مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 04/04/2014

خطبة الدكتور توفيق: أما آن لنا أن نستيقظ


أما آن لنا أن نستيقظ
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أما بعد يقول الله تعالى في كتابه الكريم: )وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ( ويقول سبحانه: )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ( ويقول سبحانه: )ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ( ويقول عزَّ وجل: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ(، روى الإمام أحمد في مسنده عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل"
أيها المسلمون: ما مرَّ بنا من سنوات قاسية عجاف، قد تكون الأحداث التي وقعت فيها تأديباً لنا بسبب معاصٍ شاعت فينا، وهذا لا يمكن إنكاره وكلنا يدرك أنه مخطئ ومقصر، وعلينا أن نستدرك بالتوبة والإنابة لله جلَّ شأنه، وقد يكون ما جرى مجرد ابتلاء ن وحياة الإنسان المسلم كلها ابتلاء )وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً( وأياً كان فإن علينا أن نقرأ الحدث بصورة ننتهي منها إلى الاستفادة من دروسها، لنرسخ قواعد الخير والصواب في مسارنا، ونتجنب مزالق الأقدام التي تودي بنا إلى المهالك والمضار، لاشك أن ما مرَّ بنا من سنوات قاسية كان زلزال عنيفاً جدير بكل حي أن يوقظه من نومه وينبهه من غفلته، وجدير بنا أن لا ندع أهل الفساد والضلالة يستثمرونه لزجنا في مزيد من الأخطار والمصائب، زلزال صدع البناء الاجتماعي الذي كنا نرتبط بمزاياه من تماسك وتحابب وتعاون عرف ثماره واعترف بها القريب والبعيد، الصديق والعدو، وإذا بنا نغدو في بناء اجتماعي متفكك الأوصال تشيع بين جوانبه معاني الكراهية والحقد وسوء الظن، جعل الكثير من أبناء وطننا يرتمي في مسالك الشر والعدوان ظناً منه أنه بذلك يمكن أنم يحقق الخير ن فلما وجد نفسه غارقاً في نقيض ذلك، غارقاً في أودية الشر والدمار، منهم من عاد إلى رشده، ومنهم من أبى عليه استكباره وعناده إلا التمادي في طريق الغواية والشر والخطأ
أيها المسلمون: لقد آذنت المحنة على الانحسار، والذين أوقدوا نيرانها سيحترقون بتلك النيران، والذين تآمروا على أمتنا ووطننا سيحصدون زرع تآمرهم هم بأنفسهم، لقد آذنت المحنة بإذن الله على الانحسار، ولكن سبيل تحقق زوالها وزوال هذه المأساة في أقرب وقت إنما هو منوط بتوبة صادقة، لأن الذي وقع فينا كان بسبب معصية متحققة، لابد من توبة صادقة إلى الله ولا بد من تصحيح ما أفسد الناس في سلوكهم وتصرفاتهم وعلاقاتهم، لقد دمروا البلاد ن وأتلفوا، وخربوا المنشآت، واقتتل الأخ مع أخيه والصديق مع صديقه، والجار مع جاره، بل إن الدمار أودى بالأسرى في داخلها، فساءت العلاقة بين الزوج وزوجته، والأب وأبنائه، والأخ وأخيه في البيت الواحد، )إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا(، كل ذلك جرى كل ذلك من المآسي وقع فينا بعد أن كانت أمتنا مضرب المثل للتعايش والتعاون والتراحم، لم يستفد مما وقع بنا في هذه السنوات العجاف القاسية إلا العدو، ومن العجيب أن البعض منا يرتمي بأحضان العدو، ويستجدي منه العون، أما آن لنا أن نستيقظ ؟؟ أما آن لنا أن نصلح ما أفسدنا ونصحح الأخطاء ونعيد بناء ما تخرب وإصلاح ما فسد ؟! أما آن لنا أن يصطلح أبناء مجتمعنا مع بعضهم ؟! أناشد الجميع مسؤولين ومواطنين، أناشد كل أطياف مجتمعنا، هذا المجتمع الذي كان يتفيؤ نعماً ندر أن تجدها في مجتمع آخر، من الأمن، من التعاون، من التعايش، سجله التاريخ على امتداد قرون، ليفسده أهل الشر والفساد في وطننا هذا، في أمتنا هذه في سنوات ثلاث، أناشد الجميع من كل أطياف بلادنا أن يعيد بناء وطننا، وأن نعيد روابط المحبة والتوادد فيما بيننا، وأن نعود إلى جادة الخير والصلاح، ولو كنا متأخرين، فذلك خيرٌ من أن نتمادى في طريق الشر والإفساد والقطيعة في ظل وطنٍ قدم لنا الكثير .
أجل لو أننا تأملنا ما قدمه لنا وطننا بمقارنة مع بلاد تجاورنا وبلاد بعيدة عنا؛ لوجدنا إذا أنصفنا أن وطننا قدم لنا الكثير، فكان منا أن قدمنا له نقيض ذلك، أنا لا أتحدث عن علاقة بين حاكم ومحكوم، فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم ينبغي أن تكون مبنية على الحوار، مبنية على النظر والتأمل، مبنية على النقد البناء الذي يكون من خلال محاولة التصحيح، لا من خلال تدمير وإفساد وإهلاك وقتل، عشنا سنوات يعجب الإنسان من مسالك الناس فيها، الإصلاح بتدمير الجسور، بقصف المشافي، بقصف المساجد، ليس المواطن السوري الذي يفعل ذلك، من يفعل ذلك هم أعداؤكم، أعداء سوريا أعداء وطنكم، لأن هذا لا يصب في مصلحة أي إنسان في هذا الوطن ،لأن هذا لا يمكن أن يسوغ بأي دين من الأديان، لأن هذا لا يمكن أن يبني مستقبلاً يبتسم لأي إنسان في هذه الأمة، الإصلاح له طريق واحد فقط، وما عداه فهو إفساد وإن سمي إصلاحاً، وهو تخريب وإن سمي بناءا، والذين يأملون أن يحصدوا من التدمير بناءاً إنما يريدون أن يغرروا بأبناء هذا الوطن وهذه الأمة، إنما يريدون أن ينتهي هذا الوطن ليصبح لقمة سائغة في أفواه أعدائه، آن لنا أن نستيقظ، زلزال مثل هذا الزلزال يوقظ الدنيا كلها، أما آن لنا أن نستيقظ ونحن الذين أصابنا هذا الزلزال، المشكلة ليست بين حاكم ومحكوم، وأنا أقول: أجزم أن المشكلة ليست بين حاكم ومحكوم، ولكن بين وطن وأعدائه، بين وطن ضاقت صدور أعدائه به في أن يعيش في أمان أن يعيش في تقدم أن يعيش في ازدهار، أن تنمو فيه معاني الدين وأن يكون مثلاً للدين الصحيح، ضاقت صدورهم بذلك فأرادوا أن يحاربوا الدين باسم الدين، وأن يحاربوا البناء باسم البناء، وأن يحاربوا الإصلاح باسم الإصلاح .
أسأل الله أن يلهمنا السداد والرشاد، وأن يعيد أمتنا إلى صوابها وإلى رشدها، وأن يصطلح أبناء هذا الوطن ليبنوه بإخلاص ومحبة وتعاون، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 4-4-2014


تشغيل

صوتي