مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 04/07/2014

خطبة الدكتور توفيق البوطي: حقوق شهر رمضان


حقوق شهر رمضان
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( وقال جلَّ شأنه: )قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين" وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عزَّ وجل: " كل عمل ابن له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به – ثم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم " وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر" وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل حسنة يعملها ابن آدم بعشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم، فهو لي وأنا أجزي به، يدع الطعام من أجلي والشراب من أجلي وشهوته من أجلي، وأنا أجزي به. للصائم فرحتان، فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى ربه، و لخلوف فم الصائم حين يخلف من الطعام أطيب من ريح المسك "
أيها المسلمون: هنيئاً لكم بشهر رمضان، هنيئاً لكم بصيامه مع طول نهاره وشدة حره، هنيئاً بقيامه مع قصر ليله وإني لأرجو الله سبحانه أن يجعل من صبركم على صيامه وقيامه سبباً لسعادة في الدنيا وسعادة في الآخرة، وسببا لأجر لا ينحصر كما وعد الله سبحانه وتعالى. ازدحام الناس في شهر رمضان رجالاً ونساءً شيباً وشباباً كباراً وصغارا في بيوت الله على الصلوات الخمس لاسيما صلاة العشاء والتراويح وصلاة الفجر، كل هذا الازدحام يؤذن بخير قادم إن شاء الله، يكرم به الله تعالى الأمة، ويبشر بكثير من الهدايا الإلهية بإذنه سبحانه وتعالى، ولكي يكون صيامنا وقيامنا وافيين بالمطلوب لابد أن نشير إلى آداب وجهنا إليها النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم أن نلتزم بها، منها العملي ومنها النفسي والوجداني، أنت تصوم عن الطعام والشراب وعن المعاشرة الزوجية وغير ذلك من المفطرات، وهذه المفطرات في الأصل من المباحات، فإذا كنا نمسك ابتغاء رضوان الله سبحانه وتعالى عن المباحات في شهر الصيام، فأجدر بنا أن نمسك عما حرم الله، أن نغض البصر عما حرم الله أن نحفظ اللسان عن الغيبة والنميمة، وعندما أقول أن نغض البصر بالمعنى الأعم، نغض البصر عن النظر إلى ما حرم الله والشارع ينضح بكثير مما حرم الله، وإنه لامتحان ولكن من غضَّ بصره عن محرم بدا له ابتغاء رضوان الله تعالى أورثه الله نوراً في قلبه، وجعل ذلك رفعة له بين يديه، وإنه لامتحان ولكن هذا الامتحان من جازه نال الأجر الكبير والدرجة الرفيعة عند الله عزَّ وجل، وغض البصر عما أُعدّ لكي يفسد صيامكم، ولينقضوا ما تبنونه في ليلكم ونهاركم من خلال الشاشة الصغيرة التي تعرض المفاتن والمفاسد، التي تهدف إلى تقويض الأسرة وإفساد المجتمع، إفساد الشباب وغير الشباب، في سبيل أن ينقض بناءنا الاجتماعي وينهار بناؤنا الأخلاقي فوق ما انهار، لذلك عندما نتحدث عن غض البصر، ينبغي أن نوسع الدائرة لكي لا نقع فريسة أولئك الذين يخططون لإفساد النفوس، وإفساد الأسرة، وإفساد المجتمع، ولنشر الرذيلة، ولنشر أنواع الموبقات في مجتمعنا.
وقتك أيها المسلم ضيق ولديك من المشاغل ما يرقى بك، فلا تهبط إلى ذلك المستنقع العفن مما يفجر في نفسك أنواع الموبقات فيكون ذلك وبالاً عليك وإفساداً لكل ما بنيت. حفظ اللسان عن الغيبة، عن النميمة، عن الكذب والكذب قد تفشى؛ بل صار صنعة مهر بها الكثيرون، وأقذر أنواع الكذب الكذب على الله والكذب على دين الله بنسبة تلك الموبقات و المفاسد والجرائم إلى دين الله، بنسبة تلك الأفعال الوحشية الهمجية إلى شرع الله، وإطلاق اسم دين الله عليها، هذا أفحش الكذب، فإياكم وإياه. على أنَّا نقول: علينا أن نمسك اللسان عن تلك الموبقات وعلينا أن نسد الآذان عن تلك الموبقات، أن نمسك ألسنتنا عن الكذب والغيبة والنميمة، وأن لا نسمح لآذاننا أن يتسلل إليها الكذب والغيبة والنميمة. البضاعة التي لا تشترى بضاعة كاسدة، نحن نروجها أو نحن نجعلها كاسدة، بإقبالنا عليها تروج وبإعراضنا عنها تكسد. حفظ اللسان عن فحش القول، وعن الإساءة للآخرين وجرح مشاعرهم بما لا يصح شرعاً، لسانك هذا له وظيفته، اشغل لسانك بالذكر بتلاوة القرآن بالتسبيح والتحميد والتكبير، بالباقيات الصالحات التي تدخرها لنفسك غداً يوم القيامة فهي غراس الجنة، اشغل لسانك بما ينفعك، اشغل لسانك بعلم، اشغل لسانك بموعظة، اشغل لسانك بنصيحة لأولادك وبناتك بدلاً من أن تشغل لسانك بهذرمة بالكلام الفارغ الذي لا معنى له باللغو من الكلام الذي هو عليك وليس لك، فليكن كلامك لك لا عليك، كف أذنك عن الإصغاء إلى أي شيء يمكن أن يفسد سواء كان غيبة أو نميمة أو شتماً أو غير ذلك من لغو الكلام، فوقتك أضيق وعمرك أقصر من أن تبدده فيما لا معنى له، فضلاً عن أن يكون مسيئاً ومفسدا، كف يدك عن الحرام عن التعامل بالحرام عن الأذى عن الإساءة ، كف قدمك عن أن تمشي بها إلى غير ما يرضي الله، امشِ بقدمك إلى بيوت الله.. إلى زيارة رحمك.. إلى الجوار، استعمل جوارحك في هذا الشهر وفي كل شهر فيما يرضي الله عزَّ وجل. هذا الشهر أيها المسلمون موسم لرحمة الله عزَّ وجل، موسم العطاء موسم الإحسان موسم الأجر الجزيل، إذا صمت عما حرم الله وأقبلت إلى ما أمر الله فأنت في جنة الله هنا في الدنيا قبل الآخرة، أنت في رضوان الله. هنيئاً لك إذ تحليت بحسن الخلق برقة القلب بالرحمة نحو إخوانك، نحو الفقراء نحو المساكين فبسطت يد المعروف إليهم، وتدبرت أمرهم وبحثت عن حالهم.
مما يؤسف له أن البعض يستغل هذا الشهر ليغالي في الأسعار والناس في شدة ومن لا يَرحم لا يُرحم، والراحمون يرحمهم الرحمن، اليوم يوم التراحم، اليوم يوم التآزر، تعالوا نجدد عهد المهاجرين والأنصار، المهاجرين الذين أتوا إلى المدينة وليس معهم شيء إلا دينهم، والأنصار الذين وصفهم الله عزَّ وجل بأنهم: )وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ( الإيثار العطاء لا الأنانية والأثرة والشح والتغالي والاستغلال، ما ينبغي أن تكون أسواقنا مسرحاً للأسعار الباهظة واستغلال حاجة الإنسان.
الاستغلال يكون هناك، عند أولئك المجرمين الذين جوعوا أمتنا وجوعوا شعبنا وجوعوا غوطتنا. واستغلوا حاجة الناس فاستأثروا الأرزاق وضنوا على الأمة بالعطاء، أولئك تلك أخلاقهم، أما أخلاقنا نحن فجدير بنا أن نتراحم وأن نتباذل، وأن نعطي ونؤثر لا أن نستغل ونظلم، جدير بنا أن نراجع أنفسنا ونصحح معاملاتنا ونعيد النظر في كل طريقة تعاملنا مع بعضنا، جدير بنا أن نبني مجتمع المحبة مجتمع الرحمة، مجتمع التعاون والتآزر والتعاضد، جدير بنا أن نعيد بناء الأمة على النحو الذي بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 04-07-2014


تشغيل

صوتي