الدكتور محمد توفيق رمضان
الخطيب:
التاريخ: 17/06/2014
خطبة الدكتور توفيق البوطي : ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني
ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد فيا أيها المسلمون يقول ربنا تبارك وتعالى: )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ( روى عن الحسن البصري t أنه قال: " ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلب وصدقته الأعمال، ومن قال حسناً – أي كلاماً حسناً – وعمِلَ غيرَ صالح ردّه الله على قوله، ومن قال حسناً وعمل صالحاً رفعه العمل" ذلك بأن الله تعالى قال: )إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ (، وعن أبي هريرة tقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ويقول جلَ شأنه: )اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) عن ابن عباس t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً " ويقول تعالى:)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( ويقول صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"
أيها المسلمون: ما جمعنا في هذا المسجد المبارك هذا الجمع الطيب إلا ديننا وإيماننا وإسلامنا، ولكن الإسلام ليس شجرة بلا ثمر، ولا جسداً بلا روح، الإسلام عقيدة وعبادة تثمران خلقاً حسناً وعملاً صالحاً، و مالم تثمر تلك الشجرة فإن الكلام الحسن والمظهر الحسن لن يتجاوز هذه الأرض ولن يرقى بالقبول إلى الله جل شأنه.
أيها المسلمون: الإيمان والعبادات ليسا مجرد مظاهر ودعاوى، بل حقائق يترجمها السلوك، والإسلام كما تعلمون ليس انتساباً، ولكنه التزام وعملٌ وإخلاص، وإنه مما يؤسف أنه يلاحظ أن كثيراً ممن يتمظهر بمظهر التدين ولعله سباقٌ إلى الصف الأول في المسجد، ولعله يظهر مظاهر التدين في شكله، فله لحية وقد يكون أكثر من ذلك في مظهره، ولكنك إذا تعاملت معه وجدته مراً كالعلقم، وجدته لا تؤمن بوائقه، ولا يؤمن شره، يطلق لسانه بالأذى ويسيء معاملة الناس، يسيء إلى جاره، يعق والديه، يقطع رحمه، يأكل أموال الناس بالباطل، يغش في معاملته، يكذب في حديثه، هذا أو بعض هذا نراه في كثيرٍ من منتسبي التدين، التدين ليس انتساباً، التدين التزام، التدين سلوك وخلق، ألم يقل المصطفى صلى الله عليه وسلم :" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " أي لأرسّخ وأجذّر الأخلاق الحسنة القويمة، وذو الخلق أقرب الناس إلى الله عز وجل، وأقرب الناس غداً يوم القيامة إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقاً - أجل أحاسنكم أخلاقاً - الموطؤون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون" ذلك أن الإسلام ليس مجرد طقوس ميتة؛ بل صلة تتجدد مع الله سبحانه وتعالى من خلال هذه الصلاة التي يعلن فيها العبد خضوعه لله وتذلـله بين يديه، في ركوعه وسجوده وقراءته وتسبيحاته، مذعناً بذلك لأمر الله عز وجل، فأن يكون في المسجد بين يدي الله يعلن العبودية له، حتى إذا خرج من المسجد وجدته مخالفاً لأوامر الله مناقضاً لتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا من الأمر المرفوض في ديننا، وإن كان هو الشائع الذي يجب أن يتغير، ويجب أن يتحول التدين إلى سلوك يرضي الله ورسوله، ويوجد تماسكاً اجتماعياً قائماً على الثقة والمحبة، ولن تكون هناك ثقة ولا محبة بين أبناء الأمة، بين أبناء المجتمع إلا بحسن التعامل وصدق الحديث ووفاء العهد وحسن الالتزام.
أيها المسلمون: هناك كثيرٌ من الدعاة في أرجاء شتى من العالم في بلاد الإسلام وغير بلاد الإسلام، ولعلي أشير إلى دعاة خارج بلاد الإسلام يخطبون الخطب الرنانة، ويجادلون ويناقشون، ويحتجون بالحجج والدلائل والبراهين؛ ولكن إذا أتيت إلى سلوكم وتصرفاتهم، وجدتها مبعث اشمئزاز ونفور، أفرزت ما نراه اليوم من قادمين من تلك البلاد يحملون صفة الإسلام، ولكن سلوكهم سلوك الوحوش الضارية، ومن خلا قلبه من مشاعر الرحمة والإنسانية، وباسم الإسلام تجده يمارس أبشع أنواع التصرفات. هؤلاء الدعاة ينبغي أن لا يلقوا الكلمات، ولا أن يتشدقوا بالمعسول من البيان، إن أعظم دعوة تمارسها في مجتمعك، أو في المجتمع الآخر أن تكون مسلماً في سلوكك، أن تكون صادقاً في حديثك، أن تكون أميناً في معاملتك، أن تكون وفياً لعهدك، أن تكون ذا خلق في تصرفاتك ومعاملتك، أما أن تحسن الكلام ويسوء منك الفعل والتصرف والسلوك والتعامل؛ فإن هذه الكلمات المعسولة لن ترقى بالقبول إلى الله ن لأن الله عز وجل يقول في كتابه: )إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ( بدون عمل صالح لا يرقى عمل الإنسان إلى الله عز وجل ولا ترقى الكلمات والادعاءات إلى الله سبحانه وتعالى، ومنها صلاتك، لاحظوا كيف ربط ربنا تبارك وتعالى بين العبادة وأثرها فقال: )إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ( انظر إلى كلام النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا" لذلك فالصلاة معاهدة، الصلاة عهد بينك وبين الله، والتزامٌ وميثاقٌ تجعله بينك وبين ربك أن تلتزم بما أمر، وأن تجتنب ما قد نهى، من ادعى الإسلام ومارس مظاهر العبادة، ولم يظهر أثر تلك العبادة في سلوكه وتصرفاته ومعاملته؛ فهو النفاق بعينه، وتشويه لحقيقة الإسلام، فالإسلام دينونة لله عز وجل، وعبودية وعبادات ولكنه أيضاً نظام اجتماعي، ونظام اقتصادي، وقيمٌ أخلاقية تنبثق من الإيمان، تنبثق من قوله سبحانه: )أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى( تنبثق من قوله سبحانه: )وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ( من كان يستشعر مراقبة الله عز وجل في كلامه، في تصرفاته، في التزاماته، في وعوده... لن يمكن أن ينقض العهد ويخون الأمانة ويكذب الحديث، مَعَاذ الله،
لذلك أيها المسلمون لنجدد روح العبادة في شخصيتنا، ولنجذر معاني محبة الله وخشيته في قلوبنا، ولنربط بين هذا المعنى وبين تصرفاتنا وسلوكنا ومعاملاتنا.
أسأل الله أن يلهمنا السداد والرشاد، وأن يجعلنا مستعدين لوقفة بين يدي الله عز وجل يوم تبدو السريرة علانية، يوم يسألنا عن تصرفاتنا وأعمالنا وعن الحقوق التي في ذمتنا، عن المال الذي جمعناه: من أين جمعناه؟ وأين أنفقناه؟ لابد أن يسألنا ربنا تبارك وتعالى، فأعدوا لذلك الموقف جواباً، ولنحاسب أنفسنا وليعد كلٌ منا إلى نفسه فليصلح من فساد نفسه )لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ(
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فيا فوز المستغفرين
تشغيل
صوتي