مميز
EN عربي
الخطيب:
التاريخ: 15/11/2013

خطبة الدكتور توفيق البوطي: آن الأوان أن تستيقظ الأمة ... وتنبذ أهل الفتنة


آن الأوان أن تستيقظ الأمة ... وتنبذ أهل الفتنة
د. محمد توفيق رمضان البوطي
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: )أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ # الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ # وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ # وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ # جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ # سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ # وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ(
روى البخاري ُأَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ y أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ، وَقَالَ رَسُولُ r "مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ"
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ t أَنَّ النَّبِيَّ r لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا -يَعْنِي عَاشُورَاءَ– فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ، فَقَالَ: " أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ " وروى مسلم عَن أَبِي قَتَادَةَّ الْأَنْصَارِيِّ t أنَّ رَسُولَ اللَّهِ r سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فَقَالَ: "فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ"
روى البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ r بِالْحِجْرِ قَالَ: "لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِي"
أيها المسلمون:
أمران أريد أن أشير إليهما كلاهما مناسبٌ للوقت الذي نحن فيه، أما الأول فهو مسألة عاشوراء، يوم عاشوراء قد انقضى ولا أريد أن أتكلم عن صيامه فكلكم يعلم أهمية صيامه، وأن النبي r صامه وأمر بصيامه. وكما مرَّ بنا في الأحاديث كان صيامه مأموراً به أول الأمر، حتى فرض الله صيام رمضان فَجُعل صيامه نافلة، حتى إن العرب في الجاهلية كانوا يصومونه، وعندما جاء إلى المدينة المنورة وجد اليهود يصومونه، كان العرب يهتمون بصيامه ويكسون الكعبة في يوم صيامه، كما صح في البخاري. أما اليهود فقد بينوا الحكمة من صيامه، قالوا: هذا يوم نجى الله فيه موسى من فرعون، فقال سيدنا رسول الله r: "نحن أولى بموسى منكم" فصامه وأمر بصيامه، واستحسن أن يصام تاسوعاء أو اليوم التالي مخالفة لليهود وتميزاً عنهم. من هذا الأمر نلاحظ أن المحطات الزمانية والمكانية لها في الإسلام أهميتها، ولها شأنها ويوقف عندها وتولى الاهتمام كما ينبغي، فهي موضع اعتبار يمكن أن نتعامل معها بالشكر فيما كان فيها من خير أسداه الله إلينا، أو بالمخافة من الله عز وجل والالتجاء إليه إذا ما كانت تحمل معنىً خطيراً يمكن أن يوقع في القلب مخافةً أو فزعاً. لا ينبغي أن تمر بنا المناسبات الزمانية والمكانية ونحن عنها غافلون، إذا مرت مناسبة ما زمانية فينبغي أن نتوقف عندها ونأخذ منها العبرة، فإن كانت مناسبة نعمةٍ أكرم الله بها عباده ناسب أن نقابل تلك النعمة بالشكر، وهذا الذي كان من النبي r. فيوم نجى الله سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام من فرعون يوم أكرم الله سبحانه وتعالى r موسى وأصحابه بالنصر والتأييد وأهلك أعداءهم وأودى بهم إلى حتفهم، سيدنا رسول الله r نظر إلى أنه مناسبة ينبغي أن يقف الإنسان المسلم عندها، ويتعامل معها بالشكر؛ ومن وسائل الشكر أن يصوم ذلك اليوم، فقال:"نحن أولى بموسى منكم" فصامه، وعندما سئل عن صومه يومَ الاثنين قال: "ذلك يوم فيه ولدت وفيه أنزل علي" أي أن رسول الله r يحتفل بيوم مولده لا في السنة مرة؛ بل في كل أسبوع مرة .
اليوم نجد بعضاً من الناس إذا ما وقفنا عند المحطات الزمانية، إذا احتفلنا بيوم ذكرى بدر إذا احتفلنا بيوم ميلاد النبي r إذا احتفلنا بيوم الإسراء والمعراج، إذا احتفلنا بيوم ما من أيام تاريخنا الأغر بمناسبته الدينية أو التاريخية يعدّون ذلك بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
يتعاملون مع هذه الأمور التي لها أصل شرعي بهذا الأسلوب العجيب من الاستنكار والاستهجان، ليست المسألة مجرد جهل، لكنها عناد واستكبار وإثارة للفتنة وتمزيق للصف الإسلامي، هي طريقة في التعامل مع الأمة، الأمة مأمورة بأن تتعاضد وأن تعتصم بحبل الله جميعاً وهم يفتّتون الأمة، ويبحثون عن أسباب التنافر بين أبنائها، ويطلقون الألقاب على الآخرين من تكفير إلى تبديع إلى تشريك، أذكر أني وقفت أمام مثوى رسول الله r وسلمت عليه، ورفعت يدي أسأل الله عزَّ وجل ليتقبل لي هذه الزيارة، فقيل لي لا تشرك –أعوذ بالله– من اتهمني بالشرك فهو المشرك، وعندما نقول: اللهم إني أتوجه إليك برسولك محمد r هذا شرك، أليس النبي r قد علمنا أن نتوسل به، أيكون التوسل برسول الله r بحياته توحيداً، ويوم القيامة توحيداً وبينهما يكون شركاً !! والله إن هذا لتحليل عجيب. ولو أنهم قالوا المستحسن غير ذلك، لو أنك قلت ذلك لكانت المسألة قابلة للبحث والحوار، لكنهم يطلقون مباشرة التكفير والتبديع والتشريك، لأنهم يريدون أن يُشَرِّكوا الأمة ويمزقوا صفها، وهاهم يعيثون في الأرض فساداً.
نصف مليون جزائري قتلوا بسبب تطرفهم، وعندما ثارت الفتنة في بلادنا هذه قيل لأحد رموزهم إن هذا قد يؤدي إلى فتنة وقتل، فأفتى بقتل ثلث الشعب السوري، فليقتل ثلث الشعب السوري ومالَهُ !؟ والله سبحانه حرم القتل، وجعل قتل نفس واحدة سبباً لأشد العذاب وورد فيه الوعيد الذي لا نظير له في كتاب الله عزَّ وجل )وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا( وعندما قيل لهؤلاء: إن هذا سيكون ذريعة لفتنة، وسد الذرائع أصل شرعي. قال: بل فتح الذرائع أصل شرعي، جعل فتح الذرائع أصلاً شرعياً !! وما رأيت قط في أصولنا وفي فقهنا شيئاً اسمه فتح الذرائع، وإنما رأينا فيه سد الذرائع. ودليله قول ربنا سبحانه وتعالى: )وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ( يعني لا تسبوا أصنام المشركين لأنه يؤدي إلى النيل من ربنا تبارك وتعالى ونبينا r. لذلك حرم علينا أن ننال من أوثانهم، وأن ننال من أصنامهم، لأن ذلك يؤدي إلى النيل من معتقداتنا نحن، فنكون نحن السبب في ذلك. ألغى كبيرهم هذا الأصل من أجل أن نتبع هواه المفسد في الأرض، والمسيء إلى العقيدة والدم والعرض والأهل والمال، أفتى بالإفساد هناك وأفتى بعدم الإفساد في مكان آخر، لأنه يتبع هواه ولا يتبع أصل شرعياً، وأنا لست أبحث في شأن رجل؛ بل ابحث عن أصل شرعي.
اليوم وقد مرَّ علينا أكثر من سنتين ونصف على هذه الفتنة العمياء التي عاثت في الأرض فساداً، والتي تقتضي منا مراجعة للعقل وعودة إلى الرشد ومحاسبة للنفس، والتي تقتضي منا أن نبحث عن سبيل ومخرج، وقد كنا في مطلع الفتنة بينا أن هذه الفتنة نفق مظلم لا ندري إلامَ يؤدي، وحذرنا من ذلك كثيراً، ولكن أوغل البعض في هذا النفق ووصلنا إلى ما وصلنا إليه.
واليوم يقتل الأطفال تقصف المساجد، مسجد بني أمية يقصف بالقذائف، الأسواق المحيطة بالمسجد تقصف بالقذائف، يقتل الأطفال يقتل النساء يقتل الناس الأبرياء هنا وهناك بحساب أو بغير حساب من أجل الإصلاح! الشيء المعروف عندنا أن الغاية لا تبرر الوسيلة، وهو أصل شرعي معروف؛ بل إنه أصل عقلي؛ فالعقلاء كلهم يعلمون أن الغاية لا تبرر الوسيلة، إن الوسيلة القذرة لا تفضي إلا إلى نتيجة قذرة، وأن الغاية الشريفة لا يسعى إليها إلا بوسيلة شريفة.
دعونا نراجع أنفسنا: المشكلة ليست في العلاقة بين حاكم ومحكوم، المشكلة أن أمةً تذبح ووطناً يُدمر، هذه هي المشكلة: أن أمة تذبح بيد أبنائها وبيد الغرباء الذين أقحموا في هذه الفتنة، وباسم الإسلام يذبح الإسلام وباسم الإصلاح يدمر الإصلاح.
دعونا من حاكم ومحكوم، وانظروا إلى المسألة بعقل، بمعاير شرعية، بمعاير عقلية؛ اسألوا أنفسكم ماذا حصلنا نتيجة هذا الأمر الذي قد وصلنا إليه، عودوا بذاكرتكم إلى ما قبل السنوات العجاف، عودوا بالذاكرة... كانت هذه البلاد مضرب المثل في أمانها، في طمأنينة أبنائها، في التعايش بين أبنائها. كل هذا قد ضاقوا به ذراعاً، كيف يمكن أن يعيش الناس بأمان؟ كيف يمكن أن يسافر الإنسان من مدينة إلى أخرى في الليل أو في النهار كنا نسافر إلى حلب بعد العشاء ونصل عند الفجر ونمشي في سككها بأمان. وكنا نسافر من القامشلي عند العصر ونصل إلى دمشق في ضحوة اليوم الثاني بكل طمأنينة وسلام، كنا ... صار ذاكرة تاريخية، كان يوماً ما بلدنا يعيش في ذلك الأمان.
أما يعي هؤلاء الذين ينادون بالإصلاح إلى أين يسيرون؟ قولوا لهم: إلى أين تريدون أن تسيروا بنا؟ وراء من تريدون أن تسيروا؟ دلونا على هؤلاء الذين يقودوننا: هل هم موضع ثقة؟ لا أدري إن كان الشيخ جورج صبرا سيكون خليفة للمسلمين! ولا أدري إذا كان فضيلة ميشيل كيلو سيكون أميراً للمؤمنين! ولا أدري إذا كان ذلك الإباحي القذر برهان غليون سيكون خليفة بدلاً من ذلك الآخر، هل هذا هو المنطق؟
أمشاج من الناس الذين صنعوا ليعيثوا في أرضنا فساداً... لم تعد المسألة قابلة للمجاملة أو قابلة للتورية، أصبحت المسألة صريحة.
أطفالنا يقتَّلون أبناؤنا يقتَّلون نساؤنا في الشوارع يقتّلن بقذائف العمى، والأنكى من ذلك أن يعتذر القتلة: بأنهم ماتوا لأنه جاء أجلهم، هذا ما كتبوه على صحائفهم معللين قصفهم للأهداف المدنية والمساجد والكنائس (جاء أجلهم فماتو ).
أقول لهم: كذلك أنتم عندما تُقصَفون قد جاء أجلكم، فلماذا تعيبون على النظام أن يقذفكم؟ حكموا العقول أيها المسلمون، لقد غرروا بأبنائنا غرروا بشبابنا وقذفوا بهم في أتون الفتنة، فشبابنا ضحية فتنتهم، وأبناء وطننا ضحية فتنتهم. غرروا بهؤلاء الشباب وقذفوا بهم في أتون فتنة عمياء.
إلى متى نبقى مترددين؟ أعلم أن هذا الكلام يضيقون بهم ذرعاً، وقد يكون سبباً لإشكالات كثيرة، وقد دفعنا دماءنا ثمناً لذلك.
كفى... لقد آن الأوان أن تستيقظ الأمة، وتنبذ أهل الفتنة بكل قوة وبكل بأس، وبكل إصرار، إنقاذاً للبقية الباقة من أمتنا ومن وطننا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم
من الخطبة الثانية:
أقولها ثانية وثالثة إنهم غرروا بأبنائنا غرروا بشبابنا وقذفوا بهم في أتون الفتنة. وقد قلت من قبل: إن كل شاب.. كل إنسان يسقط في هذه الفتنة خسارة لهذه الأمة، لا لأسرته فقط؛ بل خسارة للأمة برمتها، سواء كان من هذا الفريق أو من ذلك الفريق. لقد كنا نعيش بوئام، كنا نعيش بأمان، كنا نعيش بمودة. فعاثوا فيما بيننا أسباب الفساد، ومزقوا الوطن، ومزقوا الأمة، وصرنا إلى ما صرنا إليه؛ لذلك إذا كنا نبكي إنما نبكي واقعنا نبكي شهداءنا.. نبكي كل من سقط في هذه الفتنة سواء كانوا من المغرر بهم أو من الشهداء الذين سقطوا رافعي الهامة دفاعاً عن دينهم ووطنهم وأمتهم وإخوانهم وأعراضهم..
خطبة الجمعة في 15/11/2013


تشغيل

صوتي