مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 03/01/2014

خطبة الدكتور توفيق: نفحات من شمائل وسيرة المصطفى رضي الله عنه (3)


نفحات من شمائل وسيرة المصطفى رضي الله عنه (3)
د. محمد توفيق رمضان البوطي
أيها المسلمون: يقول الله جلَّ شأنه في كتابه الكريم: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( ويقول سبحانه: )قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (، ويقول سبحانه: )مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا(، ويقول جلَّ شأنه: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(، ويقول سبحانه وتعالى: )وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ( ويقول: )وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ(
روى البخاري بإسناده عن سيدنا عمر قال: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ r سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ: " أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا وَاللَّهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بولدها"
روى مسلم عن أبي موسى الأشعري، كان رسول الله إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ – أي للجهاد – قَالَ:" بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا"
وعن النبي فيما صح عنه كان إذا بعث جيشاً قال: "لَا تَقْتُلُوا أَصْحَابَ الصَّوامِع" أي المتعبدين من غير المسلمين في صوامعهم في معابدهم، وصح أن النبي كان إذا بعث جيشاً قال: "انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وفي سَبِيلِ الله، تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ أَبعَثُكُمْ عَلَى أَنْ لَا تَغُلُّوا –أي تُسابقوا إلى الغنائم– ولا تَجْبُنُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا- إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القَتْلَ، أما التشفي والحقد فهو ليس من شأن المسلم _ وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا ولا تَحْرِقُوا كَنِيْسَةً وَلَا تَعْقِرُوا نَخْلاً"، كل أعمال التخريب ليست من شأن المسلمين، كل أعمال الوحشية والهمجية ليست من شأن من يقول أنا مسلم. وروى البخاري أنه قال أبو هريرة : " قدم طفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي فقالوا: يا رسول الله إن دوساً عصت وأبت فادع الله عليها – وإذا دعا رسول الله على قبيلة فما مصيرها ؟؟- فقيل: هلكت دوس، فقال: " اللهم اهدِ دوساً و أت بهم"، هذا دعاؤه عليهم ن هذا دعاؤه على دوس التي عصت وأبت "اللهم اهدِ دوساً وأت بهم"، وعن الزبير أنَّ النبي حاصر الطائف قال: فجاءه أصحابه فقالوا: "يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله تعالى عليهم فقال: "اللهم اهد ثقيفاً اللهم اهد ثقيفاً " ولو أن الإنسان تذكر تاريخ ثقيف مع النبي لعرف عظمة هذا الموقف وهذه الكلمة، ثقيف التي أذاقت النبي أشدَّ يوم في حياته، يوم خرج من مكة مضطهداً فلجأ إليهم لينشر دعوته بالكلمة الطيبة، فسلطوا عليه سفهاءهم وطردوه وتبعوه بالحجارة والسباب والشتائم، حتى شجَّ وأُدميت قدماه، النبي يقول:" هذا أشد يوماً مرَّ علي في حياتي" أو بما معناه، ثم عند انتصاره في يوم الفتح أرادت ثقيف أن تئد نصر الله لنبيه، فتحالفت مع هوازن، وحاربت النبي في يوم حنين الذي قال فيه ربنا تبارك وتعالى: )وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ( ثقيف هذه هي التي قال النبي: "اللهم اهد ثقيفاً" لم يقل اللهم أهلك ثقيفاً.
أيها المسلمون: في شهر مولد النبي ينبغي أن نجدد الصلة بسيرته، وبهديه لنقتفي أثره ونتمسك بهديه، هنالك ملامح في شخصية رسول الله الذي قال لنا ربنا تبارك وتعالى بحقه: )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ( فقدوتنا رسول الله نهتدي بهديه ونقتفي أثره ونلتزم أوامره و نجتنب نواهيه إن كنا مسلمين.
الأمر الأول: الصلة بيننا وبين الله صلة حب، أجل صلة محبة. ألم يقل ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم: )فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ( هذه طبيعة الصلة بين الإنسان وبين رب العزة جلَّ شأنه يحبهم، هو بدأهم بالحب إذ أكرمهم وأنعم عليهم وأعطاهم من عظيم فضله، اعتصر سماءه فسقاهم، وفجر الأرض ينابيع ونباتاً و زروعاً وثماراً، وأودع في جسمك من لطائف نعمه ما يعجز الإنسان عن عده وحصره، فما واجبك تجاه هذا الرب العظيم جلَّ شأنه؟ )يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ( لا ينبغي أن تمر نعم الله علينا ونحن غافلون، بل نرى في كل نعمة أنعم الله بها علينا لطائف إحسانه؛ لكي تسمو قلوبنا لمرتبة حبه، نِعَم الله سبحانه وتعالى كثيرة، وأجلها على الإطلاق نعمة الهداية، إذ بعث فينا رسول الله رحمة للعالمين وهداية للبشرية.
أيها المسلمون: الملمح الآخر الذي نستطيع أن نقف عنده من خلال ما عرضناه من النصوص أن صفة المسلمون أنهم أشداء على العدو الذي يتربص بنا، هناك في فلسطين وليس هنا في سوريا، على أولئك الذين اغتصبوا المسجد الأقصى ونكلوا بأهلنا في فلسطين، وليس هنا في دمشق أو حلب أو غيرها. أولئك هم العدو، أما هذا الشعب فإنه شعب مؤمن يستحق المحبة والعطف، والرعاية، رحماء بينهم، أشداء على العدو الذي يتربص بنا ويتآمر علي أمتنا، رحماء بينهم يتواضعون لبعضهم، أعزة على الكافرين، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، العزة كل العزة في مواجهة من كفر بالله وحارب هذه الأمة، أما أن نهرول إليهم لنستجدي منهم السلاح لنقتل إخواننا فذلك ليس من صفة المسلمين، تلك صفة المنافقين، استجدى عبد الله بن أبي بن سلول الرومَ لمحاربة رسول الله كما استجدت فصائل تدعي أنها مسلمة قوى الغرب لتحارب أمتها هنا، استجدت الناتو استجدت الكفرة لتحارب هذا الوطن وتدمر هذا البلد وتقتل هذه الأمة، استذكروا جيداً السنوات المريرة الثلاث التي مرت على أمتنا، قال سبحانه: )أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(
أيها المسلمون: ديننا هذا علمنا أن نكون هداة إلى الخير نحبب الخير إلى الناس، نحبب هذا الدين إلى البشرية، نبسط لواء الرحمة الذي رفعه رسول الله تجاه البشرية كلها، اسمعوا كيف خاطب النبي طغاة الأرض: هرقل والمقوقس وكسرى :"من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم إلى كسرى عظيم الفرس أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين" هذا هو مفتاح القلوب أسلم تسلم لك آخرتُك ويسلم لك عرشُك ويسلم لك عزُك وتسلم لك دولتُك، لم يقل له ارحلْ، ولم يقل له تنازل، وإنما قال له أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين؛ أجرك وأجر أمتك الذين سيستجيبون لهذا النداء الطيب نداء الرحمة نداء الكرامة نداء الإنسانية للعالمين "يؤتك الله أجرك مرتين، وإن لم تفعل فإن عليك إثم الأريسيين أو إثم الدهاقين"، أي إثم أولئك الذين ضلوا بسببك.
فتحت هذه البلاد فهل نكَّل المسلمون بأهلها؟ أم أعطوهم الأمان على كنائسهم ومعابدهم وأموالهم وأعراضهم !! حتى إن منهم من صاروا في البلاط الذي كان للخليفة موضع ثقة، صاروا محاسبين وصاروا أطباء وصاروا ... ارجعوا إلى التاريخ وانظروا كيف عامل الإسلام أبناء هذه البلاد، فتح القلوب قبل أن يفتح القلاع بما يحمله من مبادئ عظيمة إنسانية مفعمة بالحكمة بالعقل بالبرهان لا بالبطش والحقد الأسود، لا بالتنكيل ولا بالتفظيع بالناس، هذه دعوتنا، هذا ديننا هذه مبادئنا. بهذا أرسل الله سبحانه وتعالى حبيبه المصطفى هداة إلى الخير إلى العدل إلى الرحمة، بناة للمجتمع الإنساني قائماً على المحبة والرحمة والتعاون، ألم يقل النبي :" بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا ".
بالله حدثوني، ما نسمعه وما نراه من مظاهر تجري في أيامنا هذه هل هي تبشير أم تنفير؟ سلوهم سلوا التاريخ سلوا الواقع المرير الذي ستتولد عنه أحداث جسام سلوا التاريخ وسوف ترون أن الحق سيعلو ولن يعلى عليه، وقريباً ينمحق الباطل ويظهر الحق بإذن الله سبحانه وتعالى وبعون الله تبارك وتعالى، اسمعوا ما يقوله ربنا تبارك وتعالى: )وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (، يمنعون يصدون يكرهون الناس بدين الله ويسحبون أنهم مهتدون، بالله حدثني، هذه الصور التي نراها عندما تعرض على شاشات الأوربيين مقرونة بشعارات الإيمان والإسلام، ما هي انطباعاتهم عن دينكم الذي قال فيه الله عزَّ وجل )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( أليست طريقة وحشية همجية في طريقة الصد عن سبيل الله ؟ أليست طريقة مدروسة صممها ووضع خططها أعداء دين الله؟ ألم يقل الله عزَّ وجل في كتابه: )وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ( والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، أيها المسلمون هذا ديننا وهذه مبادئنا، على كل إنسان أن يتأمل سمات هذا الدين ملامح هذه الرسالة التي بعث بها نبيه، ونحن على مشارف ذكرى مولده – إذا قلنا ذكرى مولده يكفروننا أنتم مبتدعة مشركون كفرة، لماذا؟ لأننا نحتفل بذكرى النبي إذاً هم يكفروا النبي لأن النبي علل وبيّن حكمة صيامه ليوم الاثنين قال: "ذلك يوم فيه ولدت" واحتفل بنصر الله لسيدنا موسى فصام يوم عاشوراء – وكما قلت لكم إن المحطات الزمانية والمكانية دائماً ذات أهمية في حياة الإنسان المسلم العاقل، نعم ديننا هديٌ إلى الخير والعدل وبناء مجتمع الرحمة والتعاون والتراحم، وبهذا يفتح الله لدعوتنا قلوب الناس، أما الهمجية والفظاظة والغلظة فهي صدٌ عن سبيل الله.
أسأل الله تعالى أن يفرج عن هذه الأمة، وأن يردنا إلى هديه إنه سميع مجيب، وأن يكشف عنا هذه الغمة، وأن يرد الشاردين إلى طريق الهداية والرشاد
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين
خطبة الجمعة 3-1-2014


تشغيل

صوتي