الله: " إن الله تكفل لي بالشام وأهله"، وإذا ما أردنا أن ننأى بأنفسنا عن الفتنة أقول للمدني وللعسكري، وللرعية ولأولياء الأمور: علينا أن نعود إلى الله، علينا أن ننبذ الظلم والفساد والعدوان، وأن نضع حداً لكل من تسول له نفسه أن يمد يد الإساءة أو الظلم أو الفساد إلى أخٍ له في هذا الوطن، ينبغي أن تكون قلوبنا ملؤها الرحمة ملؤها الشفقة ملؤها الحرص على أبناء وطننا وأبناء أمتنا وأبناء ديننا، لا أن نعمل يد الظلم والبغي والإفساد في أبناء وطننا وأبناء أمتنا، لا ينبغي بأن يوصف بأنه عمل جهادي تدمير محطات الكهرباء وتقويض المؤسسات الصحية وقصف البيوت والمساجد وقتل الأبرياء هنا وهناك، أياً كان هذا الذي يرتكب مثل هذه الجرائم، سيكون ذلك وبالاً عليه سينتصر الحق وسيزهق الباطل، وستعود بلادنا بإذن الله آمنة مطمئنة وسيخيب أعداؤها بعون الله تعالى.
الخطبة الثانية
أؤكد على بعض أحكام صدقة الفطر، جرى نقاش حول مقدار ما يجب في صدقة الفطر، ما يجب في صدقة الفطر: لا يتجاوز صاعاً من غالب قوت البلد، والصاع أربعة أمداد، والمد حفنة بيد الرجل المعتدل، أو ما يقارب نصف كيلو غرام أربعة أمداد تساوي مقدار الفطرة الواجبة التي تجب على كل قادر يملك نفقته ونفقة من تجب عليه نفقتهم إلى يوم العيد وليلته، وقد ثار جدل حول قيمة ذلك، أقول: علينا أن نربط المسالة بالمقدار الواجب شرعاً، أما قضية القيمة فإن الأسواق ترتفع وتهبط وتضطرب بين يوم وآخر، فانظر: يمكنك على مذهب الجمهور أن تعطي صدقة الفطر من عين المال، واليوم المادة الغذائية الأكثر نفعاً للناس والأغلب انتشاراً هي الرز، واثنان كيلو غرام من الرز، ومن النوع الوسط ليس من الفاخر ولا من المتدني، هذا هو المقدار الواجب. ثم إن شئت أن تدفع القيمة كما هو في مذهب الإمام أبي حنيفة فلك ذلك، وإن شئت أن تدفع عين المال كما هو في مذهب الإمام الشافعي ومالك وأحمد فلك ذلك. وانظر إلى ما هو أنفع للفقير فابذل، وأما تقدير القيمة مرة أخرى إن كان ثلاث مائة أو أكثر أو أقل، الأمر يعود إلى قيمة هذه السلعة الغذائية، وليس إلى النقود.
خطبة الجمعة 11-07-2014
تشغيل
صوتي